ما زال جنوب مصر فى حاجة لمزيد من التنمية وإلقاء الضوء عليه، واستغلاله سياحيا لتحقيق مزيد من فرص العمل لأبناء هذا الجزء المهم من الوطن، وقد دعت دراسة حديثة نشرتها مجلة ذاكرة مصر المعاصرة التى تصدرها مكتبة الإسكندرية لضرورة إعادة اكتشاف مدينة أسيوط وقد أعد الدراسة الدكتور ضياء جاد الكريم حول مدينة أسيوط ومكانتها وأهمية قديما وحديثاحيث دعا فى دراسته لضرورة استغلال تلك المدينة سياحيا مؤكدا أنه على الرغم من هذا الكم الهائل من الآثار التى تمثل العصور المختلفة فإنها لم تُستغل سياحيًّا حتى الآن بما يحقق انتعاش السياحة الداخلية لهذه المحافظة، خاصة أنها محافظة صغيرة المساحة مقارنة بالمحافظات الأخرى؛ فتنمية المحافظة سياحيًّا سيؤدى حتمًا إلى زيادة فرص العمل لأبناء المحافظة، كما سيسهم بالتأكيد فى زيادة الدخل القومى من ناتج السياحة. وأضاف أن هناك أدوارا ومهاما تقع على عاتق المؤسسات الحكومية كوزارة السياحة، وهيئة تنشيط السياحة، والهيئة العامة للمساحة، والمجلس الأعلى للآثار، ووزارتى الإعلام والخارجية. كما أن هناك مشروعات تنموية يجب تنفيذها؛ للنهوض بالمحافظة سياحيًّا. مشيرا إلى أهمية عدم إغفال الدور الذى يمكن أن يقوم به الأفراد فى إحياء وتعليم الحرف التقليدية واليدوية التى اشتهرت بها المحافظة قديمًا، ولا تزال وإن كان فى حدود ضيقة، بالإضافة إلى المأكولات الشهيرة بالمحافظة. ما سيؤدى حتمًا إلى تنمية شاملة . قال الدكتور ضياء جاد الكريم إن أسيوط تعد من أعرق محافظات مصر، وتتركز فيها الآثار الفرعونية والمسيحية والإسلامية، كما تزخر بالآثار المتنوعة التى ترجع إلى العصور المختلفة، بدءًا من فترات ما قبل التاريخ، والتى لا تقل فى عظمتها عن أجمل المنشآت المعمارية فى القاهرة أو الجيزة أو الأقصر وغيرها. وقد اكتسبت أهميتها منذ القدم من موقعها المتوسط بين أقاليم مصر الفرعونية، ولكونها مركزًا رئيسيًّا للقوافل التجارية المتجهة إلى الواحات بالصحراء الغربية وبداية درب الأربعين الذى يصل إلى دارفور وكردفان بالسودان، وكان يعتبر طريق التجارة بين وادى النيل وبقية إفريقيا. أسيوط فى عيون الرحالة وأضاف: شهدت أسيوط مولد حضارات عبر عصور ما قبل التاريخ فى (مطمر، نزلة، المستجدة، الهمامية، قاو الكبير، دير تاسا، البداري) ولعبت دورًا مهمًّا فى الدولة القديمة وكان لحكام الأقاليم فيها مكانة مرموقة، وفى العصر الإسلامى شهد بشهرة أسيوط ما ذكره عنها كثير من الرحالة والمؤرخين العرب الذين زاروها، ووصفوها لنا أبدع وصف؛ فيذكر الإدريسى (القرن 5- 6 ه / 11 - 12م): «إن أسيوط مدينة كبيرة عامرة آهلة جامعة لضروب المحاسن كثيرة الجنات والبساتين». وقال ياقوت الحموى (القرن 6 – 7 ه / 12 - 13م): «إن أسيوط مدينة جليلة كانت أحد متنزهات أبى الجيوش خماروية بن أحمد بن طولون». وقد زارها ابن بطوطة (القرن 8 ه / 14 م)، وقال: «سافرت إلى أسيوط وهى مدينة رفيعة أسواقها بديعة». أما الرحالة الأجانب فقد اهتم معظهم بذكر الآثار الفرعونية والقبطية والمقابر المنحوتة فى الجبل الواقع غرب مدينة أسيوط، فقد زار المدينة الرحالة «سونينى» سنة 1780م، ووصف الكهوف والمغارات التى بالجبل الغربي، كما تكلم عن بعض القصص والأساطير القديمة. كما وصف «سافاري» أسيوط بأنها: «مدينة مأهولة بالسكان تكثر فيها حدائق الفاكهة والخضروات، وتعتبر محط القوافل القادمة من سنار؛ حيث تتجمع فيها البضائع الإفريقية». آثار أسيوط وتبين الدراسة أيضا المناطق التى تتركز فيها الآثار الفرعونية فى أسيوط؛ فى عدة مناطق هي: منطقة آثار مير، وتقع على البر الغربى للنيل على مسافة 12 كم إلى الغرب من مدينة القوصية، وتضم جبانة حكام الإقليم الرابع عشر من أقاليم مصر العليا فى الدولتين القديمة والوسطى. والقرية الحديثة (مير) ترجع لعام 2200 ق.م واسمها فى المصادر المصرية القديمة Mryt-Wrt بمعنى الجسر العظيم، وتحول الاسم إلى موراى فى اليونانية. وكانت عاصمة هذا الإقليم تعرف فى النصوص المصرية القديمة باسم (قيس)، وفى القبطية (كوس)، واليونانية (كوساي) ثم القوصية فى العربية. وتؤكد الشواهد والمظاهر الأثرية أن الموقع الحالى لمدينة القوصية هو نفس موقع عاصمة الإقليم الرابع عشر من أقاليم مصر العليا. أما منطقة آثار دير الجبراوى فتقع هذه المنطقة على الضفة الشرقية للنيل أمام منفلوط مركز أبنوب وهى عبارة عن مجموعة من المقابر محفورة فى الصخر لحكام وأمراء الإقليم الثانى عشر من أقاليم مصر العليا (بر عنتي) خلال عصر الدولة القديمة والوسطى. وكان هذا الإقليم يسمى جبل الثعبان ومعبودة الإقليم ماتيت ويرمز لها بالثعبان. وقد قام الآثارى ديفز بالكشف الأثرى والنشر العلمى لهذه المقابر. وتحتوى هذه المقابر الصخرية على مناظر الحياة اليومية للمصرى القديم بأهم وأدق التفاصيل من أعمال الزراعة وذبح الحيوانات وتقديم القرابين وصيد الطيور والأسماك ورعى الأغنام وصناعة المراكب والسلال وجمع العنب وصناعة النبيذ وغيرها، وهى ملونة بالألوان الجميلة على طبقة من الملاط الأملس. و هناك أيضا منطقة آثار كوم دارا التى تقع على الجانب الغربى من النيل إلى الشمال الغربى لمدينة منفلوط بحوالى 15كم، وهى عبارة عن مجموعة من التلال الأثرية من الطوب اللبن تمتد من الشمال إلى الجنوب. ويرجع تاريخ هذه المنطقة إلى نهاية عصر الدولة القديمة والعصر المتوسط الأول حوالى 2300 - 2150 ق.م. وكانت عبارة عن مصاطب من الطوب اللبن لبعض الأمراء. وفى الخمسينيات من هذا القرن قام المعهد الفرنسى بإجراء حفائر بهذه المنطقة. كذلك هناك منطقة الجبل الغربى الأثرية، وهى تقع إلى الغرب من مدينة أسيوط بمسافة 5كم تقريبًا، وتتكون من مجموعة من المقابر الصخرية يؤرخ معظمها لعصر الانتقال الأول، والتى تشكل واحدة من أهم المصادر النصية والتصويرية لمرحلة عصر اللامركزية الأول. ومنطقة دير ريفا الأثرية والتى توجد المنطقة على بعد 20كم إلى الجنوب من مدينة أسيوط، ومنطقة قاو الكبير وتدخل هذه المنطقة ضمن الإقليم العاشر من أقاليم مصر العليا على البر الشرقى للنيل بالقرب من قرية تسمى عزبة يوسف، لهذا سميت بمنطقة عزبة يوسف الأثرية. وكلمة (قاو) تعنى فى المصرية القديمة الجبل المرتفع أو الشاهق. وورد نفس الاسم فى القبطية واحتفظت به اللغة العربية وإن نُطِقَ (جاو) باللهجة الصعيدية. وتتحدث الدراسة عن لوحات حدود مدينة إخناتون بالحوطا الشرقية فيقول د. ضياء جاد الكريم إن عددها خمس لوحات فقط وهى منحوتة فى جسم الجبل الشرقى فى مواجهة قرية الحوطا الشرقية على بعد 20كم شرق مدينة ديروط، هذه اللوحات عليها نقش بالنحت الغائر والبارز ويظهر فى أعلى اللوحات قرص الشمس تخرج منه الأشعة وتنتهى بما يشبه الأيدى الآدمية، وأسفل أشعة الشمس كتابات بالخط الهيروغليفى وخراطيش ملكية تحمل اسم الملك اخناتون وزوجته نفرتيتي، ويوجد أسفل بعض اللوحات بقايا تماثيل؛ الجزء السفلى منها فقط ربما لأخناتون وزوجته وأسرتيهما. وتشير الدراسة إلى الآثار القبطية بمحافظة أسيوط حيث يوجد بها مجموعة من الأديرة الأثرية؛ ومنها: دير السيدة العذراء بالجنادلة بالغنايم، ويقع هذا الدير بالجبل الغربى على بعد حوالى 2كم غرب دير الجنادلة غرب مدينة صدفا على بعد 36كم جنوبأسيوط. وقد أسس هذا الدير الأنبا مقرفيوس، واشتمل على كنيسة السيدة العذراء وأخرى أحدث باسم القديسين بطرس وبولا. والدير محاط بسور من الأحجار والطوب اللبن من الجوانب الشمالية والشرقيةوالجنوبية، وبالجانب الغربى مغارات منحوتة فى الصخر. وكذلك هناك دير المحرق بالقوصية، ويقع على بعد 14كم غرب مدينة القوصية، وينقسم هذا الدير إلى قسمين رئيسيين؛ هما: البناء الخارجى والبناء الداخلي، ويحيط بهما سور خارجي، وهذا السور تعرض للعديد من التجديدات. ويضم السور بداخله مجموعة من القلايات الخاصة بالرهبان معظمها حديث، وكذلك الحصن وبه كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل التى رممها البابا غبريال السابع وهو الخامس والتسعون من باباوات الإسكندرية فى القرن السادس عشر (1525- 1568م). ويشتمل الدير على مجموعة من الكنائس أهمها كنيسة السيدة العذراء القديمة، وتقع فى الجزء الجنوبى الغربى من ساحة الدير الداخلية، ويرجع إنشاء الدير المحرق إلى القرن 6 ه /12م. أما الآثار الإسلامية بمحافظة أسيوط فتشمل: الجامع العمرى (الكبير) ويقع هذا الجامع فى وسط مدينة أسيوط تقريبًا، ويطل بواجهته الشرقية على شارع المحضر، وتطل واجهته الشمالية الغربية على شارع الجامع الكبير وواجهته الجنوبية على شارع خلف الجامع الكبير، ويشتمل جداره الجنوبى على فتحة باب تفضى إلى الميضأة التى تطل على شارع كوم الغزاة. أما عن تاريخ إنشاء هذا الجامع فيرجع إلى ما قبل عام 1068ه/ 1657م. وقد أشير للجامع بعدة أسماء منها الجامع العمري، والجامع العتيق، والجامع الكبير، والجامع الأموي، وأيضا جوامع: الشيخ محمد المجذوب، وجامع المجاهدين، وجامع القاضى صدر الدين، وجامع ناصر الدين البقلي، وجامع الكاشف، وجامع الأمير على كاشف جمال الدين. أما قناطر أسيوط و تقع على النيل شمال مدينة أسيوط بالقرب من منطقة تسمى الوليدية، وترجع إلى عام 1320ه/ 1902م. وقد أقيمت للتحكم فى ماء النيل إبان الفيضان لفائدة رى الحياض، ولتزويد ترعة الإبراهيمية بالمياه اللازمة لرى أراضى مصر الوسطى والفيوم ريًّا دائمًا. ويبلغ طول القناطر 800 متر، وتشتمل على 111 فتحة (عين) اتساع كل فتحة 5,00م. ويبلغ عرض الطريق فوق القناطر 4,50م، وبها هويس للملاحة بالجهة الغربية فوقه جسر متحرك. وفى عام 1934م تمت عملية تقوية للقناطر انتهت فى 14 أكتوبر سنة 1938م. وأخيرًا تشير الدراسة إلى أنه على الرغم من هذا الكم الهائل من الآثار التى تمثل العصور المختلفة فإنها لم تُستغل سياحيًّا حتى الآن بما يحقق انتعاش السياحة فتنمية المحافظة سياحيًّا سيؤدى حتمًا إلى زيادة فرص العمل لأبناء المحافظة، كما سيسهم بالتأكيد فى زيادة الدخل القومى من ناتج السياحة. وهناك أدوار ومهام تقع على عاتق المؤسسات الحكومية كوزارة السياحة، وهيئة تنشيط السياحة، والهيئة العامة للمساحة، والمجلس الأعلى للآثار، ووزارتى الإعلام والخارجية. كما أن هناك مشروعات تنموية يجب تنفيذها؛ للنهوض بالمحافظة سياحيًّا. كذلك لا يجب أن نغفل الدور الذى يمكن أن يقوم به الأفراد من إحياء وتعليم الحرف التقليدية واليدوية التى اشتهرت بها المحافظة قديمًا، ولا تزال وإن كان فى حدود ضيقة، بالإضافة إلى المأكولات الشهيرة بالمحافظة. كل هذا سيؤدى حتمًا إلى تنمية المحافظة.