ليست كل الحروب تُخاض فى الملاعب. بعضها يدار خلف الأبواب المغلقة، فى غرف الاجتماعات، وفى مكالمات قصيرة حاسمة، وفى قوائم تُكتب وتُمزّق قبل أن تُعلن. هكذا وُلد الصدام الجديد داخل الكرة المصرية، بين حسام حسن المدير الفنى للمنتخب الأول، وحلمى طولان المدير الفنى لمنتخب مصر المشارك فى كأس العرب. صدام لم يكن مجرد خلاف عابر… بل تصفية حسابات كاملة، كان ثمنها خروج عدد كبير من اللاعبين من المشهد تمامًا، ودخول الكرة المصرية مرحلة «انفصال شبكي» بين منتخبيها. لحظة الانفجار الخلاف بين الجهازين لم يكن فنيًا فقط، بل شخصيًا ومنهجيًا. حسام حسن، صاحب المدرسة الهجومية الصارمة، أعلن بوضوح - داخل اجتماع جمعه بمسئولى اتحاد الكرة - أنه لا يريد أى لاعب يستدعيه حلمى طولان. بالنسبة له، اللاعب الذى يذهب للمنتخب العربى «يخرج من حسابات المنتخب الأول تلقائيًا». فى المقابل، كان حلمى طولان يتحرك فى مساحة ملغومة. يعرف حساسية المرحلة، ويعرف أن عينى الإعلام والجمهور مسلطة عليه، ولذلك قرر ألا يضم أى لاعب يُفترض أنه داخل خطط وحسابات المنتخب الأول، حتى لا يقال إنه استدعى لاعبًا يرغب حسام حسن فى ضمه. وفقًا لهذا الانفصال، تحولت الكتلتان الفنيتان إلى معسكرات تعمل فى جزر منعزلة، دون أى جسر تواصل.. بل دون أى رغبة، فى بناء هذا الجسر.
كيف اختار طولان ركائزه ؟ المفارقة الأبرز أن طولان - رغم استبعاده لمن دخلوا حسابات المنتخب الأول - اعتمد على ركائز أساسية كان حسام حسن قد تجاهلها، إما لأسباب فنية، أو لرغبته فى النزول بمعدل الأعمار السنية داخل قائمته. هؤلاء أصبحوا العمود الفقرى لمنتخب كأس العرب وأبرزهم : محمود حمدى «الونش»،قائد دفاع الزمالك المخضرم، رغم أنه دون الثلاثين من عمره، لكنه خارج حسابات الأول، ومحمد الننى،صاحب الرصيد الدولى الضخم،والذى استبعده حسام بداعى «التجديد»، وأكرم توفيق،الچوكر الذى يجيد فى مراكز خط الوسط، والظهير الأيمن، وعمرو السولية،خبرة خط الوسط التى استبعدها الأول بداعى «الإيقاع»، ومحمد مجدى أفشة،صانع ألعاب لم يجد مكانًا فى أفكار حسام، ومروان حمدى،رأس حربة طولان المفضل، ومحمد شريف- المهاجم صاحب الخبرة الدولية، لكن حسام كان له أوراق أخرى أبرزها مصطفى محمد، وأسامة فيصل، وصلاح محسن حسام حسن يرى أن البطولة الإفريقية تحتاج دماء جديدة، وأن «الأسماء الكبيرة» لم تعد قادرة على تنفيذ أفكاره بالمستوى المطلوب. نجوم دفعت ثمن الخلاف فى المقابل، كانت هناك فئة ثالثة، هى الأكثر ظلمًا على الإطلاق: اللاعبون الذين كانوا ضمن حسابات حسام حسن فى الأشهر الماضية،فاستبعدهم طولان احترامًا لسيادة المنتخب الأول… ثم استبعدهم حسام حسن بدوره لاحقًا من القائمة الأولية. هؤلاء أصبحوا - حرفيًا - فى «المنطقة الرمادية»: طاهر محمد طاهر – الأهلي أحمد نبيل كوكا – الأهلي ناصر ماهر – الزمالك مروان عثمان – سيراميكا كليوباترا عمرو الجزار – البنك الأهلي محمد ربيعة – سموحة محمد شكرى – الأهلي لا بطولة أمم إفريقيا… ولا كأس العرب. مجرد موسم كامل تبخر فى لحظة. انعدام التنسيق… أم تصفية حسابات؟ داخل اتحاد الكرة، يصف أحد المسئولين الوضع قائلاً: «ما حدث ليس خلافًا فنيًا… بل صراع سيادة، وكل جهاز أراد أن يثبت أنه صاحب اليد العليا». انعدام التنسيق وصل مرحلة غير مسبوقة المنتخب الأول يستبعد لاعبين كانوا ضمن اهتماماته، والمنتخب العربى يستبعد نفس اللاعبين لأنه اعتقد أنهم «أقرب للأول». والخسارة وقعت على رءوس مجموعة كاملة من اللاعبين، وجدوا أنفسهم خارج المشهد تمامًا. حلمى طولان يلوّح بالأسرار فى كواليس المنتخب المشارك فى كأس العرب، كانت الأجواء مشحونة، خاصة بعد التعادل فى الجولة الأولى مع منتخب الكويت بهدف لمثله. حلمى طولان المعروف بصراحته ألمح فى أكثر من مناسبة إلى وجود عراقيل مرّ بها خلال إعداد الفريق. وفى المؤتمر الصحفى عقب التعادل قال نصًا: «سأكشف كل شيء بعد البطولة… هناك أمور لا تُقال الآن». مصادر داخل المنتخب المصرى تؤكد أن طولان شعر بضغوط فى اختياراته، وأنه اضطر لتغيير قائمة مبدئية كاملة بسبب تضارب القرارات مع الجهاز الفنى للمنتخب الأول. طولان يحتفظ بالأسرار - على حد تعبيره - لكن المؤكد أنه سيكشفها بعد نهاية مشوار المنتخب المصرى فى كأس العرب. الآن، وبينما يستعد المنتخب الأول لخوض مشواره فى المغرب، ويبحث منتخب طولان عن بصمته فى قطر، يبقى السؤال المعلّق: هل كانت هذه الأزمة مجرد «سوء تنسيق»؟.. أم أنها موقعة كاملة من تصفية الحسابات الفنية والشخصية دفع ثمنها اللاعبون؟ والأخطر… من يضمن ألا تتكرر هذه الفوضى حين تتقاطع التزامات المنتخبات مرة أخرى؟ ما هو مؤكد أن هذه الأزمة سيكون لها توابع داخل اتحاد الكرة، وداخل غرف المنتخبات، وداخل عقول اللاعبين الذين اكتشفوا فجأة أن مستقبلهم قد يتغير… بسبب مكالمة واحدة بين اثنين متخاصمين توليا مقعد « المدير الفني».