على مدى الأيام القليلة الماضية التقيت عدداً كبيراً من الدبلوماسيين رفيعى المستوى.. الكل كان مهموماً بمصر وبأوضاعها ومشاكلها ومستقبلها.. الكل كان يسألنى ماذا يحدث غداً؟! وماذا أنتم فاعلون؟! ورغم أننى لست مسئولاً رسمياً.. فقد كانت اجابتى القاطعة: ان ما تشهده مصر مجرد كبوة بمنطق التاريخ وليس بحسابات اللحظات العابرة. نعم إنها كبوة صعبه وقد تكون غير مسبوقة.. ولكننا قادرون كأمة عريقة ومتجذرة فى أعماق التاريخ – على تجاوز كل الكبوات واستيعاب مختلف أنواع الصدمات. بل إن تاريخنا يشهد أننا استطعنا قهر كل الغزاة.. وذابوا فينا.. ولم يغيروا هويتنا ولا أسسنا الحضارية الراسخة. و خلال هذه اللقاءات المتنوعة مع الدبلوماسيين.. من الشرق والغرب أجمع الكل على عدة حقائق هامه: * عدم التدخل فى الشئون الداخلية لمصر.. فهم يدركون قدرها ومكانتها.. كما يعلمون أن المصريين كافه لديهم حساسية شديدة من أى همز أو لمز فى هذا المجال. وقلت لأحدهم: أنتم تتحدثون عن لجنة الخمسين والدستور والانتخابات وهذا شأن مصرى خالص.. لا نقبل من أحد أن يمسه.. كما لا تقبلون أنتم أن نتدخل فى شئونكم. فصمت الرجل وأنصت.. وإن كان غير موافق على ما أقول! * حيوية دور مصر فى استقرار وأمن المنطقة والعالم بأسره. هذه حقيقة هامة دون مبالغة.. فمصر أم الدنيا وقلبها النابض.. ليس من أجل مصلحه دوله أو لحساب طرف.. ولكن لأنها تمثل حجر الزاوية لإقليمها ورمانه الميزان والتوازن الدقيق فى محيط مضطرب هائج مائج.. لا ندرى أين يسير.. ولا كيف سينتهي! * الحرص على بدء عملية ديمقراطية حقيقية وجادة تستوعب كافة الأطراف ويشارك فيها الجميع من خلال حوار وطنى شامل ومخلص هدفه بناء مستقبل الوطن على أسس سليمة. ورغم أن بعض هذه الدول لا تمارس ديمقراطية حقيقية وتستغل شعاراتها لأغراض سياسية ونفعية وبراجماتية بحته.. إلا أننا يجب أن نعلم أن المسار الديمقراطى الحقيقى هو لمصلحه أرض الكنانة أولاً.. وليس لأيه اعتبارات أخرى.. ودون أن نتأثر بضغوط أو نخضع لابتزازات. * الاهتمام بوضع الاقتصاد المصري.. فكلنا يلاحظ مدى الأزمة الاقتصادية المريرة التى نعيشها ويكتوى بنارها البسطاء ويدفعون ثمنها أولاً. يجب أن نعترف بأن هناك أزمة اقتصادية خانقة.. وأن نحدد أهم مشاكلنا ونضع برنامجاً زمنياً دقيقاً لحلها.. ولنبدأ العلاج.. عاجلاً.. عاجلاً. وللأمانه فقد لمسنا مدى حرص هؤلاء الدبلوماسيين على نهوض الاقتصاد المصري. وقال لى أحد هؤلاء السفراء أنه تم ترتيب زيارة لوفد كبير من رجال الأعمال المصريين لزيارة البلد الأسيوى الذى حقق نجاحاً اقتصادياً مشهوداً وقدم تجربة رائدة يمكن أن نستفيد منها. *** و يبقى سؤال هام: كيف نستثمر حرص العالم على أمن واستقرار مصر وعلى خروجها من هذا المأزق المؤقت.. رغم صعوبته وآلامه؟! •• بداية يجب أن نبدأ بأنفسنا.. بالبيت المصرى والعمل على إعادة ترتيبه من الداخل على أسس سليمة.. وهذا الترتيب ضرورة حيوية ومصيرية فى هذا التوقيت وفى ظل منطقة شديدة الاضطراب.. ووسط أعداء يتربصون بنا ويتحينون الفرص لضرب بلادنا.. بل والانقضاض عليها. وهذا لن يحدث بمشيئة الله. •• فتح باب الحوار الوطنى والمشاركة أمام الجميع.. عدا من تلوثت أياديهم بالدماء.. أياً كانت مواقعهم أو انتماؤهم أو مكانتهم.. فالحوار يسهم فى تنفيس المكبوتات. كما يطلق الأفكار المبدعة التى تساعد على حل المشاكل المتراكمة والمتفاقمة. دعونا نتحاور.. نجلس معاً ونسمع إلى بعضنا بعضاً بإنصات وإنصاف.. دعوا القلوب تتكلم والعقول تتنفس.. فهذا أفضل للجميع.. للحكومة والمعارضة.. ولمستقبل مصر أيضاً. ومن خلال الحوار نستطيع الوصول إلى مساحات كبيره للاتفاق.. بل اننى على ثقة مطلقة بأن مساحات الاتفاق أكبر كثيراً من مساحات الاختلاف. فلا خلاف بيننا على أمن مصر ووحدتها واستقرارها والعمل بجد واجتهاد لخروجها من عثرتها. •• وكما قلت سابقاً – وسأظل أكرر – إننا جميعاً مخطئون.. فى حق أنفسنا وفى حق الوطن.. ولكن باب التوبة مفتوح لنا جميعاً.. كى نتسامح ونتغافر فى هذه الأيام الطاهرة المباركة.. «فاصفح الصفح الجميل» .. صدق الله العظيم •• تحقيق الأمن والأمان ضرورة حيوية وأساسية لخروج الوطن من كبوته وأزمته. والأمن قناعة وإحساس وممارسه على أرض الواقع فيجب أن يقتنع الجميع بأن الدولة بكل أجهزتها تعمل من أجل مصلحتهم.. ولخدمتهم.. وأنها جزء منهم.. وهم فى القلب منها. وصحيح أن بعض الممارسات الأمنية السابقة تركت آثاراً غائرة لدى البعض إلا أننا نتطلع إلى أن تتغير هذه الممارسات وأن تقوم أجهزة الأمن بمبادرات إنسانية واجتماعية لاستيعاب الجميع وأن تؤكد أنها تعمل من أجل كل أبناء الوطن دون استثناء. •• رعاية الفقراء والبسطاء والضعفاء يجب أن تكون الأولوية الأولى للحكومة.. فنحن نشاهد ونتابع ونتألم لهؤلاء الهائمين على وجوههم فى الشوارع.. بل الفقراء القابعين فى البيوت.. يتألمون ولا يتكلمون «يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف».. يجب أن نبحث عنهم ونصل إليهم ونتواصل معهم فهؤلاء هم الأولى بالرعاية.. وليس أصحاب الصوت العالي.. البارعين فى اصطياد الأموال.. دون وجه حق. ••ونحن نطرح على وزارة التضامن اطلاق برنامج جديد لرعاية الفئات الأشد فقراً.. خاصة هؤلاء الذين يتقاضون عشرات الجنيهات.. بينما ينفق غيرهم الملايين كل يوم فى المعاصى والملذات!! يجب أن نبدأ بحصر هؤلاء.. عددهم.. أماكنهم.. مشاكلهم ولتكن العشوائيات الأشد فقراً وتدهوراً هى نقطة الانطلاق.. بحيث يشعر سكان هذه المناطق بأنهم أحياء وليسوا أمواتاً. ونحن على ثقة بأن كافة الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى بل والأزهر والكنيسة.. كل هؤلاء يستطيعون المشاركة بكل قوة فى برنامج إنقاذ الفقراء والمهمشين.. كما أن قواتنا المسلحة يمكن أن تبدأ بمنطقة عشوائية.. تعيد تخطيطها وبناءها وتقدمها كنموذج رائد لحل هذه الأزمة المزمنة التى شاركت كافة أجهزة الدولة فى صنعها للأسف الشديد. •• تشجيع المشروعات الصغيرة وإزالة العوائق أمامها.. محور هام لإعادة بناء الوطن فقد عاد الروتين والفساد يطل برأسه بل يضرب بقوة.. وكأنه يقول لنا: انتهت ثورتكم وماتت.. وضاعت دماء الشهداء. نريد من وزير التنمية المحلية أن يضرب بيد من حديد على أيدى هؤلاء الفاسدين العابثين لإتاحة الفرص أمام كل من لديه مشروع صغير للعمل وأن يرى النور.. وأن يتوارى خفافيش الظلام.. وأن يدركوا أن الشعب الذى ثار ودفع من دمائه أزكى التضحيات لن يترك حقوقه تضيع هدراً.. نعم إن العالم يدرك قدر مصر .. ويجب أن نعلم نحن أيضاً ما هو دورنا وواجبنا للحفاظ على هذه المكانة وذاك التاريخ العريق.. حتى يحترمنا العالم.. وحتى تعود أرض الكنانة أفضل مما كانت وكما كانت.. فوق الجميع!