تذكرت يوم الحشر العظيم عندما قرأت خبر وصول عدد سكان كوكب الأرض إلى سبعة مليارات نسمة بمولد «دانيكا» الفلبينية لتمثل رمزيا تمام العدد. فما بالكم بحقيقة الرقم الذى عاش على سطحها منذ بدء الخليقة ونزول آدم عليه السلام وحواء وهو مازال فى زيادة وبالتالى قد يصل إلى مئات المليارات.. ولكن الكل ذهب إلى باطنها فى انتظار الخروج ليوم لا يعلمه إلا الله.. وهل العقل سيستوعب المشهد المفزع من هذا الرقم عندما يخرجون من الأجداث إلى ربهم ينسلون على أرض المحشر( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ).. إبراهيم 28. والمشهد يتكرر أمامنا كل عام فى تجسيد مصغر فى الحج إلى بيت الله العتيق الركن الخامس من أركان الإسلام ويعنى فى اللغة الخروج ويقصد الخروج من الدنيا إلى رحاب الله ومن عبودية الأسباب إلى عبودية رب الأسباب. ويبدأ المعز المذل فى سورة الحج بمشهد يوم القيامة ويقول( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ (..وحكمة الخالق تتجلى فى أنه جعل الحج تذكيراً للناس بيوم القيامة.. وحكمته أيضاً فى اختيار هذه العبادة ليجعلها ركنا أساسيا فى الإسلام ومطلوبة مرة واحدة فى العمر لمن استطاع لها سبيلا لأن الفائدة تعود على الأمة كلها سواء الحاج أو من لم يستطع، والحج ينبه الأمة ويوقظها من سباتها ويذكر المرء أنه محاسب لا محال «إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد» لأنهم نسوا الحساب. ونقاط التشابه والتلاقى بين يوم الحشر والحج كثيرة فالحاج قبل سفره يجمع أهله ويوصيهم ويعتذر لمن أساء إليه كأنه يستعد لملاقاة الله، وملابسه تشبه «الكفن».. والكل يلبى النداء كما جاء فى القرآن الكريم:( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا )طه: 108 ويخرجون من الأجداث ويستيقظون من قبورهم بعد فناء الدنيا والجبال صارت كالعهن المنفوش وطويت السماء.. ونشاهد الفقير يقف بجوار الغنى والأسود مع الأبيض شبه عراة.. ويوم الرجفة الملوك تتلاصق مع الخدم ويحشرون، كما ولدتهم أمهاتهم لا فرق بينهم إلا من أتى بعمل صالح وقلب سليم.. ويقف الحجيج على عرفة تحت وطأة الشمس وحرارة الجو يتضرعون بالدعاء خوفا وطمعا فى رحمة الله وفى كل مناسكهم يطلبون العفو والمغفرة.. ويوم القيامة تشرق الأرض بنور ربها والكل فى انتظار الحساب يرتجفون ويرتعدون ويطلبون العفو والشمس تدنو فوق الرؤوس فى يوم قد يكون مقداره خمسين ألف عام ويسأل العبد نفسه هل كنت صادقا مع النفس أم كنت كاذبا وهل كنت حسن الخلق أم عديم الخلق..؟ والناس فى الحج واقفون جميعا حاشدين فى مكان واحد وزمن واحد وهكذا يحشرون جميعا يوم القيامة وزوار بيت الله يزورون المسجد النبوى ويتمنون أن يجمعهم الله مع الحبيب صلى الله عليه وسلم فى الجنة ويصلون فى الروضة الشريفة وهى من رياض الجنة لأنهم يوم القيامة يسارعون إلى كل الأنبياء للشفاعة فيلجأون إلى النبى الخاتم حبيب الرحمن فيلجأ إلى الله ويقول المولى له: «سل تعط واشفع تشفع». نعم تعيش الأمة هذه الأيام معانى سامية تحياها فى رحاب الله حيث الدموع تنهمر خشوعا وتضرعا من تجليات الموقف أمام الكعبة ويوم القيامة البكاء لا ينقطع خوفا وخشية من المصير الذى ينتظره فإما إلى جنة ينعم فيها وإما نار يعذب فيها ولا يرحم.