جمهور مهرجان القاهرة السينمائى أصبح أيضا على موعد كل عام مع الدراما التركية فى صورة مجموعة أفلام حديثة ترسم ملامح متباينة، والشكل أكثر جرأة للمجتمع وللناس وللتناقضات المختلفة، وربما تكون هذه الأفلام أكثر عمقاً بالطبع من المسلسلات التليفزيونية التركية ومن خلال وجهات نظر متنوعة لأسماء مثل الفلسطينى «هانى أبواسف» والبوسنية «عايدة بيجيك»، التى أخرجت فيلم «أطفال سارينيفون والمخرج الدانمركى فلسطينى الأصل، «عمر شرقاوى»، الأفلام القصيرة متعددة المخرجين عن المدن الكبيرة تقليد معروف، وشاهدنا منه نماذج مختلفة عن «باريس» «وهافانا»...إلخ، ومشكلة هذه النوعية من الأفلام فى تفادى مستوى المخرجين، ومستوى نضج أفكارهم لذلك يعلوالفيلم ويهبط وفقاً لمستوى مخرجه، وهذا هوالحال أيضاً فى تجربة لا تنسى يا إسطنبول. فى الفيلم الأول القصير مثلاً، نشاهد الشاب اليونانى «فانجيليس» الذى لاتبقى فى الاتراك لقد نزل اسطنبول لاستعادة مُستحقاته من شخص تركى يجد محل الرجل مُغلقاً ولكنه يقابل فتاة تدعى زينب تساعده على استعادة أمواله، وتضعه فى قلب أسرة تقليدية تركية بسيطة محبة للناس وللعالم، تتغير أفكاره من الافتعال لا يخفف منها سوى الأداء التلقائى لبطلات الفيلم البسيطات. فى فيلم قصير آخر نجد سائحين يتسوقان، زوج وزوجته تجاوزا سن الشباب. الزوجة تُلفت نظر شاب تطارده، نكتشف أخيراً أنه يذكرها بابنها الشاب ميركوالذى مات يتعرض الشاب التركى لحادثة، يُنقل له دم من السيدة، تغادر المكان، تقول لزوجها النهاية هيا بنا نتسوق. عمل آخر يعتمد على المصادفات المُفتعلة مع الكثير من التكرار والمباشرة. فى فيلم ثالث حكاية حب بين كاتب فلسطينى يطارده الموساد وفتاة يهودية من أصول مغربية، بعد أن يتبادلا حوارات طويلة ومباشرة، يمارسا الحب ثم يكتشف فى النهاية أن الفتاة وراء تسليمه إلىالموساد فى إسطنبول، فهوالفيلم أيضاً مُثقل بالحوارات والمناقشات رغم أنه أفضل قليلاً من الفيلمين السابقين أما أفضل أفلام: لا تنسى يا إسطنبول، فهوالفيلم القصير الذى قامت ببطولته هيام عباس حيث تقوم بدور سيدة فلسطينية تصطحب أمها العجوز التى تبحث عن شقيقتها بعد أن انفصلا عن بعضهما منذ 62 عاماً بما يواكب سنوات النكبة، تتوه الأم العجوز فى الشوارع وتحاول أن تعتمد على نفسها فى البحث، فى حين تصل الابنة إلى خالتها، ولكن جيل النكبة الذى تمثله الأم العجوز تنجح بمجرد الوصول إلى هدفه، وينتهى الفيلم والأم العجوز تصعد إلى السلك بكل ثقة عمل متماسك وذكى خصوصاً مع الأداء الرائع لمن قامت بدور الأم العجوز. ومن الأفلام القصيرة أيضا فى حب اسطنبول فيلم عن ممثلة أمريكية تنزل المدينة يعمل كاستنج لأداء دور ديدمونة فى مسرحية عطيل، تتوقف فى خط طويل مع عاملة البار التى تساعدها بأن تلعب أمامها دور «عطيل» الفيلم متواضع وملئ بالثرثرة والإدعاء، وهناك أيضاً فيلم قصير عن عازف عود أرمنى يعيش فى اسطنبول، وآخر عن دار عرض سينمائى مُغلقة فى المدينة القديمة، وكلها رؤى مُتباينة لعيون أجنبية أكسبت الفيلم درجة من التنوع وإن لم تحقق الاتقان! من الأفلام التركية الروائية الطويلة كذلك فيلم «حيث تشتعل النيران «where the fire burn» الفيلم متوسط المستوى ويبدأ مباشرة بمناقشة موضوع جرائم الشرف التى شاهدناها فى كثير من الأفلام التركية، الفتاة المراهقة «آيسى» تعيش مع عائلتها فى منزل صغير، الأب «عثمان» والأم «عائشة» وهناك أيضاً عدة أخوة صغار للفتاة، والدها يحبها كثيراً، ويطلق عليها اسم بياض الثلج، عندما تسقط آليس وتنقل إلى المستشفى، يكتشف الطبيب أنها حامل فى 13أسبوعاً، نعرف أن الحمل من صديقها المراهق، تنقلب حياة الأسرة الريفية لهذا العار، يضغط الأعمام على الأب للتخلص من ابنته، حياة الأب شاقة وصعبة لدرجة أنه يحلم بالسفر والهجرة يقرر مع ذلك أن يتخلص من ابنته فى رحلة طويلة يكتشف كل منهعما الآخر لأول مرة العمل به كثير من التطويل كما أنه لا يقدم جديداً فى معالجة فكرة مطروحة فى أفلام تركية كثيرة شاهدناها فى مهرجان القاهرة ولكنها أفضل وأكثر عمقاً واتقاناً فى جميع عناصر الفيلم السينمائى المعروفة. علاقة ثلاثية أما فيلم «ما يبقى» أو«what remains» فهوعمل جيد فاز بجائزتى أحسن مخرج وأحسن ممثلة فى مهرجان أنطاليا التركى هناك اعتماد على التفاصيل الصغيرة لأن التنمية مكررة ومعروفة وقدمت من خلالها أفلاما عالمية شهيرة، وهى تنمية الزوج والزوجة والعشيقة، رغم أن الزوج يحب زوجته ويرغبها جسدياً، إلا أنه ينبهر بامرأة أخرى تزوره فى عمله بالمستشفى، يكتشف أنها مُطلقة وأم لصبى، لكنه لا يتردد فى الاندفاع فى علاقة حارة تكتشف الزوجة العلاقة فى الوقت الذى تتغير فيه العشيقة فجأة وتطرد عشيقها الطبيب من المنزل، تراقب الزوجة شقة العشيقة وتتخذ قراراً حاسماً، تقتحم الشقة وتقوم بإغراق غريمتها فى البانيه، من الواضح أنها اختارت ذلك لكى تعيد الزوج إليها، وحتى تمنعه من أن ينتقم من العشيقة فيضيع منها إلى الأبد، فى المشهد الأخير تستعيد الزوجة زوجها من جديد، يتركها وهى تنظر من النافذة. ربما كان النجاح الأهم للفيلم فى أنه يجذبك من المشهد الأول إلى المشهد الأخير رغم انه يعمل على «تنمية» مستهلكه، كما أنك لن تستطيع أن تتنبأ بالأحداث إذا لم تكن شاهدته من قبل، يضاف إلى ذلك قلة الحوار والاعتماد على أداء الممثلين وتعبيرات وجوههم، وبصفة خاصة الممثلة التى لعبت دور الزوجة بمشاعرها المركّبة والمتقّلبة. ويقوم الفيلم التركى «يوم أوآخر» أو«ONE DAY OR ANOTHER» بانوراما شاملة لقرية صغيرة تنتظر مُدرّسة اللغة الفرنسية فى المدرسة المنتظرة، يستعرض الفيلم عدة حكايات يلعب عليها الطابع الرومانسى الكوميدى ولكن بصورة سطحية وعابرة، الفيلم عمل خفيف وبسيط رغم فوزه بجوائز متعددة فى المهرجانات المحلية التركية، أما فيلم «طريق الإيمان» أو«THE PATH OF FAITHEEL» فهوعمق هذه المجموعة من الأفلام التركية، الفيلم خصب وسيناريو مُركّب يمزج حكايتين معا؛ الأولى هى قصة المناضل الشيوعى السابق «سوها» الذى تعرضّ للسجن والتعذيب فى مواجهة الحكم العسكرى فى تركيا، وفقد أيضا المرأة الوحيدة التى أحبها، والقصة الثانية عن الشاب «إسماعيل» الذى تطارده خيالات روحية ودينية متتالية فى عالم آخر، وعندما تنقطع هذه الخيالات يقوم بالانتحار، ولكن السرد الملتبس يجعلنا فى شك هل هذا حدث فعلاً أم لا، لأن الفيلم يبدأ بحادث سيارة يسقط على أثره «سوها» مضرجّاً فى دمائه. ثم يقوم ليدخل القرية متلصصاً على أهلها وهم يتجادلون حول دفن إسماعيل المنتحر، وبعد أن يسمع قصته كاملة يكاد يرى نفسه فى هذه الشخصية المنتحرة. السيناريو ملىء بالأفكار والرموز الدينية، وهو يحاول أن يتحدث عن فكرة إيمان الإنسان بشىء ما وتضحيته فى سبيله سواء فى حكاية «سوها» الشيوعى أوفى قصة إسماعيل الروحية لكل إيحاءاتها الرمزية، إنه عمل ينحاز إلى فكرة انتصار الجانب المثالى فى الإنسان على أى جوانب أخرى، وأن هذه الرؤية المثالية لن تذهب هباءً بل أنها وسيلة الإنسان للخلود، يتميز الفيلم أيضا بعناصر كثيرة رفيعة المستوى خصوصا التصوير، ولا شك أن الابتكار والجرأة فى التصدى لفكرة صعبة على هذا النحو، يمنح الفيلم تميزا خاصا، كما أن هناك مشاهد بأكملها جيدة ومؤثرة، أهمها اجتماع الرفاق الشيوعيين معاً بعد سنوات طويلة، ولقاء «سوها» معهم مُستعيداً أياماً لن تعود، ومع ذلك فهى لا تستحق الندم أوالأسف.