فى الوقت الذى تدخل فيه احتجاجات ميدان تقسيم بمدينة اسطنبول التركية أسبوعها الرابع على التوالى، والتى تتزامن مع مرور أسبوعين على ما تشهده المدن البرازيلية من احتجاجات ومصادمات عنيفة ودامية مع قوات الشرطة، خرج رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان بتصريح مفاده أن ما تشهده تركيا والبرازيل جراء مؤامرة خارجية، مما أثار جدلا واسعا حول مدى صحة هذه التكهنات، ومن يقف وراء تلك المؤامرة؟ وما مصلحته؟ وأكد أردوغان فى تصريحات صحفية أن ما تشهده البرازيل مشابه تماما لما يحدث فى تركيا، واصفا اياها بمؤامرة خارجية تحاك ضد البلدين، مضيفا أن كلاهما يعانى من انتشار لأخبار كاذبة وتزييف للحقائق من مصادر مجهولة - فى إشارة لمواقع التواصل الاجتماعى- بهدف إثارة الفتن وزعزعة استقرار البلدين وهدم اقتصادهما وعرقلة مسيرتيهما الناجحتين لبلوغ مصاف القوى الكبرى. وتشهد مدن البرازيل احتجاجات واسعة النطاق، وصلت إلى حد خروج أكثر من 25 مليون شخص إلى شوارع المدن المختلفة على مدار أسبوعين متتاليين، اعتراضا على زيادة تعريفة وسائل النقل بمقدار 20 سنتا بالإضافة إلى غلاء المعيشة بوجه عام وزيادة الضرائب وتدنى مستوى التعليم والخدمة الصحية، وذلك فى ظل رصد الحكومة البرازيلية ميزانية تقدر ب 11 مليار دولار لاستضافة بطولة كأس العالم 2014، وأكثر من 15 مليار دولار لإقامة أولمبياد 2016، وهو ما جعل الاحتجاجات مستمرة رغم التراجع عن الزيادة المقررة على تعريفة وسائل النقل بالإضافة إلى تعهد الحكومة بتحسين الخدمات العامة، وقد جاءت الدعوة إلى تلك الاحتجاجات عبر شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة تزامنا مع إقامة بطولة كأس العالم للقارات 2013 والتى تعد بطولة تحضيرية لبطولة كأس العالم. وتعد تلك الاحتجاجات هى الأكبر فى البرازيل منذ أكثر من عقدين تقريبا، وقد لاقت ترحيبا وتأييدا كبيرا من العديد من النجوم والمشاهير وفى مقدمتهم نجما منتخب السامبا سابقا روماريو ورونالدو. وفى أول تعقيب لها على هذه الأحداث، أكدت ديلما روسيف رئيسة البرازيل على التزامها وحكومتها بتحسين وسائل النقل العام واستثمار جميع عائدات الموارد النفطية للبلاد فى التعليم، والاستعانة بأطباء من الخارج لتعزيز الخدمات الصحية، موضحة بأنها تستمع جيدا لصوت المحتجين بالشوارع مطالبة إياهم بالتعبير بكل حرية عن آرائهم فذلك يعبر عن قوة النظام الديمقراطى فى البلاد. ومن جهة أخرى، عبرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية عن دهشتها من تشبيه البعض لاحتجاجات البرازيل بثورات الربيع العربى، وقالت الصحيفة إن الأخيرة قامت ضد حكومات ديكتاتورية، بينما البرازيليون قضوا نحو عقدين من الديمقراطية والاستقرار الاقتصادى وقد أعجبوا بذلك، لذلك هم يطالبون الآن بالمزيد من الديمقراطية وبعض الإصلاحات فى الأمور الاقتصادية، مؤكدين على حقهم المدنى المقدس فى التعبير عن رأيهم بحرية. ولكن الصحيفة البريطانية لم تخف دهشتها أيضا من الأسباب التى قامت من أجلها هذه الاحتجاجات، حيث أن استضافة البرازيل لبطولتى كأس العالم خلال العام المقبل ودورة الألعاب الأوليمبية عام 2016 من شأنه تطوير المرافق الرياضية والبنية التحتية للبلاد، كما أن اختيار البرازيل لاستضافة أهم حدثين رياضيين فى العالم يدل على أهميتها كقوة اقتصادية صاعدة مثل الهند والصين وتركيا. وبالانتقال إلى ما يجرى فى تركيا، اعتبر المعارض التركى البارز دولت باهجلى رئيس حزب الحركة القومية تصريحات أردوغان مثيرة للجدل ومثيرة للسخرية، صرح باهجلى لصحيفة «زمان» التركية: «إن اعتبار احتجاجات تركيا والبرازيل مؤامرة خارجية أمر مثير للشفقة والسخرية فى آن واحد، فإتهام المعارضة بالخيانة أمر معتاد من الأنظمة الطاغية»، مشددا على أن حكومة أردوغان قد طغت وعليها الرحيل وتقديم استقالتها، وأضاف أن الوضع يختلف بين البلدين فالبرازيليون لا يرغبون فى تغيير النظام الحاكم لديهم بل هم يطالبون بمزيد من الإصلاحات، بينما وصلت مطالب المتظاهرين الأتراك إلى ضرورة تقديم الحكومة استقالتها. كما رأت صحيفة واشنطن بوست فى تصريح أردوغان محاولة لتبرير فشله بالاستعانة بنظام مماثل، وقالت الصحيفة الأمريكية إن حكومتى البلدين تقدمان نموذجين لبداية سقوط الديمقراطية الخداعة، وأضافت: «إن أردوغان بعد أكثر من عشرة أعوام فى الحكم أصبح متغطرسا ومستبدا ولا يتسمع لمعارضيه ولا يعطيهم أى اهتمام، أما ديلما روسيف فتهتم بإنفاق مليارات الدولارات على ملاعب كأس العالم ودورة الألعاب الأوليمبية، فى حين تترك عامة الشعب يعانون سوء الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والنقل». ولم تلق تصريحات أردوغان رواجا كبيرا لدى الكثيرين، إلا أن بعض الصحف التركية المقربة من النظام الحاكم استقبلتها باهتمام شديد، وقالت هذه الصحف أن حكومتى تركيا والبرازيل تدفعان ثمن مساندتهما للشعب الفلسطينى وحقه فى إقامة دولته المشروعة، بالإضافة إلى ظهور حكومة كلا البلدين على الساحة الدولية كقوى مؤثرة وفعالة وموازية للقوى الكبرى.