رغم تعالى بعض الأصوات داخل الكونجرس الأمريكى منذ ثورة 30 يونيو للمطالبة بقطع المعونة عن مصر، إلا أن القرار الأخير للإدارة الأمريكية بتعليق جزء من المساعدات العسكرية لمصر أثار استياء واسعا بين أعضاء الكونجرس، الديمقراطيين منهم قبل الجمهوريين، لعدم إشراكهم فى عملية صناعة القرار، ولمخالفته القانون الأمريكى نتيجة تخبط إدارة أوباما فى تعاملها مع الأحداث فى مصر، بحسب قولهم. وكان الإعلان عن تعليق جزء من المعونة العسكرية لمصر قد جاء بعد أن كشفت الكثير من وسائل الإعلام الأمريكية تفاصيل خطة الإدارة الأمريكية لتعديل المعونة لمصر، وهو ما ظل البيت الأبيض ينفيه حتى قبل صدور القرار بيوم، الأمر الذى أصاب الكثيرين فى الكونجرس بالصدمة، بما فى ذلك إليوت إنجل، نائب نيويورك، الديمقراطى البارز فى لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب. ونقل موقع «ديفنس وان» عن إنجل قوله إنه كان يرغب فى إبداء رأيه حول هذا الأمر مع الإدارة الأمريكية، ولكنه أصيب بالصدمة من عدم إشراك الإدارة أحدا من الكونجرس فى قرارها، مبديا أسفه بشأن العقبات التى وضعت أمام الجهود التى بذلها فريقه فى العمل للحصول على تأكيد من البيت الأبيض بشأن التقارير الصحفية التى تم نشرها. وأضاف إنجل أنه حتى لو كانت إدارة أوباما اضطرت لذلك بسبب الاختلافات فى الرأى من داخل الكونجرس بشأن أى قرار مثير للجدل، إلا أنه كان يجب عليها على الأقل إطلاعه على الأمر بصفته عضو بارز فى لجنة الشئون الخارجية وحليفا للإدارة. وأشار إلى ضرورة تغيير السياسة التى تتبعها إدارة أوباما لأنها خاطئة تماما. مضيفا أن قرار كهذا كان بحاجة إلى مناقشته مع الكثير من الأشخاص، وليس فقط مع دائرة أوباما المقربة والتى ستوافق بالطبع على كل قراراته. وعن رأيه فى القرار، قال إنجل إنه كان يفضل العمل مع الجيش المصرى خلال عملية الانتقال إلى الديمقراطية بدلا من القول بغرور «نحن فى طريقنا لحجب هذا وحجب ذاك» والمخاطرة باستعداء قيادة هذا البلد، الذى حافظ على السلام البارد مع إسرائيل. كما صرح عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطى لموقع «ديفنس وان» بأنهم أيضا لم يعلموا بالقرار إلا من خلال وسائل الإعلام وأن البيت الأبيض أخبرهم بأنه لم يتم اتخاذ أى قرارات حتى فوجئوا بالإعلان رسميا عن القرار، مؤكدين أنه لم يتم إخبار أى أحد داخل الكونجرس بالقرار مسبقا، لا قيادة مجلس الشيوخ ولا قيادة مجلس النواب، مشيرين إلى أن عدم استشارتهم بشأن قرار بهذه الأهمية ليس طريقة مثمرة للعمل مع الكونجرس. ومن الجانب الجمهورى، أعربت النائبة كاى جرانجر، التى ترأس لجنة الاعتمادات المالية بمجلس النواب والتى تشرف على المساعدات لمصر، عن قلقها من قرار الإدارة الأمريكية تعليق المساعدات لمصر دون التشاور مع الكونجرس. ورأت أن القرار ربما يضعف قدرة الولاياتالمتحدة على العمل مع شريك مهم، مشيرة إلى أن مصر تمر بمرحلة انتقالية صعبة، وبينما تفعل ذلك يجب على الولاياتالمتحدة أن تحافظ على هذه الشراكة التى تعتبر فى غاية الأهمية لأمننا القومى وأمن إسرائيل واستقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها. ومن ناحية أخرى، انتقدت قيادات من الكونجرس قرار الإدارة الأخير لأنه يتعارض مع تغاضيها عن رأيهم فى تسمية ما حدث يوم 3 يوليو بمصر بأنه كان انقلابا ومن ثم لم تقم وقتها بقطع المساعدات لمصر حسب القانون الأمريكى الخاص بالتعامل مع الحكومات التى تأتى عقب انقلابات عسكرية. وفى هذا الصدد، أوضحت صحيفة «هافنجتون بوست» الأمريكية أنه ليس من حق الولاياتالمتحدةالأمريكية قطع المساعدات عن مصر، لأن إدارة أوباما تجنبت حتى الآن وصف ما حدث فى مصر بعد 30 يونيو بالانقلاب. وأضافت الصحيفة أن سياسة البيت الأبيض يجب أن تكون واضحة ومتسقة فيما يتعلق بمصر ولكن ما يحدث لا يدل على ذلك مطلقا. وأشارت صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية إلى أن هناك مخاوف عميقة فى الكونجرس حول نوايا أوباما الالتفاف على القانون ووضع سابقة جديدة تقضى بقطع المساعدات للدول الأخرى فى حالات مماثلة دون تحديد وقوع انقلاب من عدمه. وأشارت الصحيفة إلى قول السيناتور باتريك ليهى، رئيس اللجنة الفرعية المشرفة على المساعدات الخارجية فى مجلس الشيوخ، والمعروف بتأييده لقطع المعونة عن مصر، إن «القانون الأمريكى واضح. عندما يحدث إنقلاب عسكرى فى بلد ما، يتم قطع المساعدات الأمريكية لحكومة ذلك البلد. أما إدارة أوباما فهى تحاول مسك العصا من النصف من خلال تعليق بعض المساعدات ولكن استمرار مساعدات أخرى». ورأى ليهى أن الإدارة بفعلها ذلك تبعث برسالة مشوشة، وأنها إذا كانت تريد استمرار بعض المساعدات للحكومة المصرية فينبغى عليها طلب استثناء من الكونجرس يسمح بذلك. وقالت صحيفة «ذا هيل» الأمريكية إن قرار إدارة أوباما تعليق جزء من المساعدات العسكرية لمصر أثار غضب المشرعين الرئيسيين والذين أعربوا عن غضبهم قائلين إن إدارة أوباما وضعتهم فى الظلام حيث إن القرار جاء بعد رفض وزارة الخارجية الأمريكية وصف الإطاحة بالرئيس المصرى المنتخب على إنه انقلاب مما أصاب المشرعين بالارتباك والتشوش. وفى حواره مع مجلة «ديلى بيست» الأمريكية تساءل السيناتور جون ماكين عن مغزى الرسالة التى يريد الرئيس الأمريكى أوباما أن يرسلها إلى وزير الدفاع المصرى عبد الفتاح السيسى من خلال قرار إدارته بتعليق المعونات العسكرية إلى مصر ردا على أعمال العنف فى البلاد مضيفا «يجب علينا أن نلتزم بالقانون، لكننا لم نفعل». وكان أحدث تقرير للكونجرس الأمريكى عن مصر، والذى أعده جريمى شارب، من إدارة الأبحاث بالكونجرس، قد أقر بأن أخطاء مرسى واشتباكه مع مؤسسات الدولة أجبرت الجيش على عزله حيث يقول التقرير: «حاز الرئيس المعزول محمد مرسى قبولا دوليا بعد أن أصبح أول رئيس لمصر يأتى بانتخابات حرة، وعادلة، وبعد حصوله فى جولة الإعادة فى يونيو 2012 على 51.7? من أصوات الناخبين، وكان كثير من المصريين من خارج معسكر الإسلاميين على استعداد لمنحه الفرصة. ومع ذلك، وبحلول يوليو 2013 عندما أطيح به، بات الداخل والخارج، مقتنعا بأنه أهدر الفرصة، وذلك بفشله فى التعامل بفعالية مع المشكلات الاقتصادية أو بناء الجسور مع شرائح المجتمع الأخرى، ووفقا لمعهد «جالوب»، فإن 80? من المصريين الذين استطلع رأيهم قبيل فترة وجيزة من سقوط مرسى أكدوا أن بلادهم أصبحت أسوأ حالا مما كانت عليه أيام مبارك». وتابع التقرير الذى صدر فى 12 سبتمبر الماضى: «بحلول يوليو عام 2013، كان النمو الاقتصادى قد توقف، وأسعار الغذاء، والوقود فى زيادة مطردة، ومثل نقص الوقود مصدر إحباط لكثير من المواطنين، وزادت معدلات الجريمة بشكل كبير بسبب غياب الشرطة». واعتبر التقرير أن الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى فى نوفمبر 2012، الذى رفعه فوق المساءلة القضائية، كان نقطة تحول رئيسية فى إشعال المعارضة ضد حكمه، على الرغم من تراجعه عنه فى وقت لاحق، إضافة إلى الأقباط الذين شعروا بقلق من أن حكم الإسلاميين من شأنه أن يشعل الصراع الطائفى، خاصة بعد الاعتداء على موكب جنازة فى كاتدرائية الأقباط الرئيسية فى القاهرة فى أبريل 2013.