فى معهد معلمى القرآن الكريم بمجمع أمهات المؤمنين يجتمع أطفال وشباب ورجال من مختلف الدول الذين فرقتهم الحدود على حفظ كتاب الله.. حيث يبدو المشهد رائعا عندما تجد شابا أمريكى الجنسية يجلس أمامه شاب أفريقى «سنغالى الجنسية» يعيد عليه ما حفظه من القرآن ويجلس قريبا منهما طفل آخر تركستانى يصاحبه طفل صينى الجنسية.. وهذا المجمع وما يشهده يعد مشهدا مصغرا من الأزهر الشريف الذى يحتضن كل الجنسيات، وكذلك مدينة البعوث الإسلامية. مسران عبد الحكيم عمره 13 سنة، من تركستان وبالرغم من أنه فى الصف الخامس الابتدائى- أزهر- إلا أنه خجول لدرجة أنه إذا تحدثت معه أمام أكثر من طالب يتلعثم فى الكلام ويمتنع فجأة. وقال إنه يسكن مع أخته التى تدرس فى الأزهر فى شقة ايجار بشارع أحمد سعيد.. وجاء إلى المعهد ليتعلم القراءات ويحصل على إجازة بالقراءة، مضيفا: حصلت على إجازتين برواية حفص عن عاصم وشعبه. وعن معرفته بالمعهد قال:إن أخا له فى الإسلام يسمى (محمد نيازى) من تركستان ويسكن فى نفس الشارع الذى يعيش فيه دله على هذا المعهد ونصحه بالالتحاق به. وذكر مسران أنه بدأ الحفظ وهو فى سن الرابعة وأتم الحفظ وهو عمره 7 سنوات قائلا: حفظت القرآن الكريم كاملا فى بلدى.. لكننى وجدت صعوبات بالغة وعانى كثيرا رغم صغر سنه، حيث حفظ القرآن متخفيا تحت الأرض لأن دولته محتلة من الصين.. ولو رآنا أحد منهم وأنا أحفظ القرآن سيضعونى فى السجن. وعن الأماكن التى قام بزيارتها فى مصر خلال الفترة القصيرة التى عاشها فيها، حيث جاء إلى مصر فى يناير 2012. قال الشيخ مسران - كما يحب أن ينادى عليه - ذهبت إلى القناطر الخيرية وركبت الخيل والدراجات البخارية «الموتوسيكل».. وذهبت أيضا إلى محافظة كفر الشيخ لكنها لم تكن زيارة للسياحة أو المرح.. بل ذهبت كى اشترى كتاب «الجمع بين الصحيحين»، بعد أن بحثت عنه فى القاهر ومكتباتها طويلا ولم أجده إلا هناك.. وأضاف كررت زيارتى إلى كفر الشيخ لكن هذه المرة كانت لتعلم الحديث.. وآخر الأماكن التى زارها فى مصر كانت ميدان التحرير. وعلى النقيض تماما وجدنا الطفل ستوق خال مراد فكان مرحا مفوها يحب الكلام ويجادل ويصحح لمن حوله بل ويترجم لهم بعض الكلمات التى يعجزون عن فهمها. بدأ كلامه معرفا نفسه وأنه من تركستان الشرقية ونزح إلى مصر منذ خمس سنوات، وكان عمره فى ذلك الوقت 8 سنوات، يدرس فى الصف السادس أزهرى.. يحفظ القرآن الكريم كاملا.. وقال إنه بدأ يحفظ القرآن بعد مجيئه إلى مصر بشهرين، وأول مكان حفظ فيه كان مسجد «أمهات المؤمنين».. وشارك فى المسابقات التى كانت تعقد فى المعهد الذى يدرس فيه، حيث يدرس فى معهد «مجمع مدينة نصر النموذجى» وشارك فى مسابقة على مستوى منطقة حلوان من خلال المعهد أيضا، وفى المسجد شارك فى مسابقتين وكان يحقق مراكز متقدمة فى جميع المسابقات وحصل على شهادات تقدير وجوائز نقدية كانت أعلاها فى إحدى المسابقات التى شارك فيها بالمسجد، حيث حصل على 500 جنيه وفى مسابقة أخرى بالمعهد حصل على 50 جنيها، أما المسابقات التى لم يحقق فيها شيئًا فكانت فى شهر رمضان الماضى وكانت فى مسجد رابعة العدوية. وقال ستوق: أنه يسكن مع عائلته فى القاهرة، وعن والده قال إن والدى كان يعمل فى مجال البترول فى تركستان وترك عمله وجاء إلى مصر حتى أحفظ القرآن نظرا لما لاقيته من صعوبات فى بلادى لدرجة أننى طوال فترة طويلة لم أتمكن من الحفظ سوى جزء عم وحفظته فى جراجات تحت الأرض. وعن الأماكن التى زارها فى مصر منذ قدومه إلى مصر ذكر زيارته لأهرامات الجيزة أكثر من مرة، وزيارته إلى كورنيش النيل وركوب الباخرة، وكذا محافظة مرسى مطروح، كما زار هو وعائلته الإسكندرية ثلاث مرات، ومصيف العين السخنة الذى ذهب إليه مرتين. وقال الطالب ستوق الحامل لكتاب الله أنه كان متواجدا فى مصر خلال ثورة 25 يناير، وكلما مرت مسيرة فى الشارع الذى يسكن فيه -أحمد سعيد- كان يخرج مع أسرته لينظر إليهم ويسمعهم- الثوار- وهم يرددون الشعب يريد إسقاط النظام رافعين لعلم مصر. وذكر أنه لم يتابع الأحداث بشكل كبير لأنهم قاموا ببيع جهاز التليفزيون، وهذا لم يمكنهم من المتابعة بشكل دقيق، مضيفا لكن عندى كمبيوتر. واختتم كلامه متمنيا أن يحصل على إجازة بحفظه للقرآن الكريم من الشيخ عصام، وأن يزور بلده ويقوم بتحفيظ القرآن هناك. أما قيصر ترسون محمد فلم يختلف عن ستوق كثيرا لما تربطهم من صلة قرابة فهم أبناء خالة، وجاء مصر مع عائلته منذ 3 سنوات وبدأ يحفظ القرآن منذ عام ونصف العام وخلال هذه الفترة تم الحفظ. ويدرس قيصر فى الصف الثانى الإعدادى بمعهد البعوث الإسلامية، كما يسكن فى نفس المنزل الذى يسكن فيه ستوق ويلعبان معا البلايستيشن، وفى الرحلات يخرجون سويا مع العائلتين. ووسط كل هؤلاء الأطفال وجدنا عم أبو يوسف الذى تعدى عمره الأربعين عاما واقتربنا منه لنتحدث معه، فكان فى البداية رافضا مجرد التصوير لكنه فى النهاية خضع لرغبتنا فى التعرف عليه فبدأ كلامه قائلا: أنا من دولة الجزائر ونزلت إلى مصر منذ عام تقريبا، مضيفا أن الهدف الوحيد من معيشته فى مصر ومجيئه إليها هو حفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية، وذلك حسب نصيحة أخ له يدعى محيى أحمد. وتابع: أنه كان يعمل فى بلده فى التجارة لكنه منذ قدومه إلى مصر وهو متفرغ لحفظ القرآن والدراسة، حيث يدرس بالأزهر الشريف بعد أن تم اختباره وتم تحديد المرحلة الثانوية ليلتحق بها والتى انهى الدراسة بها العام الماضى، والآن يدرس بكلية اللغة العربية. وذكر محمد شريف (أبو يوسف) أن أحد الإخوة الجزائريين دله على هذا المسجد لحفظ القرآن الكريم، حيث يأتى يوميا عدا الجمعة منذ حوالى 8 أشهر، موضحا أنه قبل مجيئه إلى المركز كان يحفظ من القرآن الثلث تقريبا. وفى مفاجأة أخرى من مفاجآت عم أبو يوسف أن ابنه يوسف الذى لم يتعد الثامنة من عمره يحفظ معه فى نفس المسجد. وحدثنا عن يوسف قائلا: إنه كان يدرس فى إحدى المدارس الحكومية بالجزائر لكنه أتى به إلى مصر ليحفظ القرآن.. وكنوع من التفرغ لم يقدم أوراقه إلى أى معهد أزهرى أو أى مدرسة.. لكنه حتما سيتقدم بأوراقه فى أحد المعاهد لكن بعد أن يحفظ جزءًا كبيرًا من القرآن الكريم، وذلك فى رأيه أن العلماء قديما كانوا يفعلون ذلك ويفرغون الطلبة لحفظ القرآن، ثم بعد ذلك يدس فرعا آخر مثل النحو ثم يدرس الفقه ثم الحديث وهكذا، ومن سار على هذا المنهج تخرج متمكنا قويا فى اللغة العربية وأصبح له شأن.. أما بعد أن تغير النظام أصبحت المستويات ضعيفة. وأوضح أنه ترك الجزائر لأن المنهج التعليمى والنظام التعليمى هناك يستحيل أن يخرج طالبا متمكنًا.. فى الفصل الواحد 42 تلميذا لم ينجح منهم سوى ثلاثة أو أربعة طلاب. وفى مشهد لن يتكرر كثيرا إلا فى مثل هذه الأجواء الروحانية والأماكن الإسلامية وجدت طالبا يبلغ من العمر 16 سنة يقرأ القرآن على طالب أفريقى واللافت فى الأمر أن هذا الطالب الأول والذى يدعى أمين عظيم أمريكى الجنسية، فاقتربنا منه تحدثنا معه فقال إنه جاء إلى مصر منذ عام ونصف العام وأخوه الأصغر منه يدرس فى الصف الأول الإعدادى.. ويحفظ من القرآن 3 أجزاء. ذكر أنه التحق لحفظ القرآن من ثلاثة أشهر فقط، وأنه يعيش مع أسرته فى مصر، لكن والده يعيش فى أمريكا، وعن الأماكن التى زارها فى مصر قال زرت الأهرامات ومحافظة الإسكندرية. وحدثنا عن معهد معلمى القرآن الكريم بمجمع أمهات المؤمنين مدير المعهد قائلا: إن المعهد بدأ نشاطه منذ 13 عاما حيث كان فى بدايته عبارة عن دار لتحفيظ القرآن، مضيفا أنه تخرج منه عدد كبير من الطلاب الوافدين وحصلوا على إجازات لكنها كانت غير موثقة من الأزهر الشريف، حتى تمكنت الإدارة بعد سعى طويل وشاق ومحاولات استمرت طويلا أن يحصل على موافقة الأزهر الشريف على اعتماد الإجازات التى يحصل عليها الطلاب وكان ذلك منذ خمس سنوات فقط. وعن النظام داخل المعهد قال إن نظام الدراسة بالمعهد مفتوح دون التقيد بالسن أو مدة الدراسة، لكنه مقتصر على الطلبة الوافدين فقط، حيث يحفظ الطالب القرآن ويدرس علم التجويد، بالإضافة إلى بعض العلوم الشرعية، موضحا أن الدراسة بالمعهد بالمجان كما توزع الكتب الدراسية أيضا بالمجان. وأضاف المدير أن المعهد يتميز بأنه يقدم وجبتى الإفطار والغداء للطلاب الدارسين والطلاب المتزوجون يأخذون وجبات للمنزل بعدد أفراد أسرتهم، كما يحصل الطالب الذى يسكن بعيدا عن المعهد على مصروف شهرى كبدل للمواصلات، مشيرا إلى أن كل ذلك يقوم على التبرعات التى يحصل عليها المجمع من فاعلى الخير. وقال إن الدفعة الحالية التى تدرس بالمعهد حوالى 400 طالب يحفظون القرآن من مختلف الجنسيات، حيث تخرجت الدفعة الأولى عام 2011 فى حين تخرجت الدفعة الثانية منذ أيام وكان عددها 145 طالبا. واختتم كلامه بأن هناك مشروعات يريد المعهد القيام بها منها إعادة بناء المعهد الرئيسى وتجديد الأدوات الخاصة به، والتوسع فى عدد طلاب المعهد، وكذلك المدرسين، لأن أكثر ما يحزننا- والكلام على لسان مدير المعهد- أن يأتى إلينا طالب ونقول له لا يوجد مكان والعدد كامل لأننا مرتبطون بعدد حلقات مرتبطة بعدد المدرسين الذى يصل إلى 16 محفظا. مضيفا كما نسعى إلى إقامة مشروع أتوبيسات نقل للطلاب من وإلى المعهد، وكذا مشروع كفالة طالب العلم، بالإضافة إلى إنشاء فروع أخرى للمعهد بالأقاليم والقاهرة، مع تخصيص مكان للطلاب المصريين وإتاحة الفرصة لهم بدلا من أن يقتصر المكان على الوافدين.