خلال الأسابيع الماضية، شهد الشارع المصرى العديد من الحوادث التى قام فيها البعض بتطبيق القانون على بعض الأشخاص دون الالتزام بالضوابط القانونية، معللين ذلك بضعف الدولة وعدم قدرتها على إعادة الانضباط إلى الشارع. فقد شهدت محافظة الشرقية أكثر من 12 واقعة سحل لعدد من البلطجية خلال العامين الماضيين قتل خلالهما 17 شخصًا دون الرجوع إلى الشرطة. وفى المنوفية تم التمثيل بجثة مسجل خطر وفى دمياط ألقى المواطنون القبض على خمسة أفراد أثناء قيامهم بالسطو على حظيرة مواشى. وما حدث مؤخرًا فى الغربية بعدما قتل الأهالى اثنين من اللصوص بقرية محلة زياد بسمنود، وقد فشلت أجهزة الأمن فى إنقاذ اللصين. المستشار أحمد مكى وزير العدل اعتبر ما يحدث هو تطبيق لحد الحرابة وهو إعلان لوفاة الدولة، مؤكدًا أن استعمال القوة حق أصيل من حقوق الحكومة فإذا انتقل إلى الأفراد يعنى انهيار الدولة. «أكتوبر» حاولت مناقشة القضية مع عدد من الخبراء خلال السطور القادمة. أكد المستشار فايد النجار رئيس محكمة جنوبالقاهرة الأسبق أن تطبيق المواطنين لحد الحرابة بأنفسهم على البلطجية وقطاع الطرق هو دليل على غياب الشرطة والقضاء، وعودة للفوضى وانتشار قانون الغاب فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من الاحتجاجات والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، وأن انتشار هذا العنف يضيف أسبابا لانهيارها ويرفع نسبة سقوط الدولة. وقال النجار إن حد الحرابة كان يطبق من قديم الأزل على جرائم قطع الطرق فعندما كانت تتربص بعض القبائل فى شبه الجزيرة العربية بالبعض الآخر من القبائل أثناء مرورها فتقوم بقطع الطريق عليها وتقتل ما تقتله وتسلب ما تسلبه من القبائل الأخرى التى كانت تتربص بها أثناء مرورها، وكانت هناك قبائل أخرى تسترزق من خلال قطع الطرقات، ولم تكن لها أى وسيلة أخرى للرزق غير قطع الطرقات، فجاءت الشريعة الإسلامية وغلظت عقوبة قطع الطريق من خلال الآية الكريمة الذى ذكر فيها حد الحرابة وقطع الطريق، ثم جاءت المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية التى كانت تطبق من أيام الملك فاروق والتى تنص على أن من يقوم بقطع الطرق والتعدى على المواطنين بالسلاح وفى حالة التلبس يعاقب بالسجن المشدد. وأوضحت المادة أيضًا أن مجرد قطع الطريق وإذا ما ترتب عليه وفاة أحد الأشخاص أو إحداث عاهة مستديمة أو سرقة بالإكراه يصل عقوبته إلى الإعدام، وتصل العقوبة أيضًا إلى الإعدام فى حالة الإضرار بالاقتصاد القومى للبلاد أو الأمن القومى. أما إذا لم يترتب على قطع الطريق قتل أو إصابة فيعاقب بالسجن أو الحبس. واعتبر النجار تطبيق حد الحرابة من خلال المواطنين أنفسهم على البلطجية وقاطعى الطرق جريمة يعاقب عليها القانون والمنوط به تطبيق العقوبة هو القضاء من خلال التعاون بين الشرطة والنيابة. ولكن- وللأسف- عقوبة من قام بذلك فى القانون جنحة فقط وهو ما يؤدى إلى انتشار تلك الظاهرة المفجعة التى نراها الآن فى الشوارع. وأوضح النجار أن دور المواطنين ينتهى عند تسليم البلطجى أو المتهم الذى يتم القبض عليه فى حالة تلبس فقط.. فلا يجوز القبض على أى شخص سواء كان بلطجيًا أو غير ذلك إلا وقت حدوث الجريمة أو لحظة ارتكاب الجريمة. وأضاف أن تزامن ما يحدث من إعدام المدنيين خارج نطاق القانون مع بيان النائب العام الذى منح الضبطية القضائية للمواطنين لاعتقال من يخالف القانون وتسليمه للشرطة آثار لغطا كبيرا عندما قاموا بصلب وسحل وقتل البلطجية فهذه جريمة يعاقب عليها القانون بالإعدام فدور المواطنين هو القبض فقط على البلطجى فى حالة التلبس فقط ولا يجوز القبض على المتهم بعد ساعات من ارتكاب الجريمة ولا يجوز أيضًا قتله أو ضربه أو إصابته فمن يقوم بقتل متهم يعاقب بالاعدام وكذلك أيضًا القيام بالتمثيل بالجثة مجرم فى الشرع والقانون حتى وإن كانت جثة كافر. وترى د.سوسن فايد أستاذ علم الاجتماع أن الأمر مرتبط بأكثر من عامل أهمها التراجع أو التباطؤ فى اتخاذ الإجراءات القانونية، وكذا البطء فى الحصول على الحقوق، وعدم حسم حالة الانفلات الأمنى واسع المدى الذى نعيش فيه منذ فترة طويلة دون وجود إمكانية للسيطرة عليه. وأوضحت أن كل هذه الأمور جعلت هناك نوعًا من الجرأة للحد من خطورة الخارجين على القانون حيث يرى هؤلاء أنه بذلك قد يُردع المجرمون -ولو كان ذلك خطأ كبيرًا- مضيفة أن هذا الردع مؤقت ولا يصح أن يستمر وإلا أصبحنا نسير وفق قانون الغابة الذى تحكمه القوة، وأنه سيتقوى الفرد بالتجمعات ورد الاعتبار وهذا ما تمثله هذه الحوادث المتكررة. عودة القانون وأكدت على ضرورة عودة قوة القانون والتى تحتاج إلى إرادة سياسية، لأن غياب الدولة ودورها قد يؤدى بنا إلى الهاوية، كما أن انتشار السلاح يتيح فرصة سهلة لصناعة المجرمين والخارجين على القانون..كما أراه سببًا فيما وصلنا إليه، والكلام على لسان د.سوسن بأن أصبح المواطن جريئا فى ارتكاب الجريمة وجعل نفسه الجلاد والمقتص لنفسه. فى حين أكد د.عثمان محمد عثمان رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة 6 أكتوبر أن ظاهرة انتقام كل جماعة لنفسها وما يعتقده البعض بأنهم يطبقون حد الحرابة على الخارجين على القانون، إنما تؤكد غياب دور الدولة وعدم قدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار، حيث يستشعر المواطن عندما يتوجه إلى أجهزة الأمن للمطالبة بالنيل من الخارجين وعصابات خطف الأطفال، بأن هذا الإجراء لن يجدى ولن يفيد. وبالتالى تتولد رغبة لدى المواطن فى الحصول على حقه بيده ويتكاتف المواطنون ضد البلطجية كما حدث فى قرى محافظتى الغربيةوالشرقية. وأوضح أن عدم قدرة أجهزة الأمن فى السيطرة على الأمر تسبب فى حدوث فوضى وعدم استقرار.. مؤكداً أن الحل الوحيد لمثل هذه الامور يكمن فى عودة الشرطة بكل طاقتها وقوتها وأن تتفرغ لأمن المواطن..، لكن مانراه الآن من تمزق الشرطة وانهاك قواها فى أكثر من اتجاه فكل هذا يأتى على حساب أمن المواطن. وطالب بالفصل بين مايفعله الأهالى من الاقتصاص بأيديهم من البلطجية والخارجين على القانون وأمر الضبطية القضائية لأن ما حدث فى الغربية هو انتقام شخصى وليس له أى علاقة بما أعلنه النائب العام وتراجع فيه من منح المواطن حق الضبطية القضائية. ليس حد الحرابة وقال د. أنور عكاشه أحد مؤسسى جماعة الجهاد الاسلامية إن ما يحدث هذا ليس بحد الحرابة لأن الحد الذى ورد ذكره فى سورة المائدة ليس من بينها أن نحرق أو نعلق أونسحل حتى الموت، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة»، مشيراً إلى أن تسمية ما يحدث من انتقام الأهالى لانفسهم من الخارجين على القانون بحد الحرابة فيه تشويه للحدود وللتيار الاسلامى. وأوضح أن ما يحدث هو رد فعل طبيعى لفوضى البلطجة وغياب دولة القانون، لكن ليس تحت بند تطبيق الحدود لأن الذين يرتكبون هذه الأفعال ليسوا بقضاة أو أهل علم، لأن حد الحرابة ينسب لأهل العلم وهؤلاء عامة من الناس. عودة الدولة وأشار إلى أن الحل يتمثل فى عودة الدولة وأن يكون هناك وجود للقانون، لافتا إلى أنه إذا لم تتدخل الدولة والحكومة لإيقاف البلطجة ستزداد هذه الأمور ويحدث نوع من الفوضى ويقع العديد من الحوادث من ثأر وخلافه تحت فوضى الانتقام وسوف يتم خلط «الحابل بالنابل» دون أن نتحقق من أن هذا الذى تم الاعتداء عليه حتى القتل هل هو مذنب بحق أم ماذا.. محذراً من أنه لو تفشى هذا الأمر سوف يزيد من غياب الدولة. وقال د. حمدى طه الأستاذ بجامعة الأزهر وأمين عام اتحاد شباب المسلمين إن حد الحرابة لا يجوز أن يقوم به ويطبقه إلا الحاكم، لأن هذا الحد حدده الله عزوجل بأمور يجب ألا نتعداها، ولو ترك الحبل على الغارب بأن يقتص كل انسان لنفسه لصارت الدنيا فوضى. وأضاف: لذلك أمر الاسلام بطاعة الحاكم، وأمر الحاكم بأن يسهر على مصالح الرعية، فإذا قَصّر الحاكم أوتخاذل أو أصابه الضعف والوهن فيجب على حكماء الأمة أن يقوّموه بالحسنى حتى يقيم فيهم المعروف وينهاهم عن المنكر. كما يجب على حكماء الأمة أن يقوموا بنصح الحاكم بأن يأخذ للمظلوم حقه وأن ينصحوا هؤلاء الذين يرتكبون الاجرام بأن يكفوا عما يفعلونه. وذكر أن ما يحدث من اقتصاص بالأيدى دون الرجوع للقانون فتنة حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله «فتن كقطع الليل المظلم تجعل الحليم حيران» قائلا: إن الإسلام عندما حد الحرابة لم يترك الله عزوجل لرسول أونبى أو عالم ليبين حدوده وإنما بينها المولى عزوجل فى قوله: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً ). وجميعًا لا يجوز أن يقوم بها إلا الحاكم.. فإذا تاب المفسدون فى الأرض ورجعوا لا يجوز للحاكم أن يقيم عليهم الحد لقوله تعالى (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ(. وتساءل فكيف يقوم المواطن بحد الحرابة فيمن يظن أنه قد أذاه فى ماله أو عرضه؟ موضحًا أن هذا لا يجوز على الإطلاق وعلى الحاكم أن يفيق، لأن نعمة الأمن من اسمى النعم التى أنعم بها الله على الإنسان لقوله تعالى (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ). فلا يصح أن نقيم حد الحرابة بالظن وإذا حدث ذلك صارت مصر واحة للضغينة والفوضى بين الناس. ويرى د. عبدالمقصود باشا رئيس قسم التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر أن الله سن الحدود حماية للناس من الظلم، وحماية للمجتمع من كل فئة ضالة باغية، وفى تاريخنا الإسلامى على مدار أكثر من 1434 عاما كان الحكم فى أيدى حكام معينين مخصصين ويعيّن ولى الأمر قضاة فى المناطق الصغرى والمناطق الكبرى كما يعين قاضيا للقضاة ليكون هو المرجعية فى الأحكام القضائية... ولو عدنا بالتاريخ إلى ما قبل الإسلام فنجد القبائل العربية المتناحرة فيما بينها لم توكل أمر القضاء إلا إلى كبير القبيلة ومجلس حكمائها هم الذين يقررون الأخذ بالثأر أو العفو أو أخذ دية. وأضاف أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يوكل أمر القضاء لأحد غيره حتى جاءه ذات مرة أحد المسلمين يعترف له بخطأ ارتكبه واستحق عليه العقاب، فقال له الرسولصلى الله عليه وسلم اذهب وآتنى بعد عدة أيام، ولم يرض النبىصلى الله عليه وسلم أن يحكم عليه إلا بعد أن اعترف لعدة مرات،فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى أن أمر القضاء يمكن أن يوكل لأحد لأوكله إلى أبى بكر أو عمر، كما لو كان الحاكم يرى أن أمر القضاء يتم عن طريق عامة الناس حتى لو كانوا ذوى عدل لكان الرسولصلى الله عليه وسلم وصحابته أولى بذلك. وطالب بالضرب بيد من حديد على هؤلاء ممن يرتكبون مثل هذه الأفعال وتقديمهم للقضاء العادل المعيّن من قبل الدولة.. لكن مانراه من أن ينصّب هؤلاء أنفسهم حكاما فهذا يثير الفوضى فى المجتمع، بل ويحول المجتمع إلى غابة من الصراع.. حتى لو وصل الأمر إلى أن تطبق الدولة فيهم ما فعلوه بهؤلاء المجرمين.