أثار قيام أحد اللجان الشعبية بعمل محاكمة علنية داخل إحدى القرى بالغربية، وتنفيذ حد الحرابة على المجرمين وإعدامهم، استنكار العلماء ورجال الدين، ورفضوا هذا التصرف الذى سيؤدى بنا لدولة ميليشيات مسلحة، ومن الممكن أن يؤدى لحرب أهلية لو استمر هذا الوضع. " بوابة الوفد " استطلعت رأى العلماء حول ظاهرة تطبيق حد الحرابة دون اللجوء للدولة وللقانون، وتأثير ذلك على المجتمع والدولة، وهل هذا مقدمة لدولة المليشيات؟. يقول الدكتور عبد الحليم منصور رئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر:" إن كلمة " حد الحرابة " مشتقة من الفعل حارب يحارب محاربة، وحرابة، وهي ضد السلم، وهي عبارة عن تعكير حياة المواطنين بانتهاك حرمة أمنهم من خلال إرهابهم، وسلب أموالهم، والسطو عليهم، وقطع طريقهم، واختطافهم، وكل ما من شأنه تعكير الأمن العام في المجتمع". وقد نصَّ القرآن الكريم على عقوبة المحاربين في قوله تعالى:" إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " المائدة (33) ويشير " منصور " إلى أن تطبيق حد الحرابة موكول إلى الحاكم أو من ينيبه الحاكم كالقاضي ونحوه، ومن ثم فلا يجوز تطبيق هذا من آحاد الناس لما فيه من افتاءات على سلطات الحاكم، ومن يفعل ذلك يجب على الحاكم معاقبته وتعزيره بما يزجره عن معاودة هذا السلوك مرة أخرى. ويضيف، ولكن في الوقت نفسه يجب على الدولة أن تضطلع بدورها في أن تحفظ على المسلمين أمنهم، بحيث تؤمن جموع الناس مسلميهم وأقباطهم على دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم بما يكفل لهم حياة هادئة أمنة مطمئنة، وإذا لم تقم بهذا الدور؛ فهي مقصرة في هذا الجانب. ويقول " منصور":" إنه لا يجوز ذلك لآحاد الناس لما في ذلك من افتاءات على سلطة الحاكم، وتعد على صلاحياته، ومن ثم يجب على من يمسك بهؤلاء المجرمين المحاربين أن يقدموهم إلى العدالة أو إلى رجال الشرطة، ليقدموهم للمحاكمة، حتى يعود الأمن والأمان لكل ربوع المجتمع، هذا هو الأصل والأساس الذي يجب أن تسير عليه الحياة. كما أن الاستمرار في قيام بتطبيق هذا الأمر بأنفسهم من شأنه أن يؤدي إلى كثير من الأضرار والمفاسد التي لا تقع تحت حصر، لذا فما قام به بعض الأهالي في بعض الأوقات لغياب الأمن من تطبيق حد الحرابة بأنفسهم على المجرمين الساعين في الأرض فسادا، لا يجب أن يتحول إلى ظاهرة، ويصبح هو الأساس ، فالاستثناء لا يجب أن ينقلب أصلا بحال من الأحوال. وأكد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر سابقًا أن تنفيذ حد الحرابة يجب أن يكون من خلال الشرطة والنيابة وحكم القضاء، مؤكدًا أن ما حدث فى سمنود جريمة، ولابد أن يتم ذلك من خلال الدولة التى تحدد نوع الجريمة والعقوبة وهنالك مواد فى القانون لذلك. وأشار " عاشور" إلى أن هؤلاء الأشخاص مفسدون فى الأرض، ويجب أن يطبق عليهم هم أنفسهم حد الحرابة ؛ لإن ما فعلوه سعى للإفساد فى الأرض، أما تطبيق الحدود فهو أمر منوط به الحاكم ، وإذا قام الناس بذلك حدثت فتنة كبيرة فى المجتمع، ومن الممكن أن تؤدى إلى حرب أهلية، وعلينا أن نترك ذلك للأجهزة المختصة. ويضيف الشيخ أحمد البهى المنسق العام لحركة أئمة بلا قيود أنه لا يجوز تطبيق حد الحرابة على المواطنيين من الأهالى ولكن من خلال الدولة أو المؤسسات الرسمية. ويقول:" إننا لو فتحنا الباب لهذا الموضوع فسنجد ضرره أكبر من نفعه، والإسلام به قاعدة تقول: " درء المفاسد مقدم على جلب المنافع "؛ لإن هناك عصبية زائدة ومن الممكن أن يكون هناك انتقام شخصى. ويقول البهي:" إن القرآن يقول " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين "، ولكن نرى الآن حد الحرابة يتم بتشويه الجثث وسحلها فى الطرقات، وهو ضد تعاليم الإسلام، مؤكدًا أن استمرار هذه التصرفات ستؤدى لظهور ميليشيات مسلحة، وتربص كل طرف بالآخر، وهذا ضد الدين. ويرى البهى أن الحل هو ألا ننظر للموضوع نظرة ضيقة، فلكى نأخذ بثأرنا فى جريمة واحدة نفتح الباب أمام عشرات الجرائم التى سترتكب ويتم إلصاقها بالدين، والنبى – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يتوسع فى العقوبة، وكان يعطى المهلة للمذنب حتى يتوب أو يدافع عن نفسه حتى يأخذ حقه ويرى ما هو مبرره. ويقول الشيخ سعد الفقي مديرعام بأوقاف الدقهلية:" لا يجوز تطبيق حد الحرابة إلا لولى الأمر أو لمن ينيبه، وذلك بعد محاكمة عادلة، وإلا سنترك الجبل على الغارب لقيام أفراد أو جماعات بتوجيه التهم جزافًا للأبرياء، وتوقيع عقوبات عليهم دون دليل". ويضيف الفقى أنه لابد من ثبوت ارتكاب الجريمة ولا يملك هذا الأمر إلا القضاء، وبعد استنفاذ درجاته، لا سيما أن الموضوع يتعلق بالنفس وهو عند الله أهون من هدم الكعبة. ويؤكد الفقى أن كل ما نخشاه هو أن تكون هذه الأحداث مقدمة لإنشاء ميليشيات تكون مهامها إدانة فلان، وتبرئة آخر، وهو مدخل لتصفية الخصوم. وأكد خالد الشريف، المستشار الإعلامي لحزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، أن الإشكالية الكبرى أن هناك فوضى وانفلات أمنى، جعل مصر كأنها غابة يقتص فيها القوى من الضعيف ، وهذه الإشكالية تدفعنا إلى وجود اللجان الشعبية . وأشار الشريف إلى أنه لا يجوز لأحد من الناحية الشرعية أن يقيم الحدود بنفسه ، ولكن من خلال السلطات أو الدولة ، وتغيير المنكر باليد لا يجوز إلا للحاكم ، وأذا كان باليد يجب أن يحول دون وقوع المنكر ، ولا يأتى بمفسدة أو بعنف أو دماء. وعن دعوة الجماعة الإسلامية إلى عمل لجان شعبية تابعة لهم قال الشريف : نحن لا نعالج خطأ بخطأ ولا عنف بعنف ، ونريد أن نقضى على الفوضى التى حدثت نتيجة لانسحابات الشرطة ، لأن طبيعة المصريين هادئة وتحب الأمن والاستقرار والوسطية والعنف غريب عننا ، والذين يثيرون هذا هم الثورة المضادة ، لكى يخيروننا بين الفوضى ودخول الجيش ، ونحن طرحنا فكرة اللجان الشعبية التى سوف تستفيد من الطاقات الإيجابية للمجتمع وتكون تابعة لوزارة الداخلية ، وأن يكون أصحابها من أهل الشارع وأهل الحى ، ويتم التنسيق لمنع وقوع الجريمة بطريقة لا تؤدى إلى كارثة ، على أن يتم تقنينها خلال مشروع قانون نطرحه للنقاش المجتمعى . وأكد الشريف أن الجماعة الإسلامية سوف تتقدم فى 20 / 3 /2013 بمشروع قانون لمجلس الشورى ، والغرض منه مؤازرة رجال الشرطة ، لأنها تعانى من حالة ضعف ، وذلك بعمل لجان شعبية أقرب إلى لجان مجتمعية تحافظ على الأمن والاستقرار فى هذه الفترة، مؤكدًا أن حد الحرابة لا يقوم به العامة ولا اللجان الشعبية ولا أى أحد، ولكن تقوم بها الدولة، لأن المسلم هو الذى يحمل دعوة محمد – ضلى الله عليه وسلم – وهى دعوة الرحمة وألا تقسو على المذنب حتى لا لوالزانى – ربما يرحمه الله عز وجل – إذا تاب. وأشار الشريف إلى أنهم يحاولون منع الجريمة ، وما يحدث الآن هو أن مجرم آخر نصب نفسه حكم وقاضٍ، وهو منهج بعيد عن دولة القانون ومنهج الإسلام، مؤكدًا أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لابد أن يكون من يفعلهم عالمًا ورؤوفًا ورحيمًا ولينًا مع الناس. وكانت اللجان الشعبية بقرية محلة زياد مركز سمنود بالغربية قد قامت اليوم الأحد بإلقاء القبض على اثنين من مدينة سمنود تخصصًا فى مسلسل خطف البنات والسيدات وطلب فدية مالية لتسليمهم. قامت اللجان بعمل محاكمة علنية داخل القرية صباح اليوم على محطة السيارات بعد استجواب المتهمين ثم نفذت اللجان حد الحرابة عليهما وأعدمهما، وتم سحلهما داخل شوارع القرية وقاموا بتعليقهما من ارجلهما على شجرتين فى مدخل القرية ليكونا عبرة للآخرين من اللصوص الذين يقومون بخطف البنات فى ظل غياب الأمن تماما عن هذه الأحداث.