الصراط هو هذا الممر الذى يجتازه الناس صالحهم وعاصيهم يوم القيامة، وهو ممر ممدود فوق جهنم يراه المؤمن الصالح ممهدا واسعاً فيجتازه كالبرق ويراه الكافر العاصى حادا كالسيف دقيقا كالشعرة فإذا لم تتغمده رحمة الله يسقط منه إلى أسفل.. وفى الدنيا جهنم هى أن يكون لك خصوم سياسيون وتكون الخصومة فى وقت مثل هذا الذى نعيشه، وينتظر منك خصومك أن تخطئ فى القول أو العمل لتسقط فى جهنم انتقامهم وتصير من المغضوب عليهم من الإعلام وهم الآن الإسلاميون وليس كما تقول لنا تفاسير السبع المثانى أنهم اليهود الذين غضب الله عليهم ولعنهم إلى يوم الدين بنما يجىء اليوم القطب الإخوانى د.عصام العريان ويدعو ذوى الأصول المصرية منهم للعودة إلى مصر!! (1) وفى هذا لقد زلّت قدم العريان وتجاوز بظاهر كلامه الظرف السياسى المعقد الذى تمر به مصر وخانه ذكاؤه فى توصيل المراد الذى فهمته من شرحه الذى أدلى به ل «ريم ماجد» مذيعة «أون تى فى» وأفاض يحاول أن يوضح أن العمر المتبقى فى دولة الكيان الصهيونى العنصرى المسمى إسرائيل قليلاً ويعد بالسنوات التى لا تتجاوز مجموع أصابع يديك إذا عددتهما مرتين، وأعطى عصام العريان لنفسه الحق فى أن يتحدث نيابة عن الشعب المصرى فيبدى ترحيبه باليهود من ذوى الأصول المصرية بالعودة إلى وطنهم الذى عاشوا فيه قبل رحيلهم أو ترحيلهم منه اختيارا أو قسرا قبل سنوات طالت أو قصرت أما أن بعضهم خرج مرغماً فهذه حقيقة وهناك حكايات تروى بهذا الشأن ليست كثيرة لكنها أيضاً ليست قليلة. (2) وكنت أريد أن أحكى لكم هنا حكاية شحاتة هارون اليهودى المصرى، وقد عرفت حكايته منذ سنوات طويلة عندما قرأت كتابه «يهودى فى القاهرة» ورأيت بين سطور الكتاب دراما إنسانية لا تملك إلا أن تتعاطف معها إلى مدى يجاوز سيطرة عقلك على مشاعرك.. وهل يمكن أن تسيطر على نبض قلبك تجاه شخص يبعث برسالة للشاعر الفلسطينى المناضل محمود درويش فيقول له فيها: «تحية من القاهرة، صخرتى التى لن أبيعها باللآلئ.. حبيبتى التى لن أهجرها.. أنت وأنا الأمل.. لو عدت أنت لحيفا، وصمدت أنا فى القاهرة». هارون ولد فى مصر عام 1920 لوالد يعمل فى محلات شيكوريل، ونشأ وتعلم فى مصر وتخرج فى جامعتها «فؤاد الأول» دارساً للحقوق ليعمل بالمحاماة ويؤمن بتيار التنوير (يسمى فى العبرية العسكلاه) التى نادت يهود العالم للانخراط فى مجتمعاتهم وأن يتخلوا عن عزلتهم ويندمجوا فى الشعوب التى يعيشون بين ظهرانيها ويكون ولاؤهم الأول والأخير للبلاد التى ينتمون إليها.. آمن شحاتة بهذا وعمل فى مهنة المحاماة التى تدافع عن الحقوق على أرضية القانون والمواطنة، وانضم لليسار المصرى الذى كان يمثله فى تاريخ ما قبل ثورة يوليو 1952 التنظيمات الشيوعية، وقامت حرب فلسطين عام 48 ومن بعدها العدوان الثلاثى 56 وهارون صامد متمسك بوطنه مصر يرفض مغادرته لأنه يرى نفسه خيطاً فى هذا النسيج الذى يكوّن كتلته المسلم بجوار المسيحى واليهودى مجتمعين.. ويرفض المغادرة ويتطوع للحرب ضد إسرائيل فى 67، وينخرط فى العمل السياسى فينضم للاتحاد الاشتراكى فى 1963 ويرفض أن تتاجر به الميديا الغربية لصالح الصهاينة فيرسل لجريدة اللوموند الفرنسية التى صوّرته على أنه مضطهد بسبب ديانته فيكتب: «أنا قادر على الدفاع عن نفسى لأنى قادر على شرح وضعى فى وطنى جيدا». ويصف إسرائيل هذا الكيان الذى يجمع شتات اليهود بأنها: «خرافة يستحيل أن تتحقق لأنها ضد التاريخ وضد قانون الطبيعة ولم يسبق أن نشأت دولة تتألف من عنصر واحد».. والمعنى فى كلمتين أنها: دولة عنصرية. (3) مات شحاتة هارون منذ حوالى 11 عاماً وفى تاريخ موته لم يكن باقياً من يهود مصر المقيمين إلا أعداد قليلة لا تتجاوز المائة ولا تسمح بأن يجتمع عشرة رجال منهم فى معبد للصلاة كما تشترط الشريعة اليهودية لإقامة الصلوات لكن فى الأعياد كانت تجتمع غالباً أسر الدبلوماسيين الإسرائيليين العاملين فى مصر فى أحد المعابد القريبة من بيت السفير فى المعادى للاحتفال والصلاة، ولا أظن أن هذا حدث بعد ثورة 25 يناير لأسباب تتعلق بتأمينهم وتخفيض أعداد الدبلوماسيين العاملين فى مصر. ما أقصده أن مسألة يهود مصر مسألة صارت فى ذمة التاريخ وأنه لا أحد يبحث عن حل للمسألة اليهودية التى تعنى تشتت واضطهاد اليهود تاريخيا إلا د. عصام العريان لأن هذه المسألة انتهت بقيام دولة إسرائيل وهجرة يهود العالم إليها بل تم تجاوز هذا الأمر الآن فى إسرائيل إلى السعى لإقامة مملكة اليهود وإعلان القدس التى يسمونها «أورشليم» عاصمة لها ويقيمون فيها المعبد الثالث أو الهيكل لينطلقوا من هذا السيناريو إلى حلمهم النهائى وهو حكم العالم. (4) والمشروع المقابل للمشروع الصهيونى العالمى هو مشروع إحياء الخلافة الإسلامية الذى تؤمن به فصائل إسلامية عديدة وليس الإخوان فقط وركيزة أساسية فى هذا المشروع تحرير الأقصى الإسلامى أولى القبلتين وثالث الحرمين وتحرير فلسطين ولم شعث الشعوب الإسلامية المتشرذمة فى كيان واحد.. حلم قد يبدو مستحيلاً مثلما كان مستحيلا قبل سنوات قليلة أن يجتمع اليهود من أطراف الدنيا الأربعة ويحاربوا العرب مجتمعين ويقيموا دولتهم فى فلسطين. وبقى أن الصراع التاريخى لم ينته لأنه لن ينتهى إلا عندما تقوم القيامة فهل استعد المسلمون لحرب أعدائهم فى إسرائيل ودحرهم وطردهم وبقى أن نبحث فى أمر قبول اللاجئين منهم فى بلادنا؟! بصراحة ما قاله د. العريان لا يمكن تشبيهه إلا بمشهد اللمبى الذى امتهن الجزارة دون خبرة سابقة وفى أول مهمة عملية سلخ الشاه قبل أن يذبحها!