ما يحدث هذه الأيام فى بلدان ثورة الربيع العربى من تدمير وتخريب وسلب ونهب وقتل من ثوار الأمس الذين أصبحوا أعداء اليوم ما سبب هذا الذى يحدث؟ وكيف الخروج من هذه الحوادث وهذه الأزمة المفتعلة التى كادت أن تقضى على الأخضر واليابس؟ هذا ما تناوله د. حسانى محمد نور فى كتابه «فقه الحوار فى ضوء مقاصد الشريعة». الحوار هو الحديث والمراجعة والمناقشة بين اثنين فأكثر فى موضوع معين محل اتفاق أو اختلاف، ولكن لا بد أن يذعن أحد المتحاورين بالحق مهما كان فى غير صالحه، ولابد للمحاور أن يقنع خصمه بالدليل، وليس هناك أصدق دليل من حوار سيدنا إبراهيم مع الملائكة الذين جاءوا لقوم لوط:( فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ )، عندما سألهم:أبعثهم إليهم لإهلاكهم؟ قالوا: نعم، قال: أفيهم مائة مسلم؟ قالوا: لا، قال: أفيهم خمسون مسلما، قالوا: لا: قال: أهم عشرة مسلمين، قالوا: لا، قال: أخمسة مسلمين، قالوا: لا، قال: فقوم ليس فيهم هؤلاء جديرون بالهلاك. وتنتقل أهمية الحوار العظمى، خاصة فى عالم اليوم الذى يواجه مشكلات على أمور تخالف ما يحرص عليه الساسة والقادة، هذه المشكلات والمصالح التى تكشف الجوهر الحقيقى للغاية التى يبتغيها الساسة أهى صالح مصر أم خرابها ودمارها.. أيكون الحوار والمعارضة بالكلام أم بالحرق والسلب والنهب والخراب؟ أيكون الحوار سبيلا لرأب الصدع، أم دعوة إلى الإفساد، ولا بد أن يكون الحوار بالتى هى أحسن والصبر على المحاور ولنا فى سيدنا نوح ومدى صبره على قومه الكافرين: (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ ولكنه أخذ يدعوهم: ألف سنة إلا خمسين عامًا (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً )، ونحن لا نصبر على بعضنا البعض سنة واحدة، ونحن أمة واحدة ولسان واحد ووطن واحد. وهذا الخلاف ليس من الضرورى فرض رأيى على غيرى ولا إقناع الناس وجهة نظرى، بل الأساس هو الوصول إلى الحق أيًا كان هذا الحق معك أو مع غيرك، ويجب أن نحتفظ بمساحة من الود والحب والتقدير والاحترام المتبادل لا الكراهية، والسب والحط من القدر بالباطل، ولقد اختلف السلف فى مسائل كثيرة فى الفقه، فالمعول أن نختلف، ولكن لا نفترق. وأشار د. حسانى إلى أن معظم الخلاف فى أسلوب الحياة والمعيشة، وأساليب الحكم وإدارة البلاد وحقوق الإنسان فيتعدى من خلاف إلى الاختلاف، فالحوار هو الطريقة المثلى لتوفير الوقت والجهد والمال على هؤلاء الفرقاء، بل هو أقوى الأسلحة التى تستخدم لإجبار الغير على الموافقة، لذا ضعيف الحجة هو الذى لا يريد الحوار، ثم يبين أن الحوار من أهم أهدافه مد جسور التواصل والتفاهم البناء بين المتعارضين أو المختلفين وليس هناك طريق لمحو الفرقة والتشتت والاختلاف، إلا قول الله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). هذا التشتت الذى وصل إلى مواجهات ومصادمات عنيفة ونتائجه ما تراه من حرق ودمار وخسائر بشرية ومادية، والحوار سبيل إلى الوصول إلى كلمة سواء وذلك فى قوله تعالى: َ(أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ثم انتقل إلى أهم أهداف الحوار ألا وهو الوصول إلى كل التصورات والآراء الممكنة فى القضية محل الحوار، ولكن بداية أن تكون النية خالصة للوصول إلى الحق لا أن أفرض وجهة نظرى أو أضع شروطًا مسبقة تؤيد رأيى وتجعلنى أصل إلى غايتى. وإن كان يؤكد على أن الخلاف والاختلاف من طبع البشر وذلك فى قوله:( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) چ، وضرب لنا مثال الاختلاف البناء فى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اختلفوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يخلفه حتى استقر الأمر على اختيار أبى بكر الصديق رضى الله عنه، واختلفوا معه فى حروب مانعى الزكاة، والمرتدين، وفى جمع القرآن، بل اختلفوا فى عهد النبى فى غزوة الأحزاب، ولكنهم لم يقتلوا بعضهم بعضا ولم يخربوا المدينة ولم يسرقوا ولم يحرقوا. واختلفوا من قبل فى أسرى بدر، وساق حسانى الكثير من الأمثلة الحوارية فى القرآن مثل حوار الله مع الشيطان فى خلقه آدم، وحوار سيدنا موسى مع فرعون، وساق أيضًا حوارات من السنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتبه بن ربيعة. ثم انتقل حسانى إلى قواعد الحوار وحددها فى تحديد الموضوع، وتحديد المفاهيم والمصطلحات والقضايا التى يجب أن يتحاور فيها المتحاورون، وفهم فقه الأولويات وتحديد الأولوية، وتحديد المرجعيات فلابد أن تكون المرجعية إلى الله ورسوله، والتجرد للحق، والإخلاص له، وأن الحق ليس حكرًا على أحد، وعدم التعصب للرأى إن ظهر خطؤه، والتراجع عن الرأى إن ظهر صحة غيره، الرضا والقبول بالنتائج، ألا يتحول الخلاف إلى خلاف شخصى. ثم أكد على آداب الحوار وحدد هذه الآداب فى إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، الاحترام المتبادل بين الطرفين، التحلى بالأخلاق الإسلامية احترام المحاور واعطائه حقه فى الاختلاف، والحذر من الجدال والمراء دون جدوى. ثم ينتقل د. حسانى إلى المقاصد الشرعية للحوار وحددها فى الآتى: الدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، المتمثلة فى الإسلام ومحاسنه: الألفة والمودة والتعايش السلمى بين الناس، إظهار الحق وإبطال الباطل، التعاون بين الناس على البر والتقوى. ثم ختم بنتائج متمثلة فى أن الحوار يختلف عن الجدال، وهناك فرق بين آداب الحوار وقواعده وأصوله، وأن الحوار يمكن أن يقوم بدور فى غاية الأهمية فى جمع الفصائل والتيارات المختلفة وتوحيد الصفوف إذا خلصت النيات وصلحت المقاصد والغايات أن يتجرد المتحاورون من الأهواء ويجب الخضوع للحق، وأن يعترف كل محاور بالآخر أيًا كان مسلما أو غير مسلم مخالفا فى الرأى، أو موافقا له وثنى بالتوصيات فى أن تكون نماذج الحوار فى القرآن والسنة نماذج تحتذى فى الحوارات، وتعليم طلابنا أصول الحوار وآدابه ومقاصده، وعقد الندوات والمؤتمرات للوصول إلى توحيد المختلفين وجمعهم على كلمة سواء والخروج بمصرنا إلى بر الأمان.