داخل القصر الجمهورى بالاتحادية ارتفعت أصوات كل أطياف المعارضة المصرية.. من يسارية إلى يمينية إلى ليبرالية.. الكل تحدث بمنتهى الوضوح والصراحة.. ودون قيود أو شروط خلال الحوار مع نائب رئيس الجمهورية المستشار محمود مكى. حدث هذا ويحدث وسوف يستمر فى عهد الرئيس المصرى المنتخب «الإخوانى الفكر والأيديولوجية». بينما لم نشهد مثله فى كل العهود السابقة. وفى ذات الوقت توارت أو اختفت تقريبا الأصوات الإسلامية من بين الإعلاميين البارزين «22شخصية».. ولم يتحدث منهم سوى اثنين فى أمور عامة وحيوية.. من بينها الموقف من الأزمة السورية والوضع الداخلى. ثم سؤال حول أزمة الصحافة والإعلام.. وقد طرحته على نائب الرئيس فى بداية الحوار.. ووافق على أن يخصص له لقاءً خاصاً نظراً لأهميته وخطورته.. ليس على العاملين بهذا القطاع الحيوى فقط.. ولكن على مستقبل مصر بأسرها. وبشكل عام فقد اتسم الحوار الذى استمر أكثر من ساعتين بالصراحة والشفافية المطلقة. الكل عبر عما يجيش فى صدره وفكره وهواه.. كما عكس البعض هموم الشارع ومشاكله المتفاقمة التى نشهدها ونعترف بها جميعاً. ولكن المفاجأة هى أن المستشار محمود مكى نفسه لم يفاجأ بكل هذا.. مما يشير إلى أنه يعيش نبض الجماهير.. كما يعرف توجهات الإعلاميين! هذا القاضى الجليل لا ينتمى إلى الإخوان ولا السلفيين.. ولا لأى حزب آخر.. كما أعلن ونعرف جميعاً. وهذه الإشارة فى حد ذاتها تؤكد استقلاليته عن كل التيارات السياسية ووقوفه على مسافة واحدة منها.. بما يسمح له القيام بدور حيوى فى إثراء الحوار الوطنى المأمول والمتواصل.. رغم أنه لم يرق إلى المستوى التنظيمى الفاعل والمؤثر والمثمر. ومجرد اختيار الرئيس مرسى لنائبه المستقل..شهادة له وللإخوان تحديداً.. بعدم «أخونة» الدولة.. هذا الشعار الزائف الذى يردده الكثيرون دون بيّنة. وليس أدل على ذلك من وجود نائب الرئيس نفسه وهذا الحوار الذى شمل غالبية يسارية ويمينية وليبرالية ساحقة! وإذا كان هدف المستشار محمود مكى هو لم الشمل فإنها مهمة عسيرة بكل المقاييس.. فالمشهد السياسى يشير إلى انقسامات حادة وتحالفات عديدة خلقت حالة من الاستقطاب والاستنفار غير المبرر.. وكأننا أمام معسكرين « إسلامى وغير إسلامى»! حتى إن بعض التحالفات أعلنت صراحة أنها جاءت لمواجهة الإسلاميين أو حزب بعينه.. وأغلقت تيارها بالضبة والمفتاح ضدهم.. وكأنهم أعداء أو جاءوا من كوكب آخر! ومهمة لم الشمل التى يسعى إليها نائب الرئيس تطلب إطلاق مبادرة شاملة على عدة محاور: ** إبداء كل الأطراف حسن النوايا للالتقاء على مشروع وطنى موحد ينقذ مصر من عثرتها الحالية، وهذا ما نفتقده الآن. وهذا المشروع لن يصنعه الإخوان أو الإسلاميون وحدهم.. بل يجب أن يشارك فيه الجميع.. دون استثناء أو إقصاء. ** الدعوة للقاءات ثنائية أو ثلاثية محدودة تمهد لحوار وطنى شامل وجاد.. وليس مثل الحوارات السابقة التى منيت بالفشل الذريع نتيجة سوء التخطيط أو التهميش أو الإقصاء. ** أن تقدم كل التيارات والأحزاب المشاركة مشروعاً متكاملاً ومدروساً لإنقاذ مصر من هذه الأزمة الطاحنة التى نشهدها جميعاً. فخطورة الموقف لا تحتمل المزايدة أو المساومة، أو حتى المناورة .. فالوقت يداهمنا ويكاد يدهسنا، وعندما تغرق المركب - لا قدر الله - لن تفرق بين يسارى أو يمينى.. أو بين إسلامى ومسيحى، فكلنا شركاء فى هذا الوطن. ** أن يتم الاتفاق فى نهاية هذا الحوار الهادئ الموضوعى المنظم على مشروع شامل ومتكامل للإنقاذ والنهضة، فالمهمة العسيرة تتطلب خطة انقاذ عاجلة.. والمهمة الطويلة الأمد تستهدف نهضة مصر. ** أن يشمل هذا المشروع برنامجاً وجدولاً زمنياً وأن يحدد لكل الأطراف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والإعلامية أدواراً ومهام واضحة.. تلتزم بتنفيذها. وأحد أهداف هذه المبادرة هو استعادة الثقة المفقودة بين أغلب القوى السياسية.. فمجرد الجلوس على طاولة واحدة.. تجمع بين حمدين والعريان والبرادعى والبلتاجى وأبو الفتوح وعمرو خالد وعمرو موسى وعبد الغفور.. مع الاحتفاظ بالألقاب والمكانة الرفيعة لكل منهم سوف يخلق حالة من الحوار البناء وأعتقد أنه سوف يزيل كثيراً من سوء الفهم ويقرب بينهم ويجلى الحقائق لهم وللرأى العام معاً فنحن نريد أن يقدم إلينا هؤلاء الساسة نموذجاً واقعياً للممارسة الديمقراطية فيما بينهم.. وأن يقدموا للمواطن البسيط تجربة فعالة نشهدها جميعاً. نريدهم أن يرتفعوا فوق كل الخلافات والمزايدات والمناورات من أجل إنقاذ مصر. فالتاريخ سيحكم لهم أو عليهم.. ولن يذكر التفاصيل أو الخلفيات والكواليس.. ولم الشمل ليس مهمة المستشار محمود مكى وحده.. بل هو مهمتنا جميعاً.. خاصة الإعلاميين وقادة الرأى العام الذين يستطيعون بأسلوب هادئ وموضوعى تقريب وجهات النظر وإخماد الحرائق الإعلامية والسياسية المشتعلة فى كل مكان.. فضائياً وإلكترونياً.. وصحفياً أيضاً!! ويجب أن ندرك أن الإعلام يتحمل النصيب الأكبر من هذه المهمة «توحيد الصفوف وتصفية النفوس».. وربما كان هذا هو السبب الذى دعا نائب الرئيس الإعلاميين لهذا اللقاء ولهذه المهمة. وقد أطلق خلال الاجتماع الأول معهم (وربما يكون دورياً حسب اقتراح المستشار مكى وترحيب كل الحاضرين) دعوات لكل الأطراف للمشاركة فى الحوار حول الدستور وتقديم اقتراحاتهم المحددة لصياغته. وفى هذه القضية المصيرية «دستور مصر الجديدة» يجب أن يرتفع الجميع فوق كل الصغائر. وألا نضيِّع مصر على مذبح الخلافات السياسية والمصالح الشخصية أو التحالفات التكتيكية. فمن يرد المشاركة فعليه أن يتقدم بصياغات محددة ومكتوبة ومدروسة للمواد البديلة للدستور. فأعضاء الجمعية التأسيسية ورئيسها القاضى الجليل المستشار حسام الغريانى منفتحون على كل الآراء والتيارات. ولا يجوز أن نعارض لمجرد المعارضة أو يدعو البعض لهدم الجمعية - سياسياً أو قضائياً - ثم يعاد تشكيلها.. ثم ندخل فى حلقة مفرغة «مذمومة وقاتلة» ونضيع مزيداً من الوقت فى أخطر مراحل تاريخنا. فالمشاركة فى الدستور مفتوحة ومطلوبة من الجميع وليست حكراً على أحد. أما الإصرار على إفشال وإجهاض كل المؤسسات لأغراض سياسية أوشخصية فهو مرفوض وسوف يعود بالسلب على الجميع.. بما فيهم الداعون لذلك والمناورون به!! لم الشمل ليس القضية الوحيدة التى يضطلع بها نائب الرئيس، فإحدى مهامه - كما قال - حماية الحقوق والحريات وتطوير المنظومة التشريعية.. باعتبارها أدوات تفتح الطريق أمام عملية التحول الديمقراطى. وهذه مهام جسيمة أخرى. فقد عانت مصر - وأغلب دول العالم الثالث - من انعدام الحريات وضياع الحقوق وغياب التشريعات الدقيقة التى تعالج مشاكل البسطاء.. بل إننا شهدنا خلال العقود الماضية - وشهدت أنا شخصياً- قانوناً يتم تفصيله لصالح أحد الأشخاص خلال الثمانينيات من القرن الماضى. وكلنا يعلم ترزية القوانين البارعين فى تفصيل أى تشريع على مقاس الحاكم وزبانيته. وربما دفع هذا الرئيس «مرسى» إلى عدم استخدام حقه الدستورى فى إصدار التشريعات.. بل شكل لجنة متكاملة متخصصة تتولى هذا الملف الحيوى الذى اختفى بحل البرلمان. لذا فإننا ندعو الرئيس ونائبه إلى التأكيد على ممارسة كل أنواع الحريات.. بما فيها حرية الإعلام والصحافة.. دون إسفاف أو ابتذال أو قذف أو سب فليكن النقد موضوعياً وموثقاً.. ومحترماً فى ذات الوقت. فكلنا وطنيون ولا مبرر ولا مجال للتخوين وإثارة الفتن أوالدعوة إليها. ومشكلة البعض منا أنهم يخلطون بين خطايا الأنظمة السابقة.. ويحملونها للنظام الحالى الذى لم يبدأ صلاحياته الرسمية فعلاً إلا قبل أسابيع قليلة.. وتحديداً يوم 12 أغسطس ... حتى نكون موضوعيين ومنصفين.. فقبل ذلك التاريخ كان هناك نظامان ورأسان ورئيسان بكل أسف. فمن يريد محاسبة الرئيس حساباً عسيراً.. ونحن معه.. فليبدأ الحساب والعد التنازلى منذ هذا التاريخ، والأهم من ذلك كله أن نخلص النوايا وأن نبدأ بجد وإخلاص إنقاذ سفينة الوطن.. قبل أن نغرق جميعاً.