سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السفير امين يسرى يقول ان الرئيس ليست عنده رؤية او مشروع قومى...والدولة المهزوزة تواصل تحرشاتها لتمرير التوريث...وتساؤلات عن سفر 800 من اهالى سيناء للعمل فى المستوطنات الصهيونية...وفهمى هويدى يتحدث عن رياح ربيعية ساخنة تهب على القاهرة
نبدأ جولتنا من جريدة العربى التى يصدرها الحزب الناصرى حيث كتب السفير أمين يسري مقالا اكد فيه ان الرئيس مبارك ليست عنده رؤية او مشروع قومى وليس لديه اية طموحات او احلام يسعى لتحقيقها وان هذه الصفات وغيرها الكثير كانت وراء قرار الرئيس السادات لاختياره نائبا له واستطرد الكاتب يقول " أظن دون أن يحمل هذا الظن إثما أن الرئيس السادات عندما قرر تعيين نائب لرئيس الجمهورية فإنه راعى عدة معايير تكون حاكمة لهذا الاختيار، وأظن مرة أخرى أنه بحكم العقل والمنطق أن جعل من بين هذه المعايير ومن أهمها أن يكون أحد ضباط القوات المسلحة ويفضل أن يكون أحد الذين أسهموا فى حرب أكتوبر، وأن يكون شخصا عرف عنه الطاعة المطلقة والانضباط لا يطرح فكرا ولا رأيا مستقلا. أى لا يكون صاحب رؤية وأحلام بما يجب أن يكون عليه الحال. وأن يكون مجردا من الطموح. وأيضا ألا يكون له أى خلفية سياسية. وأعتقد أن الرئيس السادات قد وفق فى الاختيار، وفق هذه المعايير عندما اختار محمد حسنى مبارك. فالرجل لم يعرف عنه أحدا ممن عاصروا شبابه أدنى اهتمام بالشأن العام إلى حد العزوف عن قراءة -الأهرام- أو أى صحيفة يومية، وأنه منذ أن التحق بالكلية العسكرية وهو شديد الانضباط كما يقول عنه زملاؤه فكان آخر من يخرج من الكلية عند الانصراف لقضاء إجازة نهاية الأسبوع، وأول من يعود لها بعد انتهاء الإجازة. وهو أثناء الدراسة لم يحلم بأن يكون متفوقا على زملائه ولم يكن هذا من بين طموحاته، فكان يكتفى بالحصول على الدرجات التى تؤهله للنقل إلى السنة الدراسية التالية. وأذكر جيدا واقعتين. واحدة منهما كنت شاهدا عليها بنفسي. منذ زار الرئيس السادات الولاياتالمتحدة وأجرى مباحثات ورأى اطلاع الرئيس حافظ الأسد على نتائج هذه الزيارة. فأوفد نائبه محمد حسنى مبارك إلى دمشق لمقابلة الرئيس السورى واطلاعه على فحوى الزيارة وذهب معه السيد إسماعيل فهمى وزير الخارجية الذى صحب معه نجله الذى كان فى حينه ملحقا دبلوماسيا بمكتب والده وهو حاليا سفير مصر فى واشنطن، وإلى أن تتم المقابلة فقد حضر إلى مقر الضيافة عبدالله الأحمر نائب رئيس حزب البعث السورى للترحيب بالضيف. كنت فى ذلك الحين قائما بأعمال سفارة مصر فى دمشق، وكنت بالتالى حاضرا لهذاء اللقاء. كان عددنا جلوسا حول المائدة خمسة لا غير. وافتتح عبدالله الأحمر الحديث مرحبا بالضيف ثم عرج إلى موضوعات سياسية. لكنه لم يجد تجاوبا وانتقل الحديث بعد فشل كل المحاولات إلى موضوعات بعيدة كل البعد عن السياسة حتى وصلت إلى الزراعة وتحديدا زراعة العدس! وهذه الواقعة تدل على أن السيد محمد حسنى نائب رئيس الجمهورية فى ذلك الحين رجل شديد الانضباط، فقد جاء فى مهمة محددة وهى أن ينقل للرئيس حافظ الأسد نتائج زيارة الرئيس السادات إلى واشنطن وأنه غير مستعد للحديث فى أى موضوع سياسى خارج هذا النطاق وإلى غير الرئيس الأسد، وأن الموضوعات السياسية من جهة أخرى لا تستهويه. الواقعة الثانية قد يذكرها الذين عاصروا تولى الرئيس محمد حسنى مبارك رئاسة الجمهورية وسجلات جريدة -الأهرام- على أية حال شاهدة عليها، فقد حضر إلى مصر وفد صحفى يمثل أهم الصحف الأمريكية للقاء الرئيس الجديد، وكان من بينهم صحفية وجهت فى بداية اللقاء سؤالا للرئيس حول ما يحلم به، لكنها فوجئت بالرئيس يتعامل مع السؤال بحرفيات كلمة الحلم. فأجابها بأنه عندما يخلد للنوم فإنه يستغرق فيه حتى يستطيع الاستيقاظ مبكرا كما تعود، ونادرا ما يحلم! وفى نهاية اللقاء عاودت ذات الصحفية طرح السؤال لكن بصيغة لا تحمل اللبس فسألت الرئيس عما يحلم به لمصر. فأجابها الرئيس إجابة عامة وأنه يتمنى أن يرى مصر بخير..! وأظن أن هذه الصحفية قد استخلصت من هذه الإجابة ما كانت كأمريكية تتمناه! وأنه ليس صاحب رؤية ولا مشروع قومي. وهو حلم أمريكى تحقق!. بالإضافة إلى هذه الخلفية لحياته فإن الرجل إنصافا تولى رئاسة مصر فى أصعب الظروف. فقد تولاها عمليا أو نظريا وسط بركة من الدماء بينما كان منكفئا محتميا بسور المنصة من طلقات الرصاص الذى كان يتطاير من حوله من قبل المهاجمين. هكذا قال فى المسلسل التليفزيونى الذى أعده الأستاذ عماد الدين أديب أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية. وبعد أن تولى وقعت أحداث مديرية الأمن فى المنيا بما جعل الهاجس الأمنى عنده شديد التأثير فى مواقفه. إلى حد أنه واحد من ثلاثة يحتمون بنظام أمنى تقنى شديد التعقيد وشديد التكلفة هو والمرحوم رفيق الحريرى والرئيس بوش. ولذلك لا غرابة فى إصراره على الإبقاء على حالة الطوارئ قائمة منذ أن تولى الحكم وحتى الآن وإلى عامين مقبلين. ولا غرابة أيضا فى حرصه على ما يسميه الاستقرار الذى جعل مصر فى حالة تيبس ورفضه المطلق لأى حراك سياسى أو إصلاح ديمقراطي. لكن الرئيس الذى عرفناه عام 1981 يختلف عن الرئيس عام 2006 فقد كان يمسك بزمام كل الأمور وبحكم قبضته على كل صغيرة وكبيرة. إلى حد أنه انتقل يوما ومعه عدد من الوزراء إلى أسوان لتحديد موقع كوبرى اختلف فى شأن موقعه، ووزراء الرى والنقل والثقافة. وحدد موقعا وياليته ما فعل فإن أحدا لا يستخدمه لبعده عن العمران وعدم تناسب موقعه مع احتياجات الناس والمرور عليه. الرئيس الذى عرفناه عام 1981 وعمره ثلاثة وخمسون عاما يختلف يقينا عن الرئيس الذى تجاوز عمره الآن الثامنة والسبعين فللسن أحكام. فلم يعد مركز القرار مناطا به وحده عمليا. فقد نشأت مراكز قوى عديدة لسد فراغ قائم بحكم السن. وعن الساعات الحرجة فى أزمة القضاة كتب عبدالله السناوى رئيس تحرير جريدة العربى الناصرية مقاله الافتتاحى بعنوان " شفرة جمال مبارك " اكد على ان الزيارة تدشن لتوريث الحكم لجمال مبارك وان الدولة ونظامها المهزوز سيواصلان تحرشاتهما لتمرير مخطط التوريث واستطرد الكاتب قائلا " مبارك يقول لمسئول كبير بعد عودته من المغرب: -كنت مستعدا للاجتماع مع اعضاء مجلس إدارة نادى القضاة حتى قيل لى انهم يشترطون اقالة رئيس محكمة النقض-.. والقضاة ينفون ما نقل للرئيس وزير العدل يقول لقضاة كبار: -انا مكره- ووزير الداخلية يحذر من التصعيد الأمني.. فلمن يسمع رئيس الجمهورية ومن يتخذ القرار فى مصر؟ قال لزوجة المستشار: -أنا مواطن مصرى اسمه هيكل معجب بهشام لبسطويسي- الأحداث تتدافع وتنذر بتحولات سياسية كبري، ونظام الحكم يحاول أن يوحى بأن كل شيء مستقر، وأن -الاحتقان السياسي- اختراع أطلقته المعارضة، وهو مقصور عليها، وأن الشارع يعطى ثقته للرئيس، الذى بوسعه -إن أراد- قمع المعارضة بضربة واحدة تنهى احتجاجاتها، بحسب ما يردده مسئولون رسميون كبار فى جلسات خاصة، والمعنى أن بوسع الرئيس إنهاء إزعاج المطالب الملحة فى الإصلاح السياسى والدستوري، وفى القلب منها الإصلاح القضائى ورفع يد السلطة التنفيذية عن أعمال القضاء. ومن علامات النهاية لنظم الحكم أن تعجز عن قراءة الأحداث وشواهدها، وأن تستغرق فى أوهامها بتصور أن سياسة -القبضة الحديدية- يمكن أن توفر شرعية وأن حشود الأمن المركزى مما يحصن السياسات مهما بدت غير مقنعة، أو إعفاء السياسة من أدوارها والاستناد إلى الأمن وحده، وهذا تحميل للأمن فوق طاقته، فأنت لا تحكم بالأمن وحده، وغياب الرشد السياسى ينذر بالنهاية، ولعل إدارة الدولة المصرية لأزمة القضاة تكشف بصورة صريحة تدهور مستويات إدارة الدولة المصرية إلى حد ينذر بتفكك الدولة نفسها، أو دفعها إلى مصائر مجهولة. ومن ألغاز المشهد السياسى فى مصر أن جمهرة القضاة، وناديهم العتيد، مالوا إلى نوع من التهدئة، وأبدوا بصياغات متعددة استعدادا لتسوية الأزمة مع الدولة، فهم لا يسعون -كما أكدوا مرة تلو أخري- إلى تقويضها، وهم ليسوا طرفا فى الحياة السياسية الحزبية، وأن أهدافهم تقتصر على استصدار قانون جديد يرفع يد السلطة التنفيذية عن أعمال القضاء ويحقق استقلاليته، وأن يكون الإشراف القضائى على الانتخابات كاملا بما يوفر نزاهتها ويصون هيبة القضاء، وهذه مطالب لها تاريخ طويل وتعبر عن تيار عريض فى الهيئة القضائية، ولا علاقة لها بأية تيارات سياسية فى البلاد، غير أن الدولة فى إدارتها للأزمة ألحت على تسييسها، ثم حاولت فى مراحلها الأخيرة أن تلحق حركة القضاة بجماعة -الإخوان المسلمين-، وهذا لعب بالنار، فالقضاة ليسوا فرعاً لحزب أو جماعة، والقول بأن الجماعة تحركهم هو انتقاص من القضاة وإسناد دور للإخوان يتجاوز الحقيقة ويجافيها، فتأييد استقلال القضاة مطلب وطنى عام، وشرف وطنى عام، والأغلبية الساحقة ممن اعتصموا أمام نادى القضاة تأييدا ودعماً من غير الإخوان، وأغلبهم ناصريون واشتراكيون ومن حركة كفاية، ومن حق الإخوان أن يؤيدوا القضاة، فهذا حق عام لا يلام عليه، وقد عبأ النظام جرائده الرسمية، التى وصفها القضاة بالصفراء والسوداء، لتأكيد هذه العلاقة، والتقليل من شأن مطالبات القضاة ومن حجم من وصفتهم ب -القلة المتمردة-، قبل أن تعود ملحة على أن النزاع لا شأن للدولة به، وأنه صراع قضائى قضائي، وبدا أن الدولة مصرة على المضى فى النزاع مع القضاة إلى نهايته، وكان تقديرها فى البداية، عند إحالة المستشارين هشام البسطويسى ومحمود مكى إلى محاكمة الصلاحية، أن فصل الاثنين - والبسطويسى على الخصوص-قد يكون مقدمة لإحالة مستشارين آخرين من نواب رئيس محكمة النقض لذات المحكمة، وتشير بعض التقديرات الموثوقة أن القائمة المستهدفة تشمل نحو 62 مستشارا ممن ينتسبون إلى تيار استقلال القضاء وعهد فيهم التعريض بتزوير الانتخابات العامة والدعوة إلى التحقيق فى الوقائع الخطيرة المنسوبة لبعض القضاة بالمشاركة فى التزوير. بدت محاكمة البسطويسى ومكى من تعقيدات أزمة أساءت إدارتها الدولة من البداية، وأخذت تدفعها الى مواجهات خشنة مع القضاة، أدت الى سلسلة من الاعتصامات والتصعيدات لمواجهة عسف نظام الحكم وأجهزته الأمنية، وبدت الصور التى تناقلتها وكالات الأنباء العالمية والفضائيات موحية بأزمة نظام حكم لا يجد سبيلا للبقاء غير سحل المتظاهرين المتضامنين مع القضاة فى الشوارع، وإغلاق قلب القاهرة وإخلاء الجسور العامة، وفرض ما يشبه الأحكام العرفية، والمضى فى التحرش بالقضاة إلى حد التفكير فى اقتحام ناديهم، ولم يكن هناك ما يبرر كل هذا العنف، واللغز الحقيقى أن الدولة هى التى تصعد، وتصعب على نفسها -فى ذات الوقت- المأزق الذى وجدت نفسها فيه. فى لحظة تصور البعض أن رئيس محكمة النقض، ورئيس لجنة التأديب، المستشار فتحى خليفة هو -عقدة المشكلة- بما هو منسوب إليه من خلافات مع القاضيين اللذين يحقق معهما، وكان يتعين عليه أن يتنحى -وفق التقاليد القضائية المرعية- عن نظر القضية، لا أن يكون الخصم والحكم فى نفس الوقت، ثم ثبت أن القصة أخطر مما هو ظاهر على السطح، وأن نسبة المشكلة إلى المستشار خليفة مما يتجاوز دوره، ويجافى الحقائق. وفى لحظة أخرى نسبت المشكلة إلى وزير العدل المستشار محمود أبو الليل، غير أن عددا من شيوخ القضاة الذين حاوروا الوزير تولد لديهم انطباع قوى بأنه صادق عندما قال لهم فى جلسات مغلقة إنه لا يوافق على هذه الإجراءات وأنه مكره عليها، والمثير -هنا - أن قاضى التحقيق فى الوقائع المنسوبة للمستشارين البسطويسى ومكى أعاد القضية إلى وزير العدل دون أن يحقق فيها، وهذه مخالفة بديهية للقانون، فأحال وزير العدل -الذى يقول إنه مكره- القضية إلى رئيس محكمة النقض الذى ترأس لجنة التأديب، رغم أنه على خصومة معهما فى التقديرات العامة بخصوص التزوير واستقلال القضاء، وهى خصومة أخذت -للأسف- منحى شخصيا، وهذا كله ضد القانون وينحر فى صدقية الهيئة القضائية ومجلسها الأعلى والثقة العامة فى القضاة ككل. ثم نسبت المشكلة إلى وزارة الداخلية، محملة بكل مظاهر التصعيد الأمنى وموبقات سحل المتظاهرين واعتقال المئات، وبدا المشهد بإغلاق قلب العاصمة واحتلالها بنحو 20 ألف جندى أمن مركزى صداما بين الشرطة والقضاء، وهو له آثاره المستقبلية الخطيرة فى العلاقة بين القضاء والشرطة، فالشرطة يمكن أن تنكل، والقضاء بوسعه أن يرد، والدولة المدنية الحديثة، التى يفترض فيها أن تكون دولة قانون، تدفع الثمن. والمثير أن وزير الداخلية فى اجتماع خاص مع جهات سياسية نافذة حذر من مغبة التصعيد الأمني. وهكذا بدا الوزيران المتورطان مباشرة فى الأزمة مع القضاة غير مقتنعين بالتصعيد القانونى أو الأمني، أو أنهما مكرهان -بتعليمات عليا- على تنفيذ ما يطلب منهما. فمن هو -إذن- المسئول عن كل هذا التصعيد القانونى والأمنى بما يهدد سلامة الهيئة القضائية ومرفق العدالة فى مصر، بما يعنيه من سوء إدارة بالغ للدولة المصرية. قد يقال إنه رئيس الجمهورية، فالتقارير السيادية ترسل إليه، ورغم أنه يقول فى أحاديثه العامة إنه لا شأن للدولة بهذا الصراع الذى وصفه -على غير الحقيقة- بأنه صراع قضائى قضائي، إلا أن أحدا لا يستطيع أن يعفيه من المسئولية، وقد يقال إنه صاحب القرار فى التصعيد، وعقاب القضاة الموصوفين بالتمرد، وإعادة سيطرة الدولة على مرفق القضاء، الذى يعتقد أنه قد اختطف وتمرد على قبضة نظام الحكم الحالي. وهذا القول يستند إلى الصلاحيات الهائلة لرئيس الدولة فى النظام الدستورى الحالي، غير أن أحد المقربين من الرئيس، ممن ليس لهم أدنى صلة مباشرة أو غير مباشرة بملف القضاء، نقل عنه -والكلام مؤكد وأعنى ما أقول- إنه كان مستعدا للقاء مع مجلس إدارة نادى القضاة لإنهاء الأزمة بصفته الرئيس الأعلى للهيئة القضائية وفق الدستور، غير أنه تراجع عن هذه الفكرة لأنه قد قيل له إن نادى القضاة يشترط لمثل هذا اللقاء أن يسبقه إقالة المستشار فتحى خليفة من رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، ولم يكن ذلك صحيحا على أى وجه، ولم ينسب مثل هذا الطلب للنادى او لكبار المستشارين من قيادات تيار الاستقلال، فضلا عن أن المستشار خليفة سوف يخرج من الخدمة فى نهاية الشهر المقبل، والطلب -من هذه الزاوية- لا قيمة له، وينزل بمستوى الخلاف إلى ما لا يصح أو يليق بقضاة كبار، الرئيس قال ذلك فى أعقاب عودته من مراكش، والمؤكد أنه فى يوم الأحد الماضى تلقت رئاسة الجمهورية مذكرة موقعة من رئيس نادى القضاة المستشار زكريا عبدالعزيز تشرح وتوضح طبيعة الأزمة، وقد تلقى نسخة منها وفى ذات اليوم رئيس مجلس الشعب الدكتور فتحى سرور ووزير العدل المستشار محمود أبو الليل وشخصيات أخرى وبعض الوسطاء الذين تدخلوا فى الأزمة لمحاولة حلها، وهناك احتمالان، أولهما: أن يكون الرئيس قد اطلع على هذه المذكرة، غير أنه لا يريد حلا يحفظ للقضاة هيبتهم، أو لديه خطة ما لاستعادة السيطرة على مرفق القضاء بالقوة الجبرية باستخدام أدوات الدولة الأمنية، وثانيهما: ألا يكون الرئيس اطلع عليها أو حجبت عنه، وأن مراكز أخرى للقوة والسلطة فى الدولة هى التى تحكم وتصدر الأوامر، وتتصور -بالوهم- أن قصم ظهر الحركة القضائية الاستقلالية مما يساعد على تمرير -سيناريو التوريث-، والإجهاز -لاحقا- على الصحافة الحرة فى مصر، وهى أعز ما تملكه الآن. ولا ندرى ما إذا كان جمال مبارك فى تصريحاته بواشنطن يقصد ب -الانتكاسات- التى تتعرض لها مسيرة الاصلاح فى مصر إهانة القضاة وسحل المتظاهرين المتضامنين معهم، غير أن المؤكد أن العدوان على القضاة يدخل من ضمن -سيناريو التوريث-، وأن -شفرة جمال مبارك- تحل ألغاز ماجرى وتنذر بالأسوأ. ومن المؤكد -أيضا - أن اضطرار نظام الحكم -تحت ضغط تأييد شعبى غير مسبوق لانتفاضة القضاة وتحدى تعليمات وزارة الداخلية بمنع التظاهر وتقديم مئات المعتقلين على مذبح إرادة التغيير الديمقراطى الواسع- يؤشر إلى تقدم جديد للحركة الديمقراطية، فلا حرية بلا ثمن، ولا ديمقراطية بغير توازن فى القوي، والآن بات المجتمع أقوى من الدولة، غير أن الدولة المهزوزة لن تستسلم بسهولة لمطالب الإصلاح السياسى والدستوري، وقد تواصل تحرشاتها، وسوف يدفع البلد ثمنا باهظا لمثل هذه السياسات الطائشة التى تفتقد الرشد، والتى تكاد تكون قد نسيت أصول إدارة الدولة المصرية، ويصعب -أصلا- أن تدار دولة بالعناد، أو من أجل تمرير سيناريو يفتقد الشرعية والقبول العام. اما يوسف القعيد فكتب فى جريدة الاسبوع تحت عنوان "أحلام أمريكا أوامر" واثار فى مقاله عدة تساؤلات كان على راسها عن الاخبار التى ترددت عن سفر 800 من اهالى سيناء للعمل كمزارعين فى المستوطنات الصهيونية بدلا من العمال الفلسطينيين وكتب القعيد يبقول " ألم يكن من الأفضل أن تقيم مصر احتفالا بابن خلدون يفتتحه الرئيس حسني مبارك بدلا من أو علاوة علي سفره لحضور افتتاح معرض عن ابن خلدون بمناسبة مرور 600 سنة علي رحيله، في نفس المكان الذي شهد حوارات ابن خلدون مع الملك بطرس، لأن ابن خلدون عاش في مصر ربع القرن الأخير من حياته، أي مدة أطول من التي قضاها في الأندلس. ثم ماذا ستقول مصر لو أثار أحد الذين حضروا الاحتفالية مسألة عدم اهتداء المصريين إلي المكان الذي دفن فيه ابن خلدون، ولا نعرف عنه أي شيء، وكانت هناك محاولات في أربعينيات القرن الماضي لمعرفة المكان ثم توقفت، ثم أليس محزنا أن في مصر من يطالب بإقامة تمثال لديلسيبس في مدخل القناة ونهمل قبر ابن خلدون؟. واضاف الكاتب يقول " وزيارة جمال مبارك السرية لواشنطن والتي أعلن عنها بمعرفة الأمريكان بعد اتمامها بأربعة أيام، ذكرتني الزيارة بواقعة عشناها بعد اعتقالات سبتمبر 81 وفي مؤتمر صحفي وقف صحفي أمريكي يسأل: هل استأذن السادات أمريكا قبل القبض علي رموز المعارضة؟ يومها بحث السادات بحركة تمثيلية عن مسدس ليقتل به الصحفي الأمريكي، ولم يجده رغم أن حراسه كانوا مدججين بالأسلحة الثقيلة والخفيفة. المهم أن الصحفي الأمريكي هو الذي جاء إلي هناك ليسأل ونحن الآن نذهب إلي هناك وسرا، ويقال إن الزيارة خاصة لتجديد رخصة طيران السيد جمال. ثم حكاية مؤتمر شرم الشيخ هل لابد أن يذكر مسبوقا بكلمة دافوس؟ إن الآخر احتل تفكيرنا ومفرداتنا. ثم تأمل معي وصف المؤتمر قبل أن يبدأ: إنه الرد الذهبي علي أحداث دهب. شاهدت لواء شرطة يضع عقدا من الورد علي صدور ضيوف المنتدي، سألت نفسي: ومتي يقدمون للمصري وردة حتي لو كانت صناعية؟ قسمة عادلة: للأجنبي الورود وللمصري الحذاء!. وهل صحيح أن مصر وافقت علي سفر 800 مصري من أهالي سيناء للعمل كعمال زراعة في مستوطنات العدو الصهيوني بدلا من الفلسطينيين. كفوا عن المشاركة في الضغط علي حماس حتي تسقط قبل نوفمبر القادم. المهم هل ستقبلهم إسرائيل؟! وهل صحيح أن الحل الأمريكي الإسرائيلي لمشكلة سيناء هو إقامة منطقة حرة تبدأ من العريش شمالا وحتي طابا جنوبا لأن ذلك سيخلق حالة ازدهار تقضي علي الإرهاب، وإن كان ذلك صحيحا فهل تضرب بورسعيد المدينة التي أصبحت ملعونة لتخلي الساحة للمنطقة الجديدة وهدفها مثل مؤتمر شرم الشيخ معروف: التطبيع ثم التطبيع ثم التطبيع. واخيرا يقوم الكاتب والمفكر فهمي هويدي بقراءة تجريدية لربيع مصر الساخن وكتب فى جريدة الاهرام متحدثا عن الرياح الساخنة التى تهب على مصر منذ بداية فصل الربيع وكتب هويدى يقول " تتيح لنا فرصة التقاط الأنفاس التي يوفرها التسكين النسبي لجبهة القضاة، أن نراجع سجل الأحداث التي هزت الشارع المصري في الشهر الفائت، ودقت معها مجموعة من أجراس الانذار، التي أرجو أن تستقبل رسالتها بما تستحقه من يقظة وتدبر. سمه ربيعا ساخنا إن شئت، تلاحقت فيه أحداث عدة، جاءت كاشفة عن طبيعة التفاعلات الحاصلة في عمق المجتمع المصري، السلبية منها والايجابية. ولست في وارد احصاء تلك التفاعلات التي تحفل الصحف المعارضة والمستقلة برصد ماهو سلبي منها، بينما تركزالصحف القومية علي مايبدو أنه إيجابي، ويبالغ كل طرف في المادة التي يقدمها، الأمرالذي يكاد يوحي للقارئ بأن الطرفين يتحدثان عن بلدين مختلفين تشابهت فيهما الأسماء! مايهمني في سجل الربيع الساخن أحداث ثلاثة، في المقدمة منها موضوع القضاء، الذي أزعم انه حظي بقدر هائل من الإجماع الوطني، أولا لاعتبارات المكانة الرفيعة التي يحتلها القضاة في الضمير العام، وثانيا لنبل الأهداف والمطالب التي تحركوا لأجلها، التي تتلخص في أمرين جوهريين هما: إصدار قانون السلطة القضائية بمايؤكد استقلالها ورفع وصاية السلطة التنفيذية عليها، والتحقيق فيما تردد عن وقائع تزوير الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي يفترض أنها تمت تحت الإشراف القضائي. كما هو معلوم، فإن تمسك القضاة بهذين المطلبين من خلال مجلس إدارة ناديهم الذي انتخبوه، فتح الباب لسجال اتسم بالخشونة والتجاذب في بعض الأحيان، بين ممثلي القضاة من ناحية، وممثلي السلطة التنفيذية من ناحية ثانية. وهو ماوصفته في مقالة سابقة بأنه استدعاء للعلاقة المتوترة تاريخيا بين القاضي والسلطان، وتجسيد للفجوة الشائعة في بلدان العالم الثالث بين السلطة والمجتمع. كانت تلك من المرات النادرة التي انفجر فيها الصراع بين سلطات الدولة( التنفيذية والقضائية) امام الرأي العام. كما كانت المرة الأولي التي انفلت فيها العيار، الي الحد الذي دفع السلطة التنفيذية الي محاولة لي ذراع القضاة، عن طريق تقديم اثنين من شيوخهم الي المحاكمة التأديبية، والتحقيق مع ستة آخرين. وهو ماأشاع حالة من الغضب بين القضاة، ونقل التوتر الي الشارع، وفي الوقت ذاته فإن التصعيد صدم قطاعات واسعة من النخبة واستنفرها، فكان اعتصام القضاة في النادي، وكانت التظاهرات التضامنية معهم، وكانت الاشتباكات مع رجال الأمن، الذين تصدوا للتعامل مع الموقف، وحدث بعد ذلك مايعرفه الجميع من حوادث مؤسفة سجلتها الصور، وطيرت وكالات الأنباء أخبارها إلي أنحاء المعمورة. وإذ استأثرت محاكمة القاضيين الكبيرين بالاهتمام العام، من خلال أجواء الإثارة والعنف التي تخللتها، فإن كثيرين كادوا ينسون القضية الأساس في الموضوع. غير أن الانفراج النسبي الذي حدث في المحاكمة من جراء تبرئة أحدهما والاكتفاء بتوجيه اللوم الي الآخر خفف إلي حد ما من التوتر، وإن لم يداوي الجرح الذي استشعره القضاة، الذين طعنوا في أصل المحا كمة وقانونية اجراءاتها. في الوقت ذاته فإن ذلك الانفراج أعاد تسليط الضوء علي المطلبين الأصليين الذين سبقت الإشارة إليهما، وهو مايسوغ لنا أن نقوم بأن ماجري كان مجرد تسكين للموقف، لم يغلق الملف، وإنما يبقي الباب مفتوحا لعودة السجال والتجاذب، ومن ثم لمختلف التداعيات والاحتمالات. - في شهر أبريل وقع حادثان مهمان آخران، أضفيا درجة عالية من السخونة علي أجواء الربيع.واذ كانت القاهرة هي المسرح الذي جرت عليه وقائع المواجهة مع القضاة، فقد شاءت المقادير أن يقع الحادثان الآخران في الاسكندريةوسيناء، في مصادفة موحية بأن تجليات التوتر ومظانه تكاد تغطي أوسع رقعة من الخريطة الجغرافية لمصر( لاتنس أن أغلب ضحايا كارثة العبارة التي غرقت هم من أبناء الصعيد)