كأننا نتنافس لإدخال مصر فى نفق الفتنة المظلم.. كأننا نتسابق لمنح مصر شهادة الأيزو فى صناعة الحروب الأهلية! حرائق اشتعلت وتشتعل فى كل مكان وفى توقيت واحد.. حرائق تهدد أمن مصر واستقرارها.. فى مرسى مطروح تطل الفتنة الطائفية بوجهها القبيح بعد هروب فتاة مسيحية مع شاب مسلم.. وفى بورسعيد يتعرض إمام مسجد ينتمى لجماعة الإخوان للاعتداء أثناء صلاة العيد على يد جماعة سلفية.. وفى المنيا يجتمع عدد كبير من شباب السلفيين والجماعة الإسلامية لمنع حفل غنائى بحجة أن الغناء حرام!.. وفى إحدى قرى بنى سويف يقع شجار بين المسلمين والمسيحيين من أبناء القرية لأن عشرات المسيحيين من القرى المجاورة جاءوا للصلاة بكنيسة القرية.. ثم هذا الصراع المشتعل بين الجماعات الإسلامية والجماعات العلمانية حول الدستور والتأسيسية.. أين ذهبت عقولنا؟! ولعل أكثر ما يثير الدهشة فى واقعة فتاة مرسى مطروح أنها تكررت من قبل عشرات المرات إن لم تكن مئات المرات.. لنفس الأسباب.. قصة غرام بين شاب مسلم وفتاة مسيحية تنتهى بالزواج فى السر والهرب! ورغم ذلك تكتسب الواقعة أبعاداً دينية تجعلها مؤهلة لإشعال فتنة طائفية!.. ويبدأ اللعب مع الكبار!.. الكنيسة تطالب باسترجاع الفتاة وتزعم أنه تم اختطافها وإرغامها على اعتناق الإسلام.. والجماعات الإسلامية تعلن حمايتها للفتاة التى أسلمت وتتمسك بعدم عودتها للكنيسة.. وفى بعض الأحيان تتطور المسألة إلى ما هو أخطر عندما يخرج الشباب - المسيحيون والمسلمون - كل للدفاع عن وجهة نظره! واقعة فتاة مرسى مطروح لم تختلف عن الوقائع السابقة.. واقعة عشق وغرام لكنها على الفور اكتسبت أبعاداً دينية.. الجبهة السلفية أصدرت بيانا تحذر فيه من محاولات إرجاع الفتاة التى أعلنت إسلامها وتزوجت من شاب مسلم.. ومن ناحيتها أعلنت الكنيسة أن والد الفتاة قدم بلاغا باختطاف ابنته وأكد فيه أنها قاصر.. وترد الجبهة السلفية بأن الفتاة غير قاصر وأنها قادرة على تحمل تبعات الزواج.. ويتصاعد الموقف بلا داع مع أن الأمور فى منتهى الوضوح.. فتاة مسيحية هربت مع شاب مسلم لأسباب عاطفية وليست دينية.. وربما يكون الاختلاف الوحيد فى قصة فتاة مرسى مطروح هو عمرها.. هل هى فى الرابعة عشرة من عمرها كما يزعم والدها أم أنها أكبر من ذلك كما تزعم الجبهة السلفية؟! وليس أسهل على المسئولين من معرفة الحقيقة ليس أسهل من معرفة إن كانت الفتاة قاصراً أم غير قاصراً.. فإذا كانت الفتاة قاصراً فإن الدولة ملزمة بإعادتها إلى أهلها وإن لم تكن فليست هناك مشكلة.. أو بمعنى أدق يجب ألا تكون هناك مشكلة.. والسؤال: أين ذهبت عقولنا؟! *** وتشير تفاصيل واقعة المنيا التى ألغى فيها حفل غنائى إلى أن الجبهة التى قامت بتنظيم الحفل هى أسرة «إيد فى إيد» التى يشرف عليها داعية إسلامى وقس مسيحى.. وأنها أرادت من خلال هذا الحفل تعميق فكرة حب الله والوطن ومواجهة التعصب الدينى.. لكن الغريب أن الفكرة والحفل راحا ضحية التعصب الدينى! اجتمع الشباب المسلم المنتمى بالطبع للتيارات الإسلامية لمنع إقامة الحفل.. وفى نفس الوقت حاولت مجموعة من الشباب التصدى لهم. المثير للدهشة أن عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة المنيا قدم بلاغا يقول فيه إن الحفل يتضمن ترانيم قبطية يمكن أن تثير الشباب المسلم.. وأكثر من ذلك.. تسمع كلاما عن أن الغناء حرام.. ومن أجل ذلك تم إلغاء الحفل! المسئولون قاموا فعلا بإلغاء الحفل حتى لا تتصاعد الأمور وتتطور.. لكن هل هذا هو دور المسئولين فقط؟ مرة أخرى: أين ذهبت عقولنا؟! *** والفتنة ليست فقط طائفية.. ليست بين المسلمين والمسيحيين.. ولكنها أيضاً بين المسلمين والمسلمين كما حدث فى بورسعيد! الواقعة حدثت أثناء صلاة عيد الأضحى ويروى تفاصيلها الشيخ فوزى الشربينى الإمام بأوقاف بورسعيد والذى ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين.. فيقول إنه تلقى تهديدات تليفونية ليلة العيد من أنصار واحد من الدعوة السلفية - الشيخ عبد المنعم - تحذره من أن يصلى بالناس صلاة العيد لأن الشيخ عبد المنعم هو الذى سيؤدى الصلاة.. ويستطرد الشيخ فوزى فيقول إنه رفض هذه التهديدات فتعرض للاعتداء بالضرب وتم إسقاطه أرضا تحت أقدام المصلين.. وأنه تلقى تهديدا بإطلاق النار عليه لولا أن جذبه أحد المصلين وجرى به خارج ساحة الصلاة ومن خلفه راح الذين اعتدوا عليه يطاردوه! صراع بين مسلم إخوانى ومسلم سلفى.. أين ذهبت عقولنا؟! *** و أصل إلى واقعة بنى سويف.. بالتحديد قرية «عزبة ماركو».. التى شهدت مشاجرة بين المسلمين والمسيحيين.. سبب المشاجرة هو غضب المسلمين من توافد عشرات المسيحيين من القرى المجاورة للصلاة داخل كنيسة القرية.. المشكلة بدأت فى الواقع فى شهر رمضان الماضى عندما اتهم السلفيون بالقرية المسيحيين بارتفاع أصوات الترانيم وزيادة أعداد المسيحيين القادمين من القرى المجاورة للصلاة فى كنيسة القرية. لحسن الحظ تحركت أجهزة الأمن مبكراً واستطاعت أن تفض المشاجرة وتحتوى الموقف.. لكن إلى متى ستظل أجهزة الأمن قادرة على احتواء الموقف؟.. السؤال الأهم: أين ذهبت عقولنا؟! *** أشرت فى المقدمة إلى أن الصراع الدائر بين الجماعات الإسلامية والجماعات العلمانية حول الجمعية التأسيسية والدستور.. أشرت إلى أنه امتداد للفتن التى تهدد أمن مصر واستقرارها.. مرة أخيرة: أين ذهبت عقولنا؟!