عانى الشيخ إمام عيسى، الذى حلت ذكراه السابعة عشرة فى السابع من يونيو الجاري، منذ طفولته الفقر والمرض، حيث ولد فى قرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة لأسرة فقيرة، وكان أول من يعيش لها من الذكور حيث مات منهم قبله سبعة ثم تلاه أخ وأخت. وأصيب فى السنة الأولى من عمره بالرمد الحبيبى وفقد بصره بسبب الجهل واستعمال الوصفات البلدية فى علاج عينه، فقضى إمام طفولته فى حفظ القرآن الكريم وكانت له ذاكرة قوية. وكان والده يحلم بأن يكون ابنه شيخاً كبيراً، لكنه كان قاسياً فى معاملته، أما والدته فكانت النبع الذى ارتوى منه بالحنان فى طفولته. فى إحدى زياراته لحى الغورية قابل مجموعة من أهالى قريته فأقام معهم وامتهن الإنشاد وتلاوة القرآن الكريم، وكسائر أحداث حياته التى شكلتها الصدفة التقى الشيخ إمام بالشيخ درويش الحريرى أحد كبار علماء الموسيقى، وأعجب به الشيخ الحريرى بمجرد سماع صوته، وتولى تعليمه الموسيقى. واصطحب الشيخ الحريرى تلميذه فى جلسات الإنشاد والطرب، فذاع صيته وتعرف على كبار المطربين والمقرئين، أمثال زكريا أحمد والشيخ محمود صبح، وبدأت حياة الشيخ فى التحسن. وفى منتصف الثلاثينيات كان الشيخ إمام قد تعرف على الشيخ زكريا أحمد عن طريق الشيخ درويش الحريري، فلزمه واستعان به الشيخ زكريا فى حفظ الألحان الجديدة واكتشاف نقط الضعف بها، حيث كان زكريا أحمد ملولا، لا يحب الحفظ فاستمر معه إمام طويلا، وكان يحفظ ألحانه لأم كلثوم قبل أن تغنيها، وكان إمام يفاخر بهذا. حتى إن ألحان زكريا أحمد لأم كلثوم بدأت تتسرب للناس قبل أن تغنيها أم كلثوم، مثل «أهل الهوى» و«أنا فى انتظارك» و «آه من لقاك فى أول يوم» و«الأولة فى الغرام»، فقرر الشيخ زكريا الاستغناء عن الشيخ إمام. كان لهذه الواقعة أثر فى تحويل دفة حياة الشيخ إمام مرة أخرى عندما قرر تعلم العزف على العود، وبالفعل تعلم على يد كامل الحمصانى، وبدأ الشيخ إمام يفكر فى التلحين حتى إنه ألف كلمات ولحنها وبدأ يبتعد عن قراءة القرآن وتحول لمغن واستبدل ملابسه الأزهرية بملابس مدنية. وفى عام 1962 التقى الشيخ إمام بالفاجومى الشاعر أحمد فؤاد نجم، ليصل الشيخ إلى أهم محطاته عام 62 ويبدأ فى تلحين وغناء كلمات الشاعر الثائر، بعد أن ضما إليهما عازف الإيقاع محمد على، ليتفجر مخزون العشق للوطن بين الثنائى ليقدما العديد من الأغانى. وبعد تولى الرئيس السادات بقيا يعارضاه، ويقضيان فى السجن أكثر من خارجه، حتى خرج الشيخ امام بعد حادثة المنصة الشهيرة، ولكنه آثر العزلة وبقى فى بيته فى حوش قدم فى حى الغورية إلى أن توفى فى منتصف التسعينيات. رحل الشيخ إمام وبقيت ألحانه وأغانيه، لدرجة أنه كان المطرب الرسمى فى ثورة يناير.