ما الذى يحدث فى مصر؟ هل عاد الحزب الوطنى المنحل بكامل أعضائه ليتصدر المشهد السياسى من جديد؟ هل عاد صفوت الشريف ليترأس الجلسات فى مجلس الشورى ويداعب الاعضاء بالقفشات والنكات على طريقة « الريس أبو سريع» فى اوبريت على بابا والأربعين حرامى؟.. أم أن هذا كابوس جسم على انفاسى بعد تناول العشاء الثقيل على مائدة الثورة المليئة بالطعام الكثير لكنه غير ناضج صعب الهضم!!.. نعم.. لابد أننى أفرطت فى تناول الكثير من وجبة التفاؤل المحشية بالأمل فى الحرية والرخاء، ولابد أننى شربت الكثير من المقالب وسكرت من خمر الديمقراطية المغشوشة.. خمر بطعم الطفية – طفية الثورة. هكذا أنا افرط فى تناول الوجبات السياسية الملوثة وأتجرع الكثير من كؤوس الوعود المضروبة.. وبعد أن استيقظت من غفوتى يا مصيبتاه لا يزال الكابوس جاسمًا على صدرى!! هل هذا معقول؟ استعيد كامل وعيى والكابوس مسيطر علىّ.. نعم.. إننى اتحسس رأسى الذى كاد أن ينفجر وعقلى الذى تحول إلى فوضى عارمة حتى أصبحت كالغريب فى عشوائيات الزمن الردئ.. إننى احاول الآن أن أفقأ عينىَّ « كأوديب» فى نهاية مسرحية شكسبير حتى لا أرى ما فعله بى الحلم الذى تحول إلى كابوس مظلم من الانتكاس والنكوص والرجوع آلاف الخطوات إلى الوراء.. وكأننا لم نقم بثورة ولم نتخلص من نظام الحكم الفاسد الظالم القمعى وحزبه المتسلط المزور.. وكأن التطلع إلى الحرية والعدل والأمل فى ترسيخ ديمقراطية حرمنا منها طويلاً قد تبخر الأمل سريعًا.. وكأن التخلص من حكم الفرد وديكتاتورية الحزب الواحد أصبح طلبًا بعيد المنال.. وحتى مناشدة الرجاء فى تأسيس نظام سياسى قائم على التعددية واحترام الرأى وقبول الآخر وتغليب مصلحة الوطن كل ذلك تعدى حدود الممكن!!.. كيف حدث هذا؟.. لا أدرى.. لكن الوقائع والأحداث التى مرت بى طوال استغراقى فى الحلم الجميل والذى انتهى بكابوس مرعب تلك الوقائع لا تزال عالقة بذهنى، بعد أن تحولت إلى حفر عميقة مظلمة من الجهل والرجعية وأخاديد ملتهبة بنيران التسلط والاستحواذ والتعالى والغرور. ??? لقد عاد بى الزمن إلى الوراء قبل أن أولد بعشرين عامًا ليفتح لى خزائن التاريخ والذى لم نتعلم منه شيئًا.. وكأن اليوم كالبارحة فالأحداث لم تتغير حتى الوجوه تناسخت جيلا بعد جيل.. هاهو ذا النقراشى باشا رئيس وزراء مصر فى أواخر العهد الملكى يصدر قرارًا بحل جماعة الاخوان.. والجماعة تتبرأ من قتلة القاضى « الخازندار» وهاهو ذا الشيخ حسن البنا يتبرأ من قتلة النقراشى وهاهو ذا إبراهيم باشا عبد الهادى يتبرأ من قتل الشيخ حسن البنا.. يا الله على هذا المسلسل المرعب. أقول لنفسى لا.. هذا كان فى الماضى ولا يمكن أن تتكرر هذه الأحداث المؤلمة والعذابات المهلكة..ثم يأتى التاريخ ليصفعنى بقوة.. الجماعة تنقلب على ثورة يوليو وعلى جمال عبد الناصر.. ماذا يريد هؤلاء؟ يجيبنى التاريخ بسرعة وبغضب: إنهم يريدون ركوب الثورة وسرقة الدولة!!.. قلت هكذا بكل بساطة؟ صفعنى التاريخ مرة أخرى نعم ويجب أن تتعلم منى!! وبعد أن وجدت طريقى فى التعلم وجدت جماعة الاخوان تكرر نفس الخطأ فيحاولون اغتيال جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية، بعد أن كلفوا أحد عناصرهم فى التنظيم السرى الإرهابى الخاص وهو شاب يدعى محمود عبد اللطيف والذى فشل فى اغتيال الزعيم عبد الناصر بعد أن أطلق عليه ثمانى رصاصات من مسافة قريبة لكنه لم يحسن التصويب كعادة الإخوان فى الأمور السياسية.. وينجو جمال عبد الناصر، من حقد الجماعة الدفين ويأمر بحل الإخوان وغلق مقراتهم واعتقال رموزهم ومحاكمة قادتهم وإعدامهم.. لقد أخطأت الجماعة فى حق ثورة يوليو وقادتها وكان الرد قاسيًا بل مفرطا فى القسوة حتى ظن الناس فى مصر أن جماعة الإخوان قد سحقت وانقرضت.. ويأتى الرئيس السادات ويعيد للجماعة بعضا مما فقدوه ويأمر بفتح مقرهم الرئيسى ويسمح لهم بممارسة دور سياسى محدود.. لكنهم – أى الإخوان – لم يستوعبوا الدرس فبعد أن ادعوا أنهم نبذوا العنف واختاروا العمل السياسى السلمى كوسيلة لتحقيق أهدافهم فى الوصول إلى سدة الحكم.. إلا أن بعض الشباب تخلوا عن الإخوان وأسسوا جماعات جهادية إرهابية كان من الممكن للإخوان لو ارادوا أو صدقت نواياهم لأعادوهم الى رشدهم لكن وللمرة الثالثة يقع الإخوان فى نفس الخطأ ويغتال الرئيس السادات من قبل جماعة إرهابية انشقت عن الإخوان وكالعادة تبرأت الجماعة من جريمة القتل ووصفوها بالخسيسة!!. ويأتى حسنى مبارك ويهادن الإخوان رغبة فى استخدامهم كفزاعة للبقاء فى الحكم رغم أنه – أى الرئيس المخلوع – عندما صرح لأمريكا والغرب أن الإخوان قادمون إذا ترك هو السلطة.. ونجحت الفكرة الخبيثة لبعض الوقت وظل المخلوع فى الحكم الاستبدادى الفاسد المتوحش ثلاثين عامًا تدهورت فيها أحوال البلاد والعباد.. والغريب والمؤلم فى نفس الوقت أن جماعة الإخوان لم تؤسس لأى مشروع وطنى أو اصلاح سياسى. وإنما شرعوا فى طريقهم المعهود وهو مصلحة الجماعة ومهادنة مبارك ونظامه مقابل تواجدهم بعدد من الأعضاء يتصاعد مرة ويهبط عدة مرات وكانت آخر مرة حصلت فيها جماعة الاخوان على أكثر من 80 عضوًا فى مجلس الشعب قبل سبع سنوات من الآن فى تلك المرة اراد المخلوع أن يثبت للغرب وأمريكا بطريقة عملية أن الإخوان قادمون إذا هو – أى مبارك – ترك الحكم ومرة أخرى تنجح الفكرة ويستمر النظام الفاسد فى حكم البلاد ولكن بطريقة جديدة وهى التعاون مع الإخوان بدلاً من استخدامهم، خاصة بعد ظهور مشروع التوريث للغلام المبتسر.. إلا أن الوريث وعصابته الذين لم يقرأوا التاريخ ويفتقدون الخبرة والحنكة السياسية قاموا باستبدال معظم قيادات الحزب البائد واستبعاد الحرس القديم من المخضرمين والمدربين فى ساحات السيرك السياسى للحزب البائد فعم الفساد والظلم كل أرجاء البلاد من أقصاها إلى أقصاها مما ساعد على ظهور النتات الثورية الخضراء التى اشتد عودها بسرعة وأصبح صلبًا يستعصى على الكسر وتعانقت أغصان الثورة وامتدت لتغطى كل شبر فى أرض مصر. ??? وكانت الثورة فى 25 يناير.. وكالعادة انتظرت جماعة الإخوان وظلت على صيامها السياسى وتخاذلها الوطنى واكتفت بالمراقبة من بعيد ولم تلب نداء الثوار الذين طالبوهم فى بداية الأمر بالاشتراك فى المظاهرات السلمية والتى حددوا موعدها فى 25 يناير.. إلا أن الإخوان رفضوا النزول إلى الميدان وأعلنوا عن ذلك بكل صراحة، بل إن اذنابهم من السلفيين كفّروا الثوار ولعنوهم وأعلنوا البيعة لمبارك ونظامه وتعددت الفتاوى من عينة لا يجوز الخروج على الحاكم الظالم!! وأن من يشق عصا الطاعة يستحل دمه!! هكذا كان حال الإخوان والسلفيين، عندما بدأت الثورة الطاهرة النقية وتلاحقت الأحداث وتفجرت الدماء وسقط الشهداء وأصبح نظام مبارك فى مهب الريح.. وكالعادة عندما تبين للإخوان الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر الثورة « سال لعابهم « وكأن مصر هى الفريسة التى انتظروها طويلاً بعد جوع سياسى مرير فانقضوا على الثورة وركبوا حصانها الجامح واستطاعوا فى أيام قليلة أن يستجمعوا كيدهم ويأتوا صفًا واحدًا – فقد أفلح اليوم من استعلى – بعد أن انضم اليهم اذنابهم من السلفيين الذين أرادوا بدورهم الحصول على نصيب من الفريسة التى تقاسموها بينهم.. لهم السلطة التشريعية بشقيها الشعب والشورى والرئاسة الثالثة الأخرى!! تلك قسمة ضيزى.. حتى القضاء لم يسلم من محاولات الافتراس والفتك لولا عناية الله والمجلس العسكرى وأعضاؤه الأبطال الذين كانوا الصخرة القوية التى كانت ولا تزال الحائل والسد المنيع دون سيطرة الإخوان وأذنابهم على كل السلطات فى مصر المحروسة بإذن الله من عبث واستخفاف جماعات الإسلام السياسى. أيها السادة هذه هى حكاية ركوب الثورة واختطاف الدولة.. فهل نترك مصر فريسة سهلة لغرور وتطلعات الجماعة ولأذنابهم من جماعات الإسلام السياسى يقطعون أوصالها كيفما شاءوا؟! وهل تعلّم الإخوان الدرس عبر تاريخهم الملطخ بالدماء؟ أم أن سواد السريرة وغلظة القلب وشهوة الانتقام قد أعمت أبصارهم فأصبحوا لا يرون إلا انفسهم.. أما نحن فلا نرى منهم إلا استنساخًا للنظام البائد بكل أركانه فى مجلسى الشعب والشورى وفى محاولات اغتيال القضاء والسيطرة على الصحافة القومية وتهميش وتقزيم الأحزاب السياسية.. فهل نحن مقبلون على استنساخ حقيقى لرموز النظام البائد وحزبه المأفون؟.. هل نحن أمام استنساخ لصفوت الشريف جديد؟ هل نحن أمام مشروع لإنتاج فتحى سرور آخر وأحمد عز وعاطف عبيد ومحمد إبراهيم سليمان هل نحن أمام استنساخ مبارك جديد؟.. الحقيقة العلمية تقول إن عمر المستنسخ قصير جدًا، لأنه فقط يكمل عمر الخلايا التى استنسخ منها.