لحظة تبدو فيها كرة القدم المصرية وكأنها تقف على حافة مفترق طرق جاءت تجربة المنتخب الثانى فى كأس العرب بقيادة حلمى طولان لتكشف واقعًا يحتاج إلى إعادة بناء لا إلى جلد الذات فرغم الإخفاق والخروج المبكر من البطولة إلا أن ما جرى فى الدوحة يمكن النظر إليه كفرصة نادرة لمراجعة الملفات القديمة وفتح صفحات جديدة تساعد فى تصحيح المسار قبل الدخول إلى أهم امتحان ينتظر الكرة المصرية وهو كأس الأمم الإفريقية فى المغرب حيث يقود حسام حسن المنتخب الأول بروح مختلفة وطموحات كبيرة وقدرة واضحة على إعادة الهيبة التى اهتزت فى الفترة الماضية ليصبح المشهد العام أشبه برواية تتداخل فيها خيبة الأمل مع الأمل الكبير وفى القلب منها الرغبة فى عودة الفراعنة إلى مقدمة المشهد الكروى فى القارة ففى كأس العرب ظهر المنتخب الثانى بصورة لم تنجح فى إقناع الجماهير التى كانت تترقب أداء أفضل من مجموعة تضم لاعبين جدد يبحثون عن تقديم أنفسهم للمستقبل ورغم المجهود الذى بذله حلمى طولان فإن غياب الانسجام بين عناصر الفريق كان واضحًا منذ المباراة الأولى لأن التشكيلة ضمت لاعبين لم يسبق أن لعبوا معًا من قبل ولم يحصلوا على فترة إعداد كافية تسمح بخلق تفاهم داخل الملعب ومع التغييرات المستمرة فى التشكيل ضاع الإيقاع الجماعى الذى يعد مفتاح أى أداء جيد فى بطولة كبرى كما بدا الخط الأمامى عاجزًا عن صناعة الفارق حيث اكتفى المنتخب بهدفين فقط فى البطولة فى مشهد يعكس غياب الفاعلية الهجومية والنقص الواضح فى اللاعبين القادرين على صنع الفارق أمام المرمى وكانت الهجمات بلا هوية ولم يجد المنتخب اللاعب الذى يمسك بزمام المبادرة لحسم لحظة أو تغيير مسار مباراة رغم أن هذا الدور كان يقوم به لاعبون خبرة فى نسخ سابقة من المنتخب وفى باقى الخطوط ظهر العجز أيضًا فقد افتقد المنتخب إلى لاعب يستطيع التحكم بإيقاع اللعب وصناعة التوازن بين الدفاع والهجوم واعتمد على عناصر تفتقر إلى الخبرة الدولية بينما غاب بعض النجوم الأساسيين إما بسبب ارتباطاتهم بالاستعداد لأمم إفريقيا أو لعدم الجاهزية الفنية الأمر الذى جعل الفريق يدخل المباريات دون الشخصية المطلوبة أو الثبات التكتيكى الذى يحتاجه أى منتخب يريد المنافسة ومع ذلك لم يكن الأداء كله سلبيًا فقد تظهر ملامح روح إيجابية عند بعض اللاعبين وحضور بدنى مقبول فى فترات من المباريات ونجح الجهاز الفنى فى احتواء بعض المواقف الداخلية والحفاظ على حالة الانضباط لكن ذلك لم يكن كافيًا أمام ضعف الفاعلية الهجومية وغياب التجانس الذى كشفته البطولة بوضوح ليصبح الخروج من كأس العرب بمثابة كشف حساب يوضح الفجوة بين الواقع والطموح هذا الواقع لا يمكن اعتباره نهاية الطريق بل يجب اعتباره خطوة أولى فى طريق إعادة البناء خاصة أن المنتخب الأول يستعد لكأس الأمم الإفريقية بقيادة حسام حسن الذى جاء بروح مختلفة تسعى لإعادة الهيبة والجرأة لمنتخب اعتاد منافسة الكبار فى القارة ومع اقتراب موعد البطولة يعيش المعسكر حالة تركيز غير مسبوقة فاللاعبون يعملون بجدية واضحة والجهاز الفنى يتحرك بدقة فى كل التفاصيل من الإعداد البدنى إلى الخطط التكتيكية إلى دراسة الخصوم ويبدو حسام حسن صارمًا فى العمل لكنه قريب من اللاعبين بطريقة تجعلهم يشعرون بالمسئولية تجاه القميص الوطني وتزداد أهمية العمل داخل المعسكر بعد إصابة محمد عبد المنعم وغيابه عن البطولة وهو أحد أهم عناصر الخط الخلفى ما دفع الجهاز الفنى لإعادة التفكير فى الشكل الدفاعى بالكامل وظهرت فكرة الاعتماد على طريقة لعب 3-5-2 لمنح الدفاع دعمًا أكبر وإغلاق المساحات أمام المهاجمين أصحاب السرعات العالية خاصة أن البطولة ستشهد مواجهات مع منتخبات تمتلك قدرات هجومية كبيرة ويفكر الجهاز الفنى فى الاعتماد على ثنائى دفاعى مع الاستعانة بلاعب وسط دفاعى مثل حمدى فتحى أو مروان عطية لتأمين العمق ومنع الهجمات المرتدة وهو تفكير يعكس رغبة حسام حسن فى إيجاد حلول عملية للأزمات بدلًا من الاستسلام للغيابات أو الظروف الصعبة وفى وسط هذا الاستعداد الصارم جاءت لحظات مؤثرة داخل المعسكر كان أبرزها استقبال الجهاز الفنى لإمام عاشور الذى غاب فترة طويلة بعد إصابته بفيروس A قبل أن يعود للمشاركة لدقائق معدودة مع الأهلى وعلى الرغم من ابتعاده عن الملاعب فإن حسام حسن أصر على ضمه لأنه يرى فيه لاعبًا قادرًا على صناعة الفارق فى وسط الملعب وعقد جلسة معه طالبه خلالها بأن يقاتل ويثبت للجميع أنه لاعب من طراز خاص وهو ما ترك أثرًا كبيرًا فى نفس اللاعب الذى وعد المدير الفنى بأنه سيقدم أداءً استثنائيًا خلال البطولة وأنه سيقاتل من أجل مساعدة المنتخب على التتويج باللقب مشهد أعاد الأجواء الإنسانية إلى الواجهة وأكد أن كرة القدم ليست مجرد خطط بل علاقة ثقة بين لاعب ومدرب ومع مرور الأيام ازدادت الأجواء إيجابية داخل المعسكر فالجهاز الفنى ينظم كل شيء بدقة من مواعيد النوم والغذاء إلى البرامج البدنية والتحليل بالفيديو بعد كل تدريب واللاعبون يلتزمون بكل التفاصيل لأنهم يعرفون حجم المسئولية وحجم توقعات الجماهير التى تنتظر أداء يعيد الثقة ويمنح الفخر من جديد فالجماهير المصرية تاريخيًا كانت هى الوقود الذى يدفع الفريق لتحقيق البطولات ومن دونها لا يمكن للمنتخب أن يصل إلى منصة التتويج ولهذا يوجه الجهاز الفنى رسالة واضحة بأن الدعم الجماهيرى سيكون سلاحًا حاسمًا فى لحظات الحسم وتبدو المفارقة لافتة فبينما خرج المنتخب الثانى من كأس العرب بنتائج غير مرضية يقف المنتخب الأول على أعتاب بطولة كبيرة فى لحظة تحتاج إلى الروح والإصرار أكثر من أى وقت مضى وكأن القدر يقول إن إخفاق منتخب حلمى طولان جاء ليكون جرس إنذار يدفع الجميع إلى إعادة النظر فى الملفات الفنية والإدارية ويضع المسئولين أمام مسئولياتهم قبل الحلم الكبير فى المغرب فالإخفاق قد يكون نقطة انطلاق وليس محطة نهاية إذا تم استثماره بالشكل الصحيح وإذا أدرك الجميع أن المستقبل يحتاج إلى رؤية جديدة وهو ما يحاول حسام حسن تطبيقه بالفعل من خلال إعادة الانضباط والروح والصلابة إلى الفريق وإيجاد صيغة تجمع بين الخبرة والشباب وتعيد شخصية الفراعنة داخل الملعب إن ما يحدث الآن ليس مجرد استعداد لبطولة بل بناء مشروع كامل يعيد للكرة المصرية مكانتها وإن كانت بطولة كأس العرب قد كشفت عن فجوات كبيرة فإن بطولة إفريقيا قد تكون منصة لبدء صفحة جديدة صفحة يقودها حسام حسن بروح المقاتل وبإصرار لاعب كان عنوانًا للشراسة فى الملعب ومدرب يعرف معنى الدفاع عن قميص الوطن ويملك الجرأة على اتخاذ القرارات الصعبة وكل ما يأمله الجمهور المصرى هو أن يكون هذا المنتخب بداية طريق يعيد الفخر إلى الملاعب المصرية ويعيد الهيبة إلى الفراعنة وأن تتحول دموع الإخفاق فى كأس العرب إلى وقود يدفع المنتخب الأول لكتابة فصل جديد من المجد وأن يكون حسام حسن الرجل الذى يضع اللبنة الأولى فى عودة مصر إلى القمة من جديد. Untitled-1_copy