بدأت محنة أهل الإسكندرية فى بيوتهم عام 2006 عندما كان اللواء عبد السلام المحجوب محافظاً للمدينة إذ ابتدع سنة شاذة ومنهجا غريبا ومقولة شهيرة «خالف البناء واتبرع». وقنن بذلك البناء المخالف للعمارات الشاهقة وناطحات السحاب فى أزقة وحوارى الإسكندرية. وسرعان ما تحول مفهوم «خالف واتبرع» للمحافظة إلى جيوب معظم نواب مجلسى الشعب والشورى والصحفيين والمذيعين والمخرجين لدرجة ان الإسكندرية اشتهرت أيام المحجوب بنواب التعليات على غرار نواب القروض ونواب المخدرات. حيث يقوم المقاولون الجشعون بعمل وساطة مع نائب أو إعلامى يتولى عرض الاستثناء فى التعلية ومخالفة قانون البناء مقابل عمولة وتتراوح هذه العمولات بين مليون وربع مليون جنيه حسب موقع العقار المخالف والحى الواقع فيه. وتؤكد الأرقام والبيانات أن إجمالى العمارات المخالفة فى عهد المحجوب وصلت إلى 55 ألف حالة خلال عام ونصف العام سنتى 2006 و2007. وتوقفت التعليات فى عهد عادل لبيب المحافظ الذى جاء بعد المحجوب ولكن بعد ثورة 25 يناير وتفشى الفوضى والانفلات الأمنى عادت الظاهرة المؤسفة أكثر ضراوة ووصلت العمارات المخالفة من بعد ثورة يناير إلى وقتنا الحالى إلى أكثر من 100ألف حالة. ويوقع الدكتور أسامة الفولى محافظ الإسكندرية على أكثر من 300 قرار إزالة للعمارات المخالفة يوميا. وخطورة ما يحدث أنه يمثل تحديا صارخا لهيبة الدولة وسيادة القانون وتهديدا للأرواح والممتلكات وكارثة إنسانية وسكانية لشيوع الفوضى المجتمعية المدمرة بعد دخول البلطجية مجال انشاء العمارات المخالفة وشيوع الانفلات السلوكى. ويؤكد الدكتور الفولى أن من أسباب انتشار ظاهرة مخالفات البناء وجود مساحات كبيرة من الأراضى المملوكة للأوقاف دون تخطيط عمرانى مما أغرى البلطجية بالاستيلاء عليها والبيع والتقسيم لها. فضلا عن تواطؤ بعض المهندسين فى الأحياء مع المقاولين المنحرفين فى عدم تحرير محاضر أو قرارارت إزالة والتأخر فى تحريرها. وقد صاحب ذلك انتشار ظاهرة البلطجة بسبب الانفلات السلوكى والأمنى وغياب الأمن ومما زاد الطين بلة أن قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 يسمح بتهريب المالك الحقيقى وتفشى ظاهرة الكحول الذى تحرر باسمه العقود والتراخيص ويستحيل تتبعه وتنفيذ الأحكام الصادرة فى حقه. وكذلك الاشتراطات البنائية المتشددة والتعقيد فى إجراءات استخراج التراخيص وقيام شركات المياه والكهرباء بتوصيل المرافق للعقارات المخالفة بل صدور أحكام قضائية أحيانا بذلك والسماح بشراء أسطح العمارات لتعلية أدوار مخالفة وعدم مصادرة معدات البناء المستخدمة وعدم تجريم المشترين للوحدات المخالفة والبيع الحر للحديد والأسمنت دون اشتراط تراخيص البناء. إن انهيار عمارة بحرى لن تكون الأخيرة بل هى حلقة فى سلسلة متصلة تتعرض لها عقارات الإسكندرية المخالفة التى شيدت بسرعة البرق ودون اتباع الاشتراطات اللازمة فى البناء ومنها ترك فترة حوالى شهر بين بناء الطابق والذى يليه وتحايل المقاولين المنحرفين باستخدام مادة كيماوية تجعل الأسمنت يتماسك بسرعة فائقة ولكن على حساب أمان وسلامة السكان بعد ذلك. إن الإسكندرية تعانى حاليا ومستقبلا كارثة بيئية وسكنية لعدم توافر اشتراطات البناء السليم ومراعاة المواصفات الفنية. لقد آن الأوان للتعامل مع المقاولين الجشعين بحزم وصرامة وإلغاء نظام الكحول وجعل البائع والمشترى يتعاملان بشخصيهما مع الأحياء دون توكيلات وهروب من المسئولية. وأن يطبق قانون الطوارئ على البلطجية ومقاولى البناء المخالف وإصدار تشريع عاجل لمعاقبة هؤلاء المنحرفين عقابا مشددا ومصادرة العمارات المخالفة لعل وعسى أن ننقذ ما يمكن إنقاذه من كوارث وخراب ودمار للسكندريين التى كانت مدينتهم عاصمة عالمية انصهرت فيها الطرز المعمارية الفريدة فى البناء وما صاحبها من أنساق حضارية وعمرانية وثقافية تجسدت فى 1135فيلا أثريا مهددة بالهدم وإقامة ناطحات سحاب مخالفة بدلا منها.