حكاية من تراثنا الغنىّ بالدروس والعبر.. أبطالها ثلاثة: امرأة ورجلان، المرأة هى زوجة مَعْن بن زائدة الشّيْبانى.. أحد الذين عاصروا الدولة الأموية ثم أيّد العبّاسيين وانضم إليهم، وأصبح من قوادهم وولاتهم ت 151 ه ، وهذا هو الرجل الأول، الرجل الثانى هو يزيدُ بن مَزْيَد الشّيْبانى ت 185 ه ابنُ أخى معن ، واحد من أبرز قوّاد العباسيّين الذين دافعوا عن دولتهم ضدّ أعدائها، خاصّةً الثائرين عليها من الداخل. جاء فى (وفيات الأعيان) لابن خََلِّكان أنّ عمّه معنَ بنَ زائدة كان يقدِّمه على أولاده ، فعاتبتْه امرأتُه فى ذلك وقالت له: كم تقدم يزيدَ ابنَ أخيك وتؤخر بَنيكَ! ولو قدمتَهم لتقدموا، ولو رفعتَهم لارتفعوا . فقال لها : إن يزيدَ قريب مني وله علىَّ حق الولدِ، إذْ كنتُ عمَّه ، وبعدُ فإنّ بنيَّ ألْوَط بقلبي [أي أكثر قربًا] وأدنى من نفسي ، ولكني لا أجد عندهم من الغَناء [الكفاية وحسن التقدير] ما عنده ، ولو كان ما يضطلع به يزيدُ في بعيدٍ لصار قريبًا ، أو عدوٍّ لصار حبيبًا، [ويبدو أن الزوجة لم تكن مستعدة – بحكم الأمومة – لقبول هذا الرأي والتسليم بأفضليَّة يزبد – ابن الأخ - على الأبناء الذين هم من صلب هذا الرجل] . قال مَعنْ : سأُريكِ فى هذه الليلة ما تبسُطين به عذرى، يا غلام اذهب فادعُ جسّاسًا وزائدةَ وعبدَ الله وفلانًا وفلانًا ، حتى أتى على جميع أولاده. فلم يلبَثوا أن جاءوا فى الغلائل المطيَّبة [الثياب الرقيقة الفاخرة] والنعال السندسيّة، وذلك بعد هَدْأةٍ من الليلِ، فسلّموا وجلسوا، ثم قال معن: يا غلام ادعُ يزيدَ ، فلم يلبثْ أن دخل يزيدُ عجِلا وعليه سلاحُه ، فوضع رُمحَه بباب المجلس ثم دخل ، فقال له مَعْن: ما هذه الهيئةُ يا أبا الزبير[يقصد ما عليه من السلاح] ؟ فقال : جاءنى رسول الأمير [فى هذا الوقت] فسبق وهمى إلى أنه يريدُنى لأمر مُهمّ ، فلبِستُ سلاحي وقلتُ إن كان الأمر كذلك مضيتُ ولم أُعرِّجْ [أى لم أتأخرْ] وإن كان الأمر على غير ذلك فنزْعُ هذه الآلةِ [يقصد السلاح] عنى من أيسر شىء ، فقال مَعْن [وقد نظر إلى زوجته] : انصرفوا فى حفظ الله. فلما خرجوا قالت زوجته [وقد سلَّمت بصواب رأيِه فى تقديم يزيد] قد تبين لى الآن عُذرُكَ.