مساك الله بالخير ياشيخ حاتم ياشناوى إن كنت على قيد الحياة أو رحمك برحمته إن كنت لقيت وجهه الكريم... الشيخ حاتم الشناوى لمن لا يعرفه هو البطل المحورى لرواية (مولانا) لإبراهيم عيسى.. والسبب أن مولانا الشيخ رغم أنه كان تاجرًا ويجيد ابتكار الفتاوى على المقاس والهوى.. إلا أننا صرنا نفتقده بشدة اليوم، ونحن إليه كثيرًا الآن... بعد أن حل محله فجأة نفر آخر، بجلاليب غريبة، وذقون مرعبة، يقذفوننا بلا سبب بملامح شرسة وغليظة وبألفاظ قبيحة وكريهة. ورحم الله زمنا كنا ما إن نرى سيدنا الشيخ بزيه المعروف ولحيته اللطيفة، حتى نهرع إليه، نتأسى به ونلوذ، ونحتمى فيه ونطلب محبته.. وبين زمن آن تفر فيه هلعًا ورعبًامن قسوة لفظه وغلظة وجهه وفحش تصرف لشلة من الدعاة العشوائيين التى تسلطت على عقول العامة. وقبل محاولة قراءة الرواية معًا نتوقف عند لفظة مولانا، فهى واحدة من المفردات العبقرية فى لغتنا الجميلة.. تتعدد معانيها ودلالتها حسب الاستخدام والمقام فتصل إلى درجة القداسة عندما نتحدث عن الله سبحانه وتعالى (فنعم المولى ونعم النصير) وتتدرج إلى درجة مولانا الملك ومولانا الحاكم ومولانا الشيخ ومولانا الولى، وتنزل أحيانًا أخرى إلى درجة العوام عندما يشيح بها فى وجهك أحدهم قائلًا«خلصنا بقى يامولانا»..ولكنها أبدًالم ولن تبتذل، حتى تعلق على هؤلاء الذين يروعون الناس سبابًا ولعنة وتكفيراً. ومولانا فى المعجم الوسيط تعنى ولاه (يليه) ولياً: دنا منه وقرب، وليه ملك أمره وقام به، نصره، أحبه وحاباه المَولى:الرب والمالك وكل من ولى أمرًا أو قام به. المُولى:المحب، الصاحب، الحليف، النزيل، الجار، الشريك، الصهر، الزاهد، أو العالم الكبير. وإذا كنا فوجئنا هذا العام وتحديدًا منذ شهور قليلة بظهور أعمال إبداعية تحمل اسم مولانا، مثل رواية «رائحة مولانا» للأديب الشاب أحمد عبد المنعم رمضان، ورواية مولانا لإبراهيم عيسى، فقد عثرنا على رواية أخرى جميلة تحمل اسم مولانا صادرة فى عام2010 للأديب محمد العون..ويبدو أن الأيام القادمة ستقدم لنا الكثير من التنويعات الإبداعية على محور مولانا وتشكيلاته. رواية مولانا التى صدرت فى النصف الأخير من هذا العام عن مؤسسة قطر للنشر، ونفدت طبعتها الخامسة محققة نجاحًا كبيرًا لما تحتويه من جرأة فى الأفكار التى تتحاور داخلها، وتنوع الشخصيات التى ترسم أحداثها. ولاشك أن تجربة إبراهيم الشخصية والطويلة فى دنيا المحطات الفضائية مع موهبته الخاصة فى انتقاء المعانى والأفكار أفاده كثيرًافى القيام بهذا التتبع المبهر للتغيرات النفسية والجسدية التى تصيب الواحد منهم وتحوله من إنسان إلى كائن تليفزيونى. فالضوء الأحمر والذى يفجر تلك القدرة على الاستعراض، ويحوله إلى الانبساط رغم الضيق، وإلى الجدية رغم التهتك، وإلى الوقار رغم المسخرة، صار يتابع الضوء الاحمر كعباد الشمس، يضبط نفسه كثيرًا محدقًا فى سقف غرفة نومه منتظرًا شروق الضوء الأحمر كى يلبس نفسه المستعرضة، لم يعد قادرًاعلى الانفراد بنفسه، ضاعت المسافة بين روحه وجسده ولم يعد يدرك الفاصل الوهمى، إنه يؤخر طاقة شحنه ليستنفر لحظة الضوء الأحمر، فهو يحتاج إلى كامل العافية واليقظة حتى يؤمر فيلبى ويستدعى فيحضر. وبنفس المهارة والحذق يرصد أيضًا خط علاقته بامرأته أميمة من معجبة منبهرة تحفظ خطبه إلى مصدومة فيه ومتمردة عليه وخائنة له، بعد أن سالت مياه الشهرة بدلًامن الشهوة، ولذة المال بديلًا عن نشوة الحسى. وقد برع إبراهيم عيسى فى رسم شخصية الشيخ حاتم منذ كان مجرد إمام فى مسجد صغير بالأوقاف حتى صار أغلى وأشهر نجم فى دعاة التلفزيون، من أجل أن يجعله عنوانًا ناصعًا عشناها لسنوات طويلة مع الدعاة الذين أغرقونا فى متاهات علم لا ينفع وجهل لا يضر، دعاة مدربون على الثرثرة فى اللامعنى بألفاظ مخيمة وأدعية وآيات قرآنية وأحاديث نبوية صالحة للرد على أى سؤال، حيث هى دواؤه فى أى مراوغة وإحتراف دعاة يحفظون الفتاوى كمن يحفظ كتالوج الثلاجة أو التلفزيون بكل إرشاداته وتعليماته وخطوات التشغيل وطرق الصيانة والعيوب المحتملة... شيوخ مركزة فى الوعظ وليس فى العلم،فى الفتوى لا فى الفقه مهتم بالدعاية لا بالهداية،دورهم ليس تعليم الناس بل فقط تخفيف وتحسين مستوى الجهل، فهو شيخ شاشة وليس شيخ علم، ليس مسموحًاله بالخروج عن الإطار المرسوم لحدود الملعب وهو أن يرضى الجمهور والمعلنين ومالك المحطة المهم هو اختيار المناطق المثيرة للاهتمام وللأهمية من دون أن تخدش ما اعتاد عليه الناس. وحتى لا يظن ظان أن إبراهيم عيسى اخترع مولانا الشيخ حاتم فقط ليجعله تكئته الإبداعية ووسيلته الزكية للكلام عن الأفكار والمحاور الدينية التى يتبناها عن المذاهب والفرق، والسنة والشيعة، والعقل والاجتهاد، والفتنة الكبرى التاريخية، ومواقع التنصير الحديثة على الانترنت أو ليكون فرصة حتى يصول ويجول فى موضوعه الأثير، وحلمه الغالى ومشروعه الأعظم وهو تخليص العقول من حشو المغالطات والأكاذيب، وتنقية المفاهيم مما ترسب فيها من أساطير وتخرصات، خاصة المرتبطة فيها بالدين وبالتاريخ، أى أنه ببساطة كان مجرد بوق أيديولوجى لأفكار إبراهيم عيسى. فإذا كان الشيخ يحمل العلم ولا يحتمله، فإنه كوالد وأب هرب يوم مرض ابنه الصغير والوحيد، ودخل غيبوبة، قام فيها بكثير من الأفعال والتصرفات العجيبة التى تكشف عن هشاشة إيمانه وتكوينه وبنيانه.. أما كزوج فقد فشل فى إنقاذ علاقته مع امرأته المحبة له أولاً، الصابرة عليه ثانياً، المراقبة لتحولاته، المشاركة فى ثروته، القريبة منه كشقيقته، وأظهر غفلة وعدم إحساس حتى عندما اعترفت له بخيانتها له وقدمه كصديق لمختار الحسينى شيخ الطريقة الصوفية والشخص الوحيد الذى أحبه ووثق فيه بين كل من عرفهم وجابههم طوال صفحات الرواية، إضافة إلى أن الشيخ الحسينى هو الوحيد أيضًاصاحب الأيادى البيضاء عليه والمحبة له طوال الوقت، ومع ذلك نرى مولانا حاتم الشناوى ينسى كل هذا وينسى أن يمد له يد العون والمساعدة فى قضيته الشائكة مع ابن الرئيس وينسى توصيفه لأمه العجوز، بسبب مشاغله المتلاحقة من الشهرة الطاغية التى صار عليها. عموماً.. يصعب للغاية الإحاطة برواية واسعة وممتدة العلاقات والأزمان فى لقطة واحدة سريعًاهكذا، كما نفعل الآن مع هذه الرواية التى أتمنى أن تتاح قراءتها والاطلاع على ما بها، للجميع وبالذات فئة الشباب والطلبة... خاصة أن الرواية كشفت سر هؤلاء الدعاة الذين كانوا يملأون الساحة قبل الثورة، لأنها كتبت فى الفترة من أبريل 2009 وحتى مارس 2012..