تكرار الإعتداء على الأطفال فى المدارس وانتهاك أعراض الصغار دون ذنب جنوه يكشف عن غياب دور دولة العسكر فى حماية المواطنين لعدم وجود رقابة أو متابعة من الأساس فضلاء عن انهيار المنظومة التعليمية التى لم تعد الدور المطلوب منها لا تعليميا ولا تربويا . كانت الفترة الأخيرة قد شهدت تصاعد الغضب المجتمعي مع انتشار قضايا تتعلّق باعتداءات جنسية على أطفال في مدارس ومؤسسات تعليمية مختلفة ، وهو ما فجّر موجة غضب لدرجة مطالبة البعض بعقوبات أكثر قسوة، من بينها الإخصاء الكيميائي.
مدرسة سيّدز الدولية
من أبرز هذه القضايا ما شهدته مدرسة «سيّدز» الدولية بالقاهرة، حيث كشفت النيابة العامة وقوع اعتداءات جنسية على أطفال في مراحل عمرية مبكرة جدًا، من قبل عاملين داخل المدرسة، على مدى أشهر طويلة قبل أن يُكشف الأمر عبر بلاغات أهالي لاحظوا تغيّرات سلوكية وصدمات نفسية لدى أطفالهم. هذه القضية لم تهزّ الأهالي فقط، بل أحدثت صدمة مجتمعية كونها داخل مؤسسة يفترض أنها الأكثر أمانًا ورقابة، ما ولّد إحساسًا بأن الخطر بات قريبًا من كل طفل، وأن تكرار هذه الاعتداءات لم يعد حدثًا فرديًا بل ظاهرة مثيرة للقلق. كما شهدت محافظة الوادي الجديد قضية أخرى أثارت غضبًا واسعًا بعد اتهام مدرس بمدرسة ابتدائية بالتحرش ب13 تلميذة دفعة واحدة، ورغم سرعة صدور قرار بحبسه، إلا أ ن الواقعة أعادت للأذهان سلسلة أحداث مشابهة في مدارس ومعاهد دينية ورحلات مدرسية خلال العامين الأخيرين.
حماية عاجلة
فى هذا السياق تكشف تقارير حقوقية عن مئات البلاغات المتعلقة بالاعتداء والتحرش سنويًا، ما يؤشر إلى أن الكثير مما يحدث لا يُعلَن، وأن الظاهرة أعمق مما يراه الجمهور. وأكدت التقارير الحقوقية أن الضغط النفسي المتراكم من هذه الحوادث جعل المجتمع يرى نفسه في «حالة دفاع» مستمرة، ويشعر أن الأطفال الحلقة الأضعف لم يعودوا محميين كما يجب . واشارت إلى هذه الأوضاع تسببت فى انفجار خطاب عقابي متطرف يطالب بعقوبات غير تقليدية، حتى لو كانت غير قابلة للتطبيق، كوسيلة لإفراغ غضب مكتوم وطلب حماية عاجلة.
رفض شعبى
من جانبه قال المحامي المتخصص في القانون الجنائي عبدالرحمن علي، إن تصاعد المطالبة بالإخصاء الكيميائي يعكس في جوهره رغبة شعبية في التعبير عن أقصى درجات الرفض للجرائم الجنسية، وليس سعيًا فعليًا لسنّ قانون يمس الجسد. وأكد على فى تصريحات صحفية أن من حق المجتمع أن يطالب بالأمن، وأن غضبه مفهوم، لكن تحويل هذا الغضب إلى مطالبة تشريعية مستحيلة التطبيق لن يخدم النقاش العام. وأشار إلى أن الدستور واضح في تجريم أي عقوبة تمس سلامة الجسد أو تهدر كرامة الإنسان، مؤكدا أن إدخال عقوبة كالخصي الكيميائي إلى المنظومة القانونية يتعارض مع المبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية التي التزمت بها مصر، ما يجعل الأمر غير وارد من الأساس. وأوضح على أن القانون الحالي لا يعاني نقصًا في النصوص، بل يفرض عقوبات شديدة على التحرش وهتك العرض واغتصاب الأطفال تصل إلى السجن المشدد والمؤبد، بل وقد تصل للإعدام في بعض الحالات.
منظومة العدالة
واعتبر أن هذه الإشكالية تكمن في بطء المنظومة، وتعدد إجراءات التقاضي، وعدم وجود آليات متابعة للجناة بعد الإفراج عنهم، مشددا على أن البديل الجاد والواقعي يبدأ من إصلاح منظومة العدالة لتسريع البتّ في القضايا ومنع التأجيل المتكرر، وتدعيم التحقيقات الجنائية بأدوات علمية مثل وحدات الطب النفسي الشرعي، لافتا إلى ضرورة إنشاء سجل وطني لمرتكبي الجرائم الجنسية يسمح للجهات التعليمية والطبية والرياضية بالتحقق من خلفيات المتقدمين لوظائفهم، بما يمنع تكرار المأساة في مؤسسات يفترض أن تكون محمية بالكامل. وطالب على بضرورة أن تتضمن العقوبات برامج إلزامية للعلاج السلوكي والمتابعة بعد الإفراج، لأن الردع وحده لا يكفي في الجرائم ذات الطابع المتكرر.
رسائل احتجاج
وقالت أستاذة علم الاجتماع الدكتورة علا محمد، إن انتشار خطاب الإخصاء الكيميائي يكشف عن خوف جماعي أكثر مما يكشف عن رغبة في الانتقام، معتبرة أن تكرار الحوادث في مؤسسات يفترض أنها آمنة كالمدارس والنوادي ومراكز الدروس شكّل «صدمة ثقة» للمجتمع، فالأسرة لم تعد تطمئن إلى المؤسسة التعليمية، والطفل لم يعد يتمتع ببيئة حماية تلقائية. وأضافت علا محمد فى تصريحات صحفية أن الانهيار في الثقة يولد موجة غضب تسعى للبحث عن عقوبة تبدو «حاسمة ومطلقة»، حتى لو لم يكن من الممكن تطبيقها، معتبرة أن هذا النوع من العقوبات العنيفة يشبه على مستوى التحليل النفسي والاجتماعي رسائل احتجاج صامتة أكثر من كونه مطالب تشريعية. وشددت على أن المطاردة بالعقوبات الشديدة ليست الحل، موضحة أن جذور المشكلة أعمق وتتمثل فى : ضعف التوعية بالأمان الشخصي للأطفال، غياب برامج تربوية تُعلّم الطفل كيف يميز السلوك الخطر، وثقافة الصمت التي تجعل الكثيرً من الاعتداءات لا يُبلّغ عنها. وأشارت علا محمد إلى أن حماية الأطفال تحتاج إلى منظومة كاملة تتحرك على ثلاثة مستويات، الأسرة التي يجب أن تغير طريقة حديثها مع طفلها عن الحدود الجسدية، والمدرسة التي يجب أن تخضع لكشف أمني صارم وتدريب موظفيها على اكتشاف علامات العنف، والدولة التي عليها توفير خطوط حماية حقيقية وسرية وسريعة للتبليغ. وقالت إن المطالبة بمثل هذه العقوبات المتطرفة تكشف عن تراجع دور دولة العسكر فى حماية المجتمع موضحة أنه عندما يشعر المجتمع بأن هناك دولة تحميه سوف يتخلى تلقائيًا عن المطالبات المتطرفة، لأن التطرف في الخطاب هو نتيجة فراغ، لا نتيجة قناعة.