يبدو أن الجميع سعيد بكأس العالم للقارات التي تستضيفه البرازيل حاليا إلا الشعب البرازيلي, فلا أحد ينام, الكل غاضب ويريد نيل حقوقه من الحكومة فقد اهتزت البرازيل بأضخم مظاهرات منذ21 عاما, عندما خرج الشعب ضد فساد حكومة الرئيس السابق فرناندو كولور دي ميلو المستقيل, وها هو الشعب البرازيلي يخرج مرة ثانية ضد رئيسته الحالية ديلما روسيف وحكومتها للتنديد برفع أسعار النقل العام وبالأموال الطائلة التي تنفقها الحكومة علي المونديال بينما الوضع التعليمي والصحي في تدهور مستمر. آسفون للازعاج.. البرازيل تتغير, شعارات رفعها أكثر من مليون شخص في كبري المدن البرازيلية في مظاهرات لاتعدو أن تكون مجرد تحركات اعتراضا علي تعريفة النقل العام, بل هي الطبقة الوسطي التي خرجت ساخطة إلي الشارع من الوضع المتردي الذي ألت إليه البلاد في تحرك فاجأ الجميع. فبلاد السامبا لم تعتد علي الحركة في الشارع فيما خلت مهرجانات الرقص والكرة التي اشتهرت بها البلاد, وأتت لتكون الأكبر خلال عقدين. لذا فإن تعريفة النقل العام التي قامت الدولة برفعها شكلت القشة التي أخرجت إلي العلن حالة من السخط, ثلاثة أشياء عجت بها شوارع الريو, هنا اتهام بالسرقة وهناك رفض للزيادة, وهنالك تردي الوضع الاقتصادي, ورغم أن تعريفة النقل العام تعتبر قليلة مقارنة بباقي دول العالم( حوالي3 ريالات) لكنها باتت الأغلي إذا ما قورنت بمعدلات الاجور, إذ بات علي العامل البرازيلي أن يضحي بأربع عشرة دقيقة من عمله حتي يتمكن من شراء تذكرة نقل واحدة, المشكلة اقتصادية إذا, صحيح أن النمو الاقتصادي الذي عرفته البلاد خلال ال15 عاما الماضيه جعل جزءا كبيرا من البرازيليين يخرجون من دائرة الفقر, كما أن مظاهر الجوع انقرضت تقريبا, إضافه إلي تدني مستوي البطاله إلي أقل من6%. إلا أن مستويات التضخم المرتفعة تقض مضجع الناس, فأسعار المواد الغذائية قريبة من الأسعار المعمول بها في ألمانيا, بل وأعلي منها أحيانا, إذ يجب دفع أربعة يورو مقابل كيلوجرام واحد من الطماطم. هناك أيضا تحديات أخري تواجهها البلاد متمثلة في حروب ضد العصابات المنظمة وشبكات ترويج المخدرات والفراغ الأمني, بالاضافة للمونديال والألعاب الأوليمبية المزمع تنظيمها خلال الأعوام المقبلة وما عكسته من مشاكل في التنفيذ والتسليم وفق الجداول المحددة, والمبالغ الطائلة المقدره ب26 مليار يورو التي تنفقها الحكومة علي تنظيم كأس العالم لكرة القدم لعام2014, فملعب ماراكانا الشهير وحده أصبح رمزا للفساد الاداري والمالي في البرازيل. إذا بلاد السامبا وكرة القدم تنتفض وتثور علي الفقر والتهميش, حيث تقول إحدي المتظاهرات إنها أتت لتظهر أن البرازيل لا تتمحور فقط حول كرة القدم والحفلات, فهناك قضايا أخري تثير القلق مثل نقص الاستثمارات والصحة والتعليم, وأضافت: كيف يعقل أن قيمة لاعب كرة قدم أعلي من قيمة أستاذ؟. ويبدو أن عنف الاحتجاجات التي تأتي في أعقاب نظيرتها في تركيا تمثل تحديا جديدا للرئيسة ديلما روسيف, حيث علقت الصحف البرازيلية علي الموضوع قائلة إن حكومة الرئيسة تفتقد للتجربة في مواجهة مثل هذه التظاهرات التي لم تشهدها البلاد في عهد الديمقراطية, علي الرغم من محاولات روسيف المستميتة امتصاص غضب الشارع بالحديث عن مشروعية التظاهرات السلمية وعن حق كل مواطن في التعبيرعن نفسه, غير أن محاولاتها لم تستطع وقف نزيف الجرح البرازيلي, حتي بعد أن ألغت حكومتها قرار زيادة تعريفة المواصلات العامة, والإعلان عن إجراء استفتاء شعبي حول الإصلاحات, صحيح أن خطابها التليفزيوني الذي بثته إلي الشعب ووعودها بالإصلاح من خلال صياغة خطة لتحسين وسائل النقل العام واستثمار جميع عائدات الموارد النفطية للبلاد في التعليم, إلا أن المظاهرات مازالت مستمرة, لسبب بسيط وهو أن الشباب المحتج فقد الثقة في كافة الأحزاب السياسية الحالية ويطالب ب التغيير. إنه ربيعا استوائيا إذا أوهكذا أطلق عليه البعض ومنهم وزير الرئاسة جيلبيرتو كارفايو الذي يؤمن بأن الربيع العربي له تأثير كبير علي المتظاهرين, في إشارته الي استعمال شبكات التواصل الاجتماعي التي كان لها دور كبير في الحشد, حيث كتبت إحدي رواد الإنترنت قائلة:زيادة أسعار النقل ألغيت لكن من يقول إننا سنتوقف؟. ولاشيء يوحي بضعف حركة الاحتجاج هذه التي لا ترفع يافطة سياسية أو نقابية ولا يوجد لها زعماء ظاهرون, وهي تبلور مختلف مخاوف الناس في البلد الناشئ ذي ال194 مليون نسمة إزاء خدمات عامة متدنية مثل الصحة والتعليم وفساد الطبقة السياسية ومبالغ هائلة بالمليارات انفقت علي كرة القدم. ويبدو أن استخدام نجوم المجتمع في بلد يغلي بالاحتجاجات بهدف إخماد نيرانها هو طريقة عالمية ولا تقتصر علي ثورات الربيع العربي فقط, ففي البرازيل نشهد مثالا جديدا للأمر بدخول عدد من المشاهير علي خط المحاولات لتهدئة المتظاهرين, وعلي رأس هؤلاء بيليه أسطورة كرة القدم البرازيلية. اتركوا الشارع وركزوا علي الكرة, كان هذا موجز الرسالة التي أراد بيليه بعثها لآلاف المحتجين داعيا إياهم إلي ترك الشوارع والتركيز علي دورة كأس القارات, فكان رد الفعل السريع من المتظاهرين هو السخرية والاستهجان, مواقع التواصل الاجتماعي نددت بتصريحات الكروي اللامع وأشاروا إلي أن ثراءه منعه من التعاطف مع الفقراء, قائلين:بيليه.. جهلك يتساوي مع عبقريتك الكروية. لقد هبت بالفعل رياح التغيير في البرازيل, وأصبح أمام ديلما روسيف خيارين لا ثالث لهما, إما الوقوف في وجه العاصفة وخسارة المزيد من شعبيتها وبالتالي فقدان الأمل في الفوز في انتخابات2014, أو أن تسبح مع التيار وتنزل علي رغبة شعبها وتكسب المزيد من الأصوات.