فى حواره ل «أكتوبر» قال المفكر الكبير د. وسيم السيسى باحث المصريات الأشهر وأستاذ المسالك البولية فى جامعات أمريكا وأوروبا والأزهر والقاهرة وعين شمس إن الهدف الأساسى من العدوان على غزة الآن هو توطين الغزاوية فى سيناء، وهو حلم إسرائيلى قديم فكر فيه بن جوريون وليفى أشكول وموشيه ديان وبدأ التنفيذ الفعلى أيام شارون الذى تخلص من غزة وألقاها فى حجر القيادة المصرية، لأنه يعلم أن الأرض ستضيق بأهلها، عندما تقوم إسرائيل بحرب برية لتهجير الغزاوية، كما هو حادث الآن وبعدها تضيع فلسطين لتحقيق حلم دولة إسرائيل الكبرى. ويبكى العرب على اللبن المسكوب حيث لا ينفع الندم أو البكاء. وقال د. وسيم السيسى إن الحال لن يستقيم فى مصر إلا إذا تم احترام دولة القانون، أما تفصيل القوانين على مقاس جماعات وشخصيات بعينها لا يسمن ولا يغنى من جوع، وإذا تم إهمال أو احتقار القانون فلن تقوم لمصر قائمة. وأضاف أنه من العيب ألا يطبق القانون لأنه يوجد أكثر من مليون حكم نهائى واجب التنفيذ، وتقف الدولة عاجزة أو مغلولة الأيدى، وكأننا فى غابة. وتأكيداً لتفعيل سيادة القانون يتذكر المفكر الكبير الأستاذ الدكتور وسيم السيسى ما حدث لأحد الرجال السود فى ولاية أركانسو فى الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما تقدم «مستر براون» الرجل البربرى الأسود بأوراق ابنتيه للالتحاق بإحدى مدارس البيض، فرفض الناظر.. فتقدم براون بطلب آخر إلى حاكم الولاية فرفض أيضاً وقال هذه مدرسة للبيض، وقال له: لن تدخل ابنتاك المدرسة.. فرفع الرجل البربرى الأسود قضية، وحصل على حكم نهائى، وذهب مستر براون بالحكم إلى ناظر المدرسة، وحاكم الولاية فقال كل واحد منهما «على جثتى».. فتوجه للمحامى الذى قال له إن حصولك على حكم نهائى يعطيك حق مقابلة الرئيس «ترومان»، فأصدر الرئيس الأمريكى أمراً بدخول الابنتين المدرسة تنفيذاً للحكم القضائى، فرفض الناظر وحاكم الولاية تنفيذ الحكم، وتعللا بأنه يمكن للفتاتين أن يلتحقا بالمدرسة العام القادم.. عندها - كما يقول د. وسيم السيسى - أعلن البيت الأبيض أن ولاية أركانسوا فى حالة عصيان مدنى، وأحاطها بالبحرية الأمريكية وضربها بالمدافع وألقى القبض على الناظر وحاكم الولاية و200 من مثيرى الشغب وأخذ كل واحد من هؤلاء عشر سنوات لأنهم لم يحترموا القانون ومن هنا ظهرت قوة الولاياتالمتحدةالأمريكية التى سادت العالم لاحترامها القانون. وعن سبب عشقه للتاريخ المصرى القديم قال: مواقف كثيرة دفعتنى لقراءة ودراسة تاريخ أجدادى العظام منها ما ذكره فرانسيس بيكون عندما سألوه كيف تتقدم أوروبا قال أن يكون لها تاريخ، فقالوا له: أوروبا ليس لها تاريخ، فقال تأخذه من التاريخ اليونانى، والذى يرجع أساسه إلى تاريخ مصر القديم. وموقف آخر شجعنى على دراسة تاريخ مصر القديم يتلخص فى أنه أثناء إعداد دراستى للدكتوراه فى انجلترا، وقف السير الإنجليزى عضو مجلس العموم البريطانى على «ستاند عال»، وأخذ يقول فى كبرياء إن انجلترا علمت العالم، لأنها أقامت أول برلمان فى التاريخ عام 1642، ولويس باستير الذى اكتشف التعقيم عالم إنجليزى، والكسندر فلمنج مكتشف البنسلين إنجليزى، ومخترع المادة الضد فى المعادن إنجليزى.. يقول د. وسيم.. وسط هذا الجو المشحون بالتفاخر من السير الإنجليزى وقف رجل زنجى من بين الناس، وقال: أيها المتحدث إذا أردت أن تتفاخر على العالم، فلا تتفاخر على مصر فأنا الذى أعطيتك الحضارة، فأنتم أخذتم حضارتكم من الرومان، والرومان أخذوها من اليونان، واليونان أخذوها من مصر القديمة، فأفلاطون تعلم فى مصر الفلسفة 13 سنة، وسولون تعلم القانون فى مصر، فقاطعه الرجل الإنجليزى، أنا أعلم أن مصر هى التى علمت اليونان، وأنت زنجى ولا علاقة لك بمصر، فقال أنا من نيجيريا، ونيجيريا من أفريقيا، ومصر هى قلب أفريقيا.. فكيف انفصل عن قلبى. يقول د. وسيم السيسى: عندها أحسست بفخر عظيم، وأسى شديد أيضاً، شعرت بالفخر لأن الذى يتكلمون عنه هو بلدى، والأسى لأننى لم أعرف تاريخها مثل هذا الرجل الزنجى. وفى معرض حديثه طالب د. السيسى أن يقرأ أى رئيس تاريخ العصر العباسى الثانى، حتى لا يلقى مصير من سبقوه، فلو درس هتلر تاريخ نابليون بونابرت ما وقع فى قبضة ستالين، ولو مبارك قرأ تاريخ آخر الخلفاء العباسيين المستنصر بالله ما وصل إلى سجن طره، لأنه فى نهاية العصر العباسى الثانى أحاط التتار ببغداد، وعندما أحس الخليفة العباسى بقرب النهاية أخذ يبكى ويقول: لهفى على ملك ضائع، فنظر إليه وزيره شذراً، وقال يا أمير المؤمنين لا تبك فمن ترك الصغير حتى يكبر، والعادل حتى يظلم، والشريف حتى يسرق، والقليل حتى يكثر.. يا أمير المؤمنين من أمن العقوبة أساء الأدب.. أطعمت الحاشية وجوّعت الرعية فخانتك الحاشية وثارت عليك الرعية. فأجهش الخليفة العباسى المستنصر بالله فى البكاء وقال: إن هذا القول أشد على من فقد الخلافة. وبعدها بأيام كما يقول د. وسيم السيسى: أحاط هولاكو بقصر الخلافة وقيد وثاق الخليفة فوجده قد أخفى كميات هائلة من الذهب فى فسقيات القصر فقال هولاكو قبل أن يذبحه: لو أنفقت نصف هذه الأموال على جندك وشعبك ما استطعتُ الوصول إليك.. وما حدث فى نهاية العصر العباسى الثانى حدث فى نهاية عصر مبارك الذى حاول بيع مجمع التحرير، وعمارات وسط البلد وفيلات وقصور مصر الخديوية، وبنايات شارع قصر العينى لشركة فرنسية، والتى تراجعت عن البيع بعد قيام الثورة.. هل تتصور أن يقوم رئيس جمهورية بالتفكير فى قطع أشجار حديقة الأورمان وتوزيع حيوانات الحديقة بالجيزة لبيع الأرض للأجانب. إن ما فعله مبارك لم يفعله الغزاة الذين دمروا أوروبا.. على حد تعبير كاثرين أشتون مسئول العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبى فلو تم توزيع نصف المليارات المنهوبة على الشعب ما انقلب عليه. وفى ذات السياق يقول د. وسيم السيسى مصر ليست فقيرة.. فبوش الأب عندما سألوه فى مطلع التسعينات عن أغنى دولة فى العالم قال: مصر.. لأن مصادر الثروة فيها لا تنتهى والغريب أنها تتحمل النهب ليل نهار.. العالم يعرف ذلك والتاريخ يقول إن الحاكم الرومانى قال: أحذركم الاقتراب من مصر لأنها سلة غذاء الامبراطورية الرومانية، ونابليون بونابرت قال: قل لى من يحكم مصر.. أقل لك من يحكم العالم، وهذا سر خوف الصهيونية العالمية وأمريكا وإسرائيل من مصر، ولذلك فأنا وسيم السيسى أؤيد نظرية المؤامرة على الدولة المصرية، وعلى الجيش المصرى العظيم، وأن ما يحدث الآن قد يكون محاولة لتوريط القوات المسلحة فى حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وإذا أردت أن تصدق ذلك فارجع لما قاله بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل، وكرره المفكر الإسرائيلى أوجينون، عندما قال: إن قوة إسرائيل ليست فى سلاحها النووى، ولكن قوتها فى تصفية ثلاث دول كبرى هى العراق وسوريا ومصر إلى دويلات متناحرة على أساس دينى وطائفى. وعن كيفية التقدم قال د. السيسى لابد من إقامة العدل، فالعدل هو أساس الملك، ولابد أن يتساوى ابن الرئيس مع ابن الغفير وعضو الجماعة مع عضو التحالف، والمسلم مع المسيحى.. النبى محمد قال: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها. وأضاف د. وسيم قائلاً: لابد من عدالة التوزيع لأن هذا المعنى تجلى بوضوح عندما قالت امرأة للكاتب الأيرلندى العظيم برناردشو: أنا لم أفهم شيئاً من كتابك «دليل المرأة الذكية عن الرأسمالية» فقال سأشرحها لك فى كلمتين وأشار إلى صلعته ولحيته الكثيفة وقال هذه هى الرأسمالية.. «غزارة فى الإنتاج» وأشار إلى ذقنه، وسوء فى التوزيع وأشار إلى صلعته. وقد أكد هذا المعنى المفكر الكبير عبدالمنعم تلّيمة عندما قال لى: يمكن تلخيص اقتصاد مصر فى كلمتين.. ثروة مصر 100 جنيه، 3 أفراد معهم 97 جنيها، و97 معهم ثلاث جنيهات، وهذه هى ثالثة الأسافى. وفى حكمه على د. مرسى قال د.وسيم من الظلم أن أحكم على الرئيس فى هذه الفترة القصيرة، ومن الظلم أن يتم تقييمه فى مائة يوم أو حتى 200 يوم.. ولكن يجب عليه أن يتخذ قرارات ثورية وأبسطها تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور، فعبدالناصر بعد 100 يوم ثورة وبالتحديد فى سبتمبر وضع الحد الأدنى 18 قرشاً فى اليوم بما يعادل كيلو وربع الكيلو لحمة وقتها أى أكثر من 2000 جنيه فى الشهر بأسعار هذه الأيام.. ولكن يجب الاعتراف بأن مبارك ترك مصر خرابة، وأكاد أجزم أن السبب فى ذلك هو السيدة حرمه، فرغم أنها إنسانة متعلمة، وقوية الشخصية، فلم تكن عوناً لزوجها وزرعت فى أولادها حُب السلطة والرئاسة، مع أنها لم تكن فى حاجة إلى كل هذه الأموال والأبهة، لأن ربنا أعطاها ما يكفيها للحفيد الخامس.. ولذلك فإن سوزان مبارك مسئولة إلى حد كبير إلى ما نحن فيه من شقاء، ولم يتعلم مبارك، ولا حتى السيدة حرمه من التاريخ، فالقائد اليونانى قال لزوجته: أنا أحكم اليونان، وأنت تحكميننى، كما تحكمين صغيرك.. فأوصيك بالصغير خيراً، علّه يحكم اليونان من بعدى فيشار له بالبنان لا أن يدخل السجن. وعن البابا تواضروس الثانى يقول د.وسيم السيسى لابد من التأكيد على أننى توقعت فوز البابا تواضروس قبل القرعة الهيكلية بساعات. والتوقع ليس ناتجاً عن اتصالات أو تربيطات كما يتبادر إلى الذهن، ولكن التوقع جاء عندما طالعت الصحف يوم القرعة الهيكلية، ونظرت إلى صور المرشحين الثلاثة، فوجدته الوحيد الذى يضحك ويبتسم والابتسامة فى علم النفس يعنى الرضا، والابتسام هو الصفة الوحيدة التى تمنح الإنسان القوة وتميزه عن غيره، فرغم أن الشمبانزى يتفق مع الإنسان فى 98% من الجينات، فإنه لا يضحك ولا يبتسم. وهذا الموقف كما يقول د. السيسى ذكرنى بمشهد فى رواية لشكسبير عندما قال على لسان أحد الأبطال: احذروا هذا الرجل الذى لا يبتسم، واستبشروا خيرا بهذا الرجل لأنه يبتسم، وقد استبشرت خيراً بالبابا تواضروس عندما سمعته يقول اقرأوا التاريخ فمن لا يقرأ التاريخ لا يتعلم ومن لا يتعلم فباطن الأرض أولى به من ظهرها، فأدركت أنه رجل له فكر خاص يؤهله بأن يجلس على كرسى مرقص الرسول دون الانتقاص بالطبع من الأساقفة والرهبان الآخرين. والذين نكن لهم كل احترام.