يبدو أن مدينة «ديترويت» التى تصنف بأنها الأكبر فى تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتى كانت أكبر مركز لصناعة السيارات منذ مطلع القرن الماضى ورابع أكبر مدينة من حيث السكان، تواجه الآن أسوأ حالاتها الاقتصادية، إذ تحولت أكبر مدينة أمريكية فى التاريخ إلى مدينة طاردة للسكان، واضطرت إلى التقدم بطلب رسمى إلى المحكمة لإعلان إفلاسها خلال فترة من 30 إلى 90 يوما. على مدار عدة عقود، ظلت الاضطرابات الاقتصادية تضرب ديترويت مما أدى إلى بلوغ الدين مستوى هائلا يقدر ب18.5 مليار دولار، كما تعانى عجزا ماليا بقيمة 300 مليون دولار، ويوجد بها 78 ألف مبنى قابل للسقوط ومهجور من بينها الكثير من المبانى الحكومية التى لا تستطيع بلدية المدينة ترميمها أو إزالتها لغياب الموارد المالية، كما لم يعد هناك بالخدمة الصحية سوى ثلاث سيارات إسعاف فقط وذلك لغياب الموارد الكافية لشراء الجديد أو لصيانة القديم، ولم يعد أيضا بإمكان بلدية المدينة توفير الإنارة العامة فى الشوارع، فيما تستغرق قوات الشرطة التى خفضت عددها إلى 40% ما يقارب ساعة كاملة للوصول حين يتم استدعاؤها مقابل 11 دقيقة على مستوى باقى المدن، وذلك نظرا لقلة الامكانيات المتاحة لدى شرطة المدينة التى أصبح بها أكبر معدل للجريمة منذ أربعين عاما، كل هذا أدى إلى موجات متتالية من الهجرة الجماعية لسكان المدينة حيث قل عدد السكان إلى أكثر من النصف خلال الأربعة عقود الماضية، حيث بلغ مليونى شخص تقريبا فى خمسينيات القرن الماضى ثم انخفض إلى 700 ألف، وتراجع العدد بمقدار الربع منذ عام 2000 مما أثر بدوره على الحصيلة الضريبية للمدينة التى تعد الضرائب من أبرز مواردها. وعن موقف الإدارة الأمريكية من هذه الأزمة، قالت إيمى برونداج المتحدثة باسم البيت الأبيض أن الرئيس أوباما وأعضاء فريقه المقربين يواصلون مراقبة الوضع فى ديترويت باهتمام بالغ، وأن مسئولى البيت الأبيض ملتزمون بمواصلة التعاون مع قادة ديترويت من أجل النهوض مجددا بالمدينة وتحريك أوضاعها واستعادة مكانتها بين المدن الأمريكية، كما أكد ريك سنايدر حاكم ولاية ميتشيجان أن اختيار قرار الإفلاس كان صعبا للغاية ولكنه كان ضروريا حتى يتمكن سكان ديترويت من الحصول على أبسط الخدمات العامة، مشددا على أن ديترويت ستنطلق مجددا على أسس مالية جيدة تتيح لها النمو فى المستقبل، مضيفا أن هذا هو الخيار الوحيد لمعالجة مشكلة تفاقمت بشكل متواصل فى السنوات الستين الأخيرة، وقد قرر سنايدر فى وقت سابق تعيين كيفين أور مسئول إدارة الشئون المالية بالمدينة ومنحه سلطات واسعة فى تسيير شئونها تفوق سلطات مسؤوليها المنتخبين على أمل إنقاذ الموقف، ولكنه عقب أربعة أشهر من توليه المسئولية تقدم بطلب الإفلاس ووافق عليه سنايدر. ويلخص كيفين أور أزمة ديترويت فى أنها سوء إدارة مالية وتراجع ديموجرافى واضمحلال للقاعدة الضريبية خلال السنوات ال 45 الأخيرة، كاشفا عن أن التفاوض مع دائنى المدينة هو الحل الوحيد وهو ما لاقى رفضا واستياء شديدين من قبل الدائنين، وسيتيح قرار المحكمة بقبول طلب إشهار الإفلاس لكيفين اور تصفية كافة أصول المدينة لسداد مستحقات الدائنين وأصحاب المعاشات، وهو الذى يطمح فى أن يلقى اقتراح تقدم به ترحيبا يقبل بموجبه الدائنون عشر سنتات فقط مقابل كل دولار مستحق لهم، ويذكر أن كوامى كيلباتريك وهو عمدة ديترويت السابق قد أدين ب 24 جريمة فساد ورشوة من بينها الاحتيال والتزوير وتلقى عمولات عن صفقات فى المدينة. ويرى كين بكفاير أحد مستشارى كيفين اور أن ولاية ميتشيجان لا تستطيع إنقاذ ديترويت لأن هذا سيفتح الباب أمام أى مدينة أخرى لأن تكون غير مسئولة، ويعتبر الخبراء أن مشكلة ديترويت تكمن فى أن التاريخ لا يحتوى إلا على القليل من المدن التى أفلست كما أنها لم تكن فى حجم ديترويت، فليس لدى الكثير الخبرة الكافية للتعامل مع الموقف وإنقاذه، كما أن إفلاس ديترويت يعكس انهيار قطاع صناعة السيارات الذى يشكل جزءا كبيرا وأساسيا من الصناعة الأمريكية.