المتظاهرون ىطالبون الشعوب بعدم الذهاب لكأس العالم فى بلادهم كانت دائماً كرة القدم مصدر الفخر والسعادة للشعب البرازيلي، حتي في أوقات الانهيار الاقتصادي والحكم الاستبدادي، لكن هذه الأيام يبدو أن البلد الأنجح في تاريخ كأس العالم والتي قدمت للعالم أساطير في عالم كرة القدم مثل بيليه ورونالدو وغيرهما لم تعد تكتفي بالكرة كمصدر لسعادة شعبها، وأصبح مواطنوها يطالبون المسئولين بالالتفات إلي الخدمات الأساسية التي يحتاجها الشعب البرازيلي من مدارس ومستشفيات وطرق والتي تم إهمالها من أجل الساحرة المستديرة. لقد تحول جنون الكرة من مصدر لسعادة الشعب البرازيلي إلي رمز يلقي الضوء علي المشكلات الهائلة التي تعاني منها البرازيل. فقد خرج مئات الآلاف من المتظاهرين إلي الشوارع للتعبير عن غضبهم من كل رجال السياسة سواء في الحكم أو المعارضة ومن الفساد الشديد ومن الحالة المزرية التي وصلت إليها الخدمات العامة من مواصلات وخدمات صحية وتعليمية. ومع ارتفاع سقف النفقات علي المنشآت التي ستستضيف كأس العالم القادمة في 2014 علي حساب الحاجات الأساسية للشعب، أطلق البرازيليون دعوة كانت تعتبر من رابع المستحيلات في هذه البلاد وهي مقاطعة بطولة كأس العالم التي ستقام في البرازيل، في إشارة إلي كم الغضب الذي يملأ الشارع والذي وصل إلي الهجوم علي رموز وأساطير كرة القدم في البرازيل والذين لم يعودوا بمنأي عن النقد الآن. المتظاهرة جابريلا كوستا ذات ال24 عاما صبت غضبها علي أسطورتين كرويتين بيليه ورونالدو قائلة "إنهما يصنعان الملايين كل يوم، لكن ماذا عن باقي الشعب؟". المتظاهرون هاجموا النجمين بعد أن دعا بيليه البرازيليين لنسيان المظاهرات والاستمتاع بكرة القدم. وعندما ظهر رونالدو في التليفزيون وقال إن كأس العالم يتم تنظيمها من خلال الاستادات وليس عن طريق المستشفيات" كثير من المتظاهرين تجمعوا خارج الاستادات التي تقام عليها مباريات كأس القارات واشتبكوا مع الشرطة وأحرقوا السيارات، في حين أصدرت الفيفا المسئولة عن تنظيم رياضة كرة القدم في العالم كله بياناً أكدت فيه علي ثقتها التامة في قدرة البرازيل علي حفظ الأمن وتنظيم كأس عالم مثالية في 2014. لكن هذا التصريح في حد ذاته يعتبر إحراجا للسلطة البرازيلية التي ظلت لسنوات تحاول رسم صورة مغايرة للبرازيل كدولة ديمقراطية مستقرة تستطيع تنظيم فعالية عالمية ككأس العالم. والآن وبدل أن تكون كأس العالم مصدرا لفرحة وفخر الشعب البرازيلي، صارت الميزانيات الضخمة المخصصة لهذه البطولة تثير سخطاً وغضباً هائلاً للناس التي تري حكومتها تتجاهل احتياجاتها وحقوقها الأساسية. ورغم أن الدولة أعلنت أن الميزاينة المخصصصة لبناء الاستادات والإعداد لكأس العالم هي 13 مليار دولار، إلا أن الواقع علي الأرض يؤكد أن الميزانية تتخطي هذا الرقم بكثير. ويقول أرنالدو دا سيلفا الذي يعمل في شركة اتصالات والذي احتفل في 2007 بفوز بلاده بتنظيم كأس العالم "أنا أحب كرة القدم، لكني نزلت للشارع لأعترض علي إعطاء الأولوية للاستادات وترك البنية التحتية بحالتها المزرية" طوال تاريخها كانت البرازيل تفخر بنجومها الكبار. في 1930 كان بزوغ الأسمر ليونيداس دا سيلفا الذي لقب بالجوهرة السوداء والذي أبهر الأوروبيين بمهاراته الفائقة. في 1982 صار سقراطس كابتن لفريق البرازيل في كأس العالم وبعد سنوات قليلة ترك الكره واتجه للسياسة وكان رمزاً من رموز التحول الديمقراطي في البلاد. لكن بيليه ورونالدو تركا انطباعاً بأنهما لم ينحازا للشعب وانحازا فقط لمصالحهما، مما أثار غضب الشعب ضدهما وضد كل لاعبي الكرة البرازيليين. وانطلقت مظاهرات تنادي "يابرازيل استيقظي، فالمدرس أعلي قيمة من نيمار" في إشارة إلي النجم الصاعد نيمار الذي انضم لنادي برشلونة مؤخراً. وعلي مستوي اللعبة، يجد المنتخب البرازيلي نفسه في موقف صعب مع تراجع ترتيبه للمركز 22 للمرة الأولي في تاريخه، كما أن رئيس اتحاد الكرة ريكاردوا تيكسيرا قدم استقالته بعد سنوات طويلة من تقلده المنصب وأعلن أن هذا القرار جاء لأسباب صحية لكن يبدو أن هذا غير صحيح في ظل اتهامات الفساد التي تلاحقه الآن. ويعاني خليفته خوزيه ماريا مارين من هجوم كاسح بسبب تأييده التاريخي لديكتاتورية الجيش. الغضب من الفساد الرياضي ليس وليد اللحظة ولكن له خلفيات تعود إلي عام 2007 حين نظمت البرازيل بطولة البان أمريكان الكروية التي تضم فرق الأمريكتين والتي أنشأت وجددت البرازيل من أجلها عدة استادات، وأنفقت عليها مبالغ هائلة، والآن ومع فوز البرازيل بتنظيم كأس العالم، وجد البرازيليون أن الدولة قررت تجديد هذه الاستادات مرة أخري، بل وهدم بعضها وإنشاء استادات أخري، وهو دليل دامغ علي الفساد الذي يضغط علي موارد الدولة وبالتالي يؤثر علي الخدمات الأساسية بالسلب. وفي مواجهة الاحتجاجات والمظاهرات المستمرة عقدت الرئيسة ديلما روسيف اجتماعا طارئا مع كبار مستشاريها لبحث الاستجابة لمطالب الشارع الغاضب منها إعادة تأهيل وسائل النقل العام، وتوزيع عائدات النفط علي التعليم، ولكنها عادت وقالت إن عائدات النفط سيتم توزيعها علي المناطق الأكثر احتياجاً فقط، مما يعطي انطباعا أنها لاتنوي ضخ أموال كبيرة علي ميزانية التعليم. وقالت روسيف "لقد حاربت البرازيل كثيراً من أجل بناء دولة ديمقراطية وهي الآن تحارب من أجل بناء دولة أكثر عدالة" في حين علقت روسيف بحزم علي انتشار العنف في البلاد والهجوم علي بعض المنشآت الحكومية وذلك قبل أيام من زيارة بابا الفاتيكان، مهددة بإنزال الجيش إلي الشوارع في حالة استمرار المظاهرات في الشوارع "لن نسمح بالفوضي" وكان أكثر من مليون شخص قد خرجوا في الشوارع في عدد من المدن البرازيلية وفي حين عبر معظم المتظاهرين عن إحباطهم بسلمية وأحياناً في أجواء احتفالية بعودة الحراك في الشارع البرازيلي من جديد، قامت مجموعات من المتظاهرين بأعمال شغب وإحراق مبان حكومية وتكسير واجهات محلات وسيارات وبعض ماكينات ال A.T.M.. وقال جوزيه ماريانوا بيلترامي المسئول الأعلي للأمن في ريو دي جانيرو إنه من الممكن استدعاء الجيش للنزول للشوارع في حالة استمرار أعمال الشغب "حماية الناس والمنشآت العامة والخاصة هي أولوية لدينا" المجموعات الرئيسية التي دعت للتظاهر قالت إنها لن تدعو لمظاهرات ضخمة مرة أخري، معتبرة أن المظاهرات السابقة حققت أهدافها وتم التراجع عن رفع أسعار تذاكر الأتوبيسات العامة. وقال رافائيل سكويرا عضو في مجموعة باسي ليفري السياسية التي دعت للتظاهر "لقد ربحنا معركتنا، الآن وقت التفكير في الخطوة القادمة التي سنقوم بها" أما في مدينة ريبراو بريتو فقد حضر حوالي ألف شخص جنازة ماركوس ديليفرات البالغ من العمر 18 عاما والذي توفي بعد أن دهسته سيارة أثناء المظاهرات وقامت الشرطة العسكرية بتأمين الجنازة. في حين توفي عامل نظافة يبلغ من العمر 51 عاما نتيجة استنشاق الغاز المسيل للدموع. وفي ظل استمرار المظاهرات، قرر البنك الوطني للتنمية تقديم قرض لتوسيع شبكة المترو في مدينة ساو باولو التي انطلقت فيها شرارة المظاهرات الأولي، وفي برازيليا قال وزير المالية إنه سيتم اتخاذ إجراءات عادلة لمكافحة الفساد. في حين يتشكك بعض المشاركين في المظاهرات من هذه التصريحات وتقول جينيفر نوفاز وهي طالبة عمرها 18 عاما "لقد وعدونا بأشياء كثيرة وأخلفوا وعودهم، نحن نريد تنفيذ الوعود حالاً بلا أي تأخير"