المثل يقول «لاتنفخ فى القربة المقطوعة».. أى لا تبدد جهدك ووقتك فيما لا نفع منه ولا طائل.. أتكلم عما نبذله من جهد لتصحيح صورة 30 يونيو فى أمريكا وأوروبا.. وعن اللوم الذى نجلد به أنفسنا لأننا تركنا الفرصة للإخوان المسلمين (وإن كانت التسمية الأصح هى الإخوان غير المسلمين) لإقناع الغرب بأن ما يحدث انقلاب عسكرى وليس ثورة شعبية. لا داعى للجهد ولا فائدة من جلد أنفسنا لأن الأمريكان ومن ورائهم الأوروبيين يعلمون جيدا أنها ثورة وليست انقلابًا.. ويدركون أن كل ما يردده الإخوان عن سلميتهم.. أكاذيب مفضوحة.. لكنه العشق الممنوع الذى ربط بين الإخوان والأمريكان! و هل نصدق أن الأمريكان ومن ورائهم الأوروبيين لا يصدقون أن ما حدث يوم 30 يونيو هو أكبر ثورة شعبية فى تاريخ العالم؟!.. هل نصدق أن الأمريكان يصدقون أن الإخوان ضحايا وأبرياء؟! العالم كله رأى الملايين التى خرجت يوم 30 يونيو ثم بعد ذلك يوم 26 يوليو.. العالم كله متأكد أن أكثر من 30 مليون مصرى خرجوا إلى الشوارع والميادين لإعلان رفضهم لحكم الإخوان وتمسكهم بإسقاط الرئيس الإخوانى! ثم تصريحات قادتهم الفاضحة التى تؤكد أنهم إرهابيون أبا عن جد! العالم كله رأى الإخوان وأتباعهم يطلقون النيران فى رابعة والنهضة وفى ميدان رمسيس وأمام قسم شرطة الأزبكية وفى الإسكندرية والمنصورة والسويس وأسوان وغيرها من المحافظات المصرية. العالم كله رأى الإخوان وأتباعهم يقتلون ويعذبون ويحرقون ويسحلون ويرتكبون أبشع الجرائم وهم يهتفون - لا أدرى كيف - للدين ولله ولمرسى! العالم كله رأى الإرهاب مجسدا فى مسيرات الإخوان ومظاهراتهم التى تنطلق منها الرصاصات عشوائيا فتقتل من تقتل وتجرح من تجرح. العالم كله رأى الكنائس المصرية تحترق بفعل الإخوان وأتباعهم والمتاحف تسرق وتنهب بفضل الإخوان وأتباعهم. العالم رأى.. وليس من رأى كمن سمع!.. ورغم ذلك يتحدث الأمريكان عن الديمقراطية الضائعة فى مصر بفعل العسكر وعن العنف المفرط الذى يتعرض له الإخوان.. وعن ضرورة وأهمية عودة الإخوان للمشهد السياسى وعن الاعتقالات السياسية التى يتعرضون لها.. ويلوحون بالعقوبات وينضم إليهم الأوروبيون فيعزفون جميعا نغمة التهديد والوعيد. ويطالبون بالحوار والمصالحة والإفراج عن المعتقلين.. ويصدق أننا قصرنا وأن إعلامنا مقصر فى مخاطبة الأمريكان والغرب وتوضيح الحقائق لهم.. وليس ذلك صحيحا إنما الصحيح أن الأمريكان والأوروبيين يعلمون الحقيقة كاملة ناصعة.. يعلمون حقيقة الإخوان.. يعلمون أن ما حدث كان ثورة شعبية ضدهم.. يعلمون أن الجيش المصرى لا ينقلب إنما انحاز لإرادة الشعب.. ولكنه العشق الممنوع كما ذكرت! *** عندما نتحدث عن علاقة الأمريكان بالإخوان فمن السذاجة أن نتصور أن الأمريكان وقعوا فجأة فى غرام الإخوان!.. من السذاجة أن نتصور أن الرئيس أوباما وإدارته أصبحوا فجأة ذوى ميول إخوانية.. أو أنهم من الخلايا النائمة! كل ذلك لا يخرج عن كونه تعبيرا ساخرا عن علاقة محيرة.. مع أننا نستطيع أن نهزم هذه الحيرة ونفهم إذا رجعنا للقاعدة الأساسية التى تتعامل بها أمريكا فى السياسة وغير السياسة.. هذه القاعدة تقول.. المصالح تتصالح!.. وقد تصالحت مصالح الأمريكان والإخوان فدخلوا فى علاقة عشق.. عشق من المفترض أنه ممنوع ومحرم.. لكنه تصالح المصالح! أمريكا بالطبع لا تشجع الإرهاب ولا تسعى لدعمه وإنما هدفها القضاء عليه أو على الأقل إبعاده عن حدودها وحدود أوروبا إن أمكن! أمريكا تصورت أن جماعة الإخوان المسلمين تمثل تيار الاعتدال بين جماعات الإسلام السياسى.. وأن تمكينها من الحكم فى الدول العربية والإسلامية سيكون فرصة ذهبية للقضاء على الإرهاب والتطرف.. كيف؟! إذا تمكنت جماعة الإخوان من الوصول إلى الحكم فليس هناك مبرر بعد ذلك أمام جماعات الإسلام السياسى لاستمرار عدائها للغرب ومن ثم استمرار تطرفها وتشددها.. ما تريده هذه الجماعات تحقق وإذا كان لابد من الصراع فإن الصراع فى هذه الحالة يكون داخليا.. بين الجماعات ونفسها.. بعيدا عن ظهر أمريكا والغرب. فى نفس الوقت أمريكا عندها مشروع لم تحاول إخفاءه وإنما أعلنته على الدنيا كلها.. مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى يهدف إلى إعادة تقسيم دول الشرق الأوسط بما فيها مصر إلى كيانات أصغر.. ومنح الفلسطينيين مساحة كبيرة من سيناء المصرية لإقامة دولتهم بعيدا عن إسرائيل.. وبالطبع الهدف من ذلك كله هو تنصيب إسرائيل رئيسا لمجلس إدارة المنطقة. من أجل هذا الهدف تم تقسيم السودان ويتم تقسيم العراق.. وتجرى محاولات لتقسيم سوريا ويتم التخطيط لتقسيم مصر وتنتظر السعودية دورها.. ومن أجل هذا الهدف يتم تدمير الجيوش العربية.. العراق أولا وبعدها سوريا وتنتظر مصر دورها! الإخوان عرفوا ذلك ووافقوا عليه.. وافقوا على التقسيم ومنح الفلسطينيين أرضا فى سيناء لأنهم لايؤمنون بالوطن إنما يحلمون بالأمة الإسلامية ووافقوا على تدمير الجيش لأنهم يريدون استبداله بجيش آخر.. جيش إسلامى على الطريقة الإخوانية.. يدين لهم بالولاء ويدعم بقاءهم فى الحكم. ويوقع الطرفان الصفقة.. صفقة العشق الممنوع.. الأمريكان يساعدون الإخوان ويمكنوهم من الحكم.. والإخوان يساعدون الأمريكان ويمكنوهم من تنفيذ مشروعهم. ويدفع الأمريكان المليارات لمساعدة الإخوان وتدعيمهم.. وينفذ الإخوان التزاماتهم.. يضعون فى الدستور بندا يسمح للرئيس بتعديل الحدود ويلزمون حماس باعتبارها جزءًا من الكيان الإخوانى بعدم الاعتداء على إسرائيل.. ويفتحون الباب على مصرعيه لتنظيم القاعدة وللجماعات الإرهابية لدخول سيناء.. ولتسهيل انفصالها عن الأراضى المصرية وجماعة الإخوان.. عند اللزوم! هل نستسلم لهذه المؤامرة؟! *** تعرضت مصر من قبل لمؤامرات من هذا النوع الثقيل وتمكنت من مواجهتها.. حدث ذلك فى عام 1956 وفى عام 1967.. ومن ثم تستطيع مصر أن تهزم المؤامرة الجديدة. تستطيع ذلك بإرادة الشعب ووحدته.. والبناء على موقف العرب المشرف الذى لعبته السعودية والإمارات والكويت ودول عربية أخرى.. وتستطيع ذلك بتفعيل الدور الوطنى الذى لعبته الكنيسة المصرية. ثم إن الإدارة الأمريكية فى مأزق حقيقى والعالم كله يعرف أن أوباما فقد مصداقيته فعلينا أن نطرق الحديد وهو ساخن!.. وعلينا بعد ذلك أن نخاطب شعوب العالم. فى نفس الوقت لابد أن نخاطب شباب الإخوان وليس قادتهم.. مستغلين انفتاحهم على الشباب المصرى خلال أحداث 25 يناير. *** المؤامرات لا تهزم الشعوب.. هكذا تعلمنا من التاريخ وهكذا نتعلم من الحاضر.. وهكذا يعلمنا «الإخوان والأمريكان»!