أعتقد أن ما حدث يومى الخميس والجمعة الموافقين الحادى عشر والثانى عشر من أكتوبر هى مجموعة من الأخطاء والخطايا المركبة فى حق الوطن.. وإن شئت فهى جرائم جسيمة فى هذه الظروف بالغة الدقة والتى تمر بها مصر وذلك على كل المستويات السياسية والاجتماعية والإنسانية.. كما أعتقد أننى لن أضيف جديدا بعد مرور أكثر من أسبوعين على هذه الأحداث خاصة بعدما تناولته الأقلام وما تناقلته الفضائيات على اختلاف مواقفهما من هذه الأحداث.. ولكن ما يجب ذكره الآن هو أن كل الأطراف وبلا استثناء قد أخطأت وتقاسمت جميعا كل التداعيات الس لبية والتوابع المحبطة لهذه الأحداث المؤسفة والتى أصابت جموع الشعب المصرى بمزيد من الإحباط وذلك فوق ما يشعر به هذا الشعب من معاناة آنية تنوء بحملها الجبال.. وبكل أسف فقد تصارعت كل القوى السياسية بأطيافها المختلفة لتحقيق أهدافها الخاصة ضاربين جميعا عرض الحائط بكل المصالح القومية والأهداف الوطنية التى يمكن أن تخرج بنا من هذا المأزق الفارق فى حياة الأمة المصرية وتأخذنا جميعا نحو جنى ثمار ثورة يناير والتى تفاءل الجميع بنجاحها المذهل بعد ثلاثين عاما من القمع والطغيان لطغمة حاكمة من الخونة وأصحاب النوايا المشبوهة والذين لم يروا سوى أطماعهم الشخصية ولا يهمهم بعد ذلك أن تذهب مصر إلى النفق المظلم - لا قدر الله - وقد خاب مسعاهم بفضله سبحانه وتعالى. ??? وإذا كان يوم الخميس الحادى عشر من أكتوبر قد شهد إرهاصات هذه الأجواء المضطربة والتى كانت بدايتها الإقالة المزعومة للسيد النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود وما تبعها من ملابسات اختلقها الإعلام المغرض وأضرم فيها أحقاده البغيضة ونواياه السيئة مستهدفا بانتهازية واضحة إشعالها حريقا بين سلطات الدولة وزعزعة ما تحقق نحو استقرارها المأمول بعد قرابة العامين من ثورة يناير كانت الأنواء السياسية تكاد تقذف بمصر نحو المجهول الذى لا نرجوه لها ولا نتمنى. ومن أسوأ المشاهد فى هذه القضية التى أخذت أكبر من حجمها الحقيقى أن زجت وسائل الإعلام بأسماء وثورة بحكم مناصبها وتاريخها الذى يشهد بما لا يدع مجالا للشك ما تتمتع به هذه الأسماء من وطنية مشهودة وانتماء أكيد لهذا البلد الأصيل.. وأعنى هنا وزير العدل المستشار الجليل أحمد مكى وقاضى قضاة مصر المستشار حسام الغريانى ونائب رئيس الجمهورية المستشار محمود مكى وثلاثتهم من أقطاب تيار الاستقلال للقضاء المصرى الشامخ والذين دفعوا الكثير من أجل أن يظل هذا القضاء رمزا عظيما نحتمى به جميعا ونتيه به فخرا كأعرق قضاء فى الوطن العربى حيث يمثل القدوة والأسوة لكل النظم القضائية فى المنطقة.. وبعيدا عن الأقاويل التى اختلقتها وسائل الإعلام المختلفة والتى أحدثت التباسا فى هذه الواقعة كاد يهدد وحدة قضاة مصر، خاصة بعد أن استغلها البعض لتحقيق مكاسب سياسية وهم الأبعد عن هذه الشبهة التى تتعارض وما يعتلونه من منصة القضاء التى نزهها من أى عمل سياسى وهنا نهيب بهم أن يترفعوا عن الأهواء والأغراض التى قد تنال مما نكنه لهم من توقير وتقدير وما يفترض فيهم ابتعاد عن العمل السياسى حيث إن هدفهم الأوحد هو تحقيق العدالة وصون الحقوق لسائر المواطنين على أرض مصر بلا تفرقة. ??? ورغم أن هذه الواقعة المؤسفة مازالت تلقى بظلالها القاتمة على ساحة القضاء خاصة بعد الاحتقان الذى شهده نادى القضاة وما تخلله من سخرية مرفوضة لرموز مصرية مرموقة المكانة وكذلك من ممارسات هى الأبعد عما يجب أن يتحلى به قضاة مصر العظماء.. رغم ذلك كله فإن الأمل لم يزل يحدونا فى أن يعود نادى القضاة إلى ممارسة مهامه التى أنشئ من أجلها كجهة خدمية تلبى احتياجات القضاة بعيداً عن أى ممارسات تخل بمكانتهم وتهز ما للقضاء المصرى من قيمة نحترمها ونعتز بها جميعا ونفتخر.. وإن ذلك الأمل لن يتحقق إلا إذا كان مرهونا بعودة الاحترام الواجب بين سلطات الدولة حتى يتسنى لكل منها القيام بواجبه حيال شعب مصر وحتى نرتقى جميعا إلى مستوى ما أحدثته ثورة يناير من تحولات جذرية فى الخريطة السياسية والاجتماعية لمصر الثورة. ??? وأعتقد جازما أن ما حدث يوم جمعة «كشف الحساب» لم يكن منفصلا عما حدث فى اليوم السابق، حيث كان الرابط بينهما هو الأجواء المضطربة التى اكتنفت الواقعتين وسادهما التخبط السياسى بما يؤكد أن كل الفرقاء قد ارتكبوا أخطاء سياسية لم يكن ذلك وقتها والدليل القاطع على ذلك أن كل هؤلاء الفرقاء قد تبرأوا مما حدث من مشاغبات خرجت بهذا التجمع عما هو مأمول منه وأصابت أهدافه فى مقتل وعلى ذلك فلم نشهد كشف حساب يلتزم بالموضوعية والمصداقية، حيث تخلل هذه المظاهرات كل ما يبتعد بها عن أى هدف يتحقق من خلاله خطوة للأمام فى بناء ديمقراطى نتمناه جميعا.. والذى يثير العجب والدهشة معاً أن أحزابا وقوى سياسية لها مكانتها ومنهما حزب الدستور وتيارات سياسية أخرى وقبلهما حزب الحرية والعدالة الذى زاحم هذه التيارات حيث ارتكب الجميع ما شاهدناه من أخطاء كادت تنتهى بكارثة إنسانية قبل أن تكون كارثة سياسية وكلتاهما يهدد ما نرجوه ونصبو إليه من وحدة سياسية مأمولة رغم كل الخلافات العقائدية.. وأعتقد أن كل هذه القوى مجتمعة قد أدركت الدرس جيداً وقدَّر العقلاء والحكماء منهم عواقب هذه الممارسات مما جعل الخسائر فى أضيق الحدود الممكنة وإن كان الجميع قد فقد جزءاً مما كان تحتله من مواقع سياسية - إن صح التعبير - وأعتقد أن الجميع سوف يدفع ثمنا باهظا من رصيده لدى الجماهير التى كانت تأمل أن تتحد كل هذه القوى السياسية على قلب رجل واحد حتى يتحقق لها ما ترجو وتتمنى.. خاصة فى هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها مصر.. ولعل ذلك الذى حدث يكون بمثابة الناقوس الذى يدق فى آذاننا حتى نتقى ما ينتظرنا من أخطار إذا ما استمرت هذه المراهقة السياسية سائدة فى الشارع السياسى المصرى.. فهل نثوب جميعا إلى رشدنا ونعلى قيمة الوطن والمواطن داخلنا جميعا؟ نأمل ذلك.