يسأل البعض: لماذ لا تعيش أفلام المضحكين الجدد لأبعد من الموسم السينمائى الذى عُرضت فيه؟.. الإجابة ببساطة هى أنها أفلام لا تعتمد إلاّ على بريق النجم وحضوره وقدرته على أن يقدم الشويتين بتوعه للجمهور، ولكن الكوميديا فى الفيلم الأمريكى تعتمد بالدرجة الأولى على الأفكار حتى لو كانت بسيطة بالإضافة إلى السيناريو الجيد رغم وجود بعض الملاحظات هنا أو هناك ثم يأتى بعد ذلك دور النجم الذى قد يكون مصنّفًا كممثل كوميدى «مثل جيم كارى» و غير مصنف مثل توم هانكس الذى قدم أدواراً مهمة كثيرة بعيداً عن الكوميديا ولكن عندما يقدم الاثنان فيلما كوميديا جديداً فإنهما يبحثان عن الجديد والمختلف. يقوم فيلم «Larry crowne» الذى قام ببطولته وأخرجه واشترك فى كتابته النجم توم هانكس على فكرة بسيطة للغاية: رجل بسيط فى منتصف العمر يجد نفسه عاطلاً من العمل بسبب عدم حصوله على مؤهل جامعى، فيقرر أن يستكمل دراسته ويفوز بالشهادة ومدرسته الحسناء معاً، وعلى قدر بساطة الفكرة جاءت المعالجة أيضاً بسيطة وخفيفة وكوميدية ولكنها أيضاً ليست سطحية وتافهة. الجميل أن طرفى اللعبة هما «توم هانكس» بحضوره وخفة ظله و«جوليا روبرتس» بموهبتها وبساطتها ودرجة القبول العالية التى تتمتع بها، ربما كان السيناريو فى حاجة إلى عين أكثر خبرة من «هانكس» و«نيارفاردا لوس» لتعميق الحكاية والشخصيات ولابتكار المواقف الكوميدية سواء بين البطلين أو فى حياة كل منهما، ولكن النتيجة النهائية لم تكن رديئة وأصبح لدينا فيلم خفيف مسل يقول أشياء كثيرة عن العلم والعمل. «لارى كراوبة» الذى يحمل الفيلم اسمه هو بطلنا الذى يعمل بجد وإخلاص فى أحد محلاّت السوبر ماركت العملاقة، شخص دءوب للغاية، كان يتوقع أن يحصل على لقب موظف الشهر لإخلاصه فى العمل ولكنه وجد نفسه مفصولاً لأن فرصته فى الترقى معدومة نتيجة عدم حصوله على مؤهل عال يجد نفسه فى ورطة حيث لا يوجد عمل بديل، كما أنه اقترض من البنك أموالاً لامتلاك منزل صغير، فجأة يقترح عليه جاره لامار أن يلتحق بالجامعة، ومن خلال وكيل الجامعة لشئون الطلاب، يقرر «لارى» أن يحصل على دراسة متخصصة فى الاقتصاد والخطابة لتتغير حياته بعد ذلك تماماً. فمن خلال زملاء الدراسة الشباب وخاصة الجميلة السمراء تاليا يعيش حياة منطلقة مع راكبى الموتوسيكلات، يتغير شكله ومظهره، ومن خلال مدّرسته الحسناء مرسيدس تينوت «جولياروبرتس» يتعلم مع آخرين فن الخطابة بعد مفارقات شديدة الظرف والطرافة هى أيضاً تبدو وكأنها تبحث عن حياة جديدة بعيدا عن زوج احترف الكتابة، ولكنه كسول يقضى وقته فى متابعة المواقع الإباحية، وأثناء الدراسة يعود لارى إلى عمله الأصلى كطباخ حيث يعمل فى أحد المطاعم وينجح من خلال دراسته فى فهم أساليب التعامل مع البنك، وينتهى الفيلم بحياة جديدة للبطل المكافح، كما يفوز أيضاً بقلب الأستاذة الحسناء. الفيلم أمريكى جداً من زاوية أنه لا يشجع على العلم منفصلاً عن العمل، بل يجعل البطل يدرس ويعمل معاً، كما أنه متعاطف بشدة مع الذين يفقدون عملهم بسبب الشهادة ليس إلاّ أى أننا أيضاً أمام موقف براجماتى يرفع شعار «العلم والعمل» فى خدمة الحياة، كانت المشكلة الواضحة أيضاً فى عدم بناء قصة الحب بين لارى ومرسيدس بشكل جيد لدرجة أنهما لم يلتقيا خارج الفصل إلا فى عدد محدودة من المشاهد السريعة، كما بدت شخصية مرسيدس تاهئة نوعاً ما ولكن بالمقابل كانت هناك مشاهد كثيرة كوميدية تضحك من الأعماق وخاصة مشاهد الفصل الدراسى والتدريب على الخطابة أو تعلم الاقتصاد. البطريق والوجه الحسن أما فيلم «Mr popper,s Penguins» أو كما عُرض تجارياً تحت اسم.. بطاريق الأستاذ «بوبر» فيُعدّ نموذجاً لأفلام التسلية التى لا تتنازل أيضاً عن طرح أفكار تتسق مع القيم التى يعتبرونها أمريكية مثل أهمية دور العائلة جنبا إلى جنب مع قيمة النجاح فى العمل، ويلعب بطل الفيلم النجم جيم كارى بحضوره الفائق دوراً كبيراً فى نجاح هذا المزيج الذى يعتمد على الخيال، والقدرة على بناء كوميديا الموقف،ولا أعتقد أن هناك فناً يستطيع أن يجسد الخيال مثلما تفعل السينما. الفكرة بسيطة ولكن لامعة جداً ماذا لو ورثت فجأة ستة من طيور البطريق وخاصة تلك النوعية التى تنتمى إلى فصيلة الجانتو التى تألف الانسان وتتبعه فى كل مكان؟. كيف يمكن أن تتأثر حياتك أو تتغير؟.. وكيف يمكن أن تتعلم من عالم الطيور مثلما تتعلم من الحياة؟. بطلنا.. توماس بوبر «جيم كارى» يعمل مندوباً فى شركة ضخمة لشراء العقارات القديمة وهدمها لبناء أبراج سكنية، يمتلك قدرة عظيمة على إقناع أصحاب العقارات بالبيع، انفصل بعد زواج لمدة 15 سنة عن زوجته آماندا.. «كارلا جيورجينيو» ولكنه يحتفظ بعلاقة رائعة معها لأنها أم لابنته المراهقة ولابنه الصغير، والده عاشق للسفر طاف العالم على سفينة، وفى أيامه الأخيرة ترك لابنه صندوقاً به طائر واحد من طيور البطريق الجميلة. للوهلة الأولى، يقرّر الابن أن يتخلص من الهدية خاصة أن الطائر أثار الفوضى فى الشقة، اتصل بصديق الأب طالباً منه أخذ الهدية، ولكنه فوجىء بصندوق آخر يمثل بقية الهدية عبارة عن خمسة بطاريق أخرى، ورغم أنه نجح أخيرا فى الاتصال بحديقة حيوانات نيويورك لأخذ البطاريق فإنه يضطر للاحتفاظ بها فى شقته بعد أن اعتقد طفله الصغير أنها هدية أحضرها والده، ومع تشابك الأحداث يتآلف الأب والابنة والابن مع الضيوف الجدد، يطلقون عليهم الأسماء، وتتحول الشقة إلى ساحة للجليد لتناسب حياة البطريق، ويصطحبونها إلى المناطق المفتوحة وسط دهشة سكان نيويورك، ويتعلم بوبر من البطاريق مدى تمسكها بالعائلة، ويكتشف أن والده أرسله له فى وصيته الأخيرة تكفيراً عن تركه للعائلة فى رحلاتّ حول العالم، وهكذا يستعيد بوبر حياته مع مطلقته، ويستعيد البطاريق وينقلهم إلى العالم الذى جاءوا منه إلى عائلته الأصلية، وتتحقق نهاية هوليُودية سعيدة تجمع بين الجليد والبطريق والوجه الحسن ، وهى الزوجة الجميلة العائدة آماندا. كوميديا جميلة تناسب كل الأعمار، ومشاهد رسمت ببراعة خاصة تلك التى تتحرك فيها البطاريق مع البشر باستخدام الكمبيوتر جرافيك ولعل أحد أمتع مشاهد الفيلم عندما تهدأ البطاريق كلها. شاهدت فيلما لشارلى شابلن لأنه يبدو كبطريق أثناء المشى ولكن الضحك لا يسحق الفكرة أبداً والتى تؤكد بوضوح أهمية العائلة والعلاقات الإنسانية فى زمن المادة.