صلات وروابط عدة تجمعنى ب «أكتوبر» المجلة. كانت المطبوعة التى انطلقت بعد أول نصر عربى فى التاريخ المعاصر، تحمل اسمه عنوانا، وكان جيلى يتطلع بحب لكل ما يمجد النصر، فكنا نثق أنه البوابة نحو مستقبل مشرق، لكن المياه انحدرت ثم انحرف المجرى، وكان ذلك شأن أشياء عديدة ارتبطت بمعنى أكتوبر غير أن تلك قصة أخرى. «أكتوبر» المجلة كانت المطبوعة الأولى التى فتحت أبوابها أمامى، فقد كان مدير تحريرها حين التحقت بكلية الإعلام - منتصف سبعينيات القرن الماضى - المرحوم عادل البلك، وكان وأحد أخوالى قد تتلمذا بالجامعة على يد مؤسسها الأستاذ أنيس منصور، وبينما مضت سبل الحياة بالصديقين فى طريقين، إلا أن الصداقة بينهما دامت، ومن بوابتها عرفت طريقى إلى مكتب عادل البلك فى مجلة أكتوبر، غير أن القدر شاء ألا أكون من أبنائها، وهذه أيضاً حكاية لها ملابساتها. لكن شاء الله أن أقترب من أكتوبر فى الغربة. *** كانت الدوحة تشهد الإعداد لإطلاق صحيفة «الخليج اليوم» واستعان أصحاب المشروع - كالمعتاد - بالخبرة المصرية، وكانت القوة الضاربة من «الأخبار» التى أنتمى إليها، ولكن إلى جانب أبناء مؤسستى، كان هناك زملاء من مؤسسات أخرى بينها أكتوبر شرفنا بالعمل جنبا إلى جنب. فى الدوحة كان لقائى الأول بالزميل محسن حسنين والراحل مصطفى البرى وسرعان ما تحولت الزمالة إلى صداقة، ثم أخوة دامت أواصرها منذ ثمانينيات القرن الماضى، وحتى اليوم وغدا وبعد غد إن شاء الله. ثم جمعتنى مسيرة الحياة، ومواقع العمل خارج الأخبار بزملاء ضمن كتيبة أكتوبر وكانت العلاقة ببعضهم تعود إلى مقاعد الدراسة، تتباعد اللقاءات حتى تسنح الظروف، لكن حين يتم اللقاء نتواصل وكأننا كنا معا حتى الأمس. التقيت - أيضاً - بالعديد من أبناء أكتوبر الذين ساهموا فى نجاح مشروعات صحفية على أرض الوطن، يدا بيد اجتهدنا حيثما التقينا، وأثمر التعاون صحفاً قامت على أكتاف المؤسسات القومية، وخلال ذلك أكدت أكتوبر أنها أصبحت مدرسة لها ملامحها المميزة، أغنت شارع الصحافة بأكثر من جيل، بعد أن انطلقت بسواعد أغلبها من المدرسة الأم «أخبار اليوم». الأسماء كثيرة والمواقع والمواقف متعددة، والإشارة لنماذج تعنى إغفالا - غير مقصود بالطبع - لحق زميل قديم أو صديق عزيز بفعل عوامل التعرية التى أصابت الذاكرة، إلا أن مكان الجميع محفوظ فى القلب. *** عبر كل هذه المراحل كنت أتابع المجلة مرات كقارئ، وأحياناً كصحفى محترف، غير أن بعض الأصدقاء كان يطلب منى أن ألعب دور الناقد لما يكتب، وكان الصديق العزيز محسن حسنين بين من طلبوا أن أكون قارئا ناقدا ولم يكن لى إلا أن ألبى. .. وتمضى الأيام، ويواصل قطار العمر مساره و.... و.... كان حال أكتوبر شأن كل أحوال مصر - تتقدم وتتراجع، وتؤثر وتتأثر و.... و.... وفى المحصلة الأخيرة يتوافق خطها البيانى مع حال المجتمع الذى شهد بزوغها منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهى تحمل عنوانا دائما لانتصار استقر فى وجدان كل مصرى، غير أن هناك من سعى لاختطافه، ثم اختطاف مصر بأكملها، وتجريف كل شىء فيها، ولم تكن صحافتها القومية استثناء! من وسط ما تصوره الواهمون ركاما أو رمادا هب المارد.. خرج شباب مصر أبناء وأحفاد صُناع نصر أكتوبر، ليصنعوا نصرا جديدا، ثورة على الفساد والظلم والاستبداد، ثورة 25 يناير التى التقت حولها القلوب والأرواح فى كل أرجاء مصر، ثم ساندها الجيش الذى صنع أكتوبر 73 مؤيدا حق كل المصريين فى مطالبهم المشروعة. *** كان تطهير شارع الصحافة خاصة، والإعلام عموما، وعودته ليكون تعبيرا عن نبض وطموحات الشعب، وليس مجرد أبواق لرجل واحد ونظامه وحاشيته الفاسدة، كان هذا التطهير مطلبا لكل مصرى، عانى من تجريف العقل، ومسخ الروح عبر آليات التزييف والتسطيح والتلاعب و.... ولم يكن مقبولا أن تستمر صحافة مصر أسيرة أو أن يظل شرفاء الصحفيين مهمشين، بعد أن أطاحت الثورة برأس النظام وأذنابه من رموز الفساد، ولم يكن معقولا أن يبقى على مقاعدهم من «طبلوا» و«زمروا» ورقصوا «الاستربتيز» ليتصدر المشهد فى شارع الصحافة، يواصلون احتكار التعبير أو بدقة التزييف، ويرتدون ثياب الأسود بعد أن لبسوا طويلاً أزياء المهرجين التى تُعرى أكثر مما تستر! أخيرا رحل من كان ينبغى أن يرحلوا منذ زمن بعيد، غادر الساحة معظم من ساندوا - بفجاجة وغباء - نظام تهاوى، وكان لا بد أن يسقطوا معه، ثم كان بين من تسلموا الراية أصحاب مواقف ورؤية من خلالها يستطيعون التعبير الصادق الصحيح عن مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير وإن كانت الطموحات والآمال - بكل تأكيد- أبعد بكثير مما نشهده على الأرض! على أى حال أصبح على من تولى مسئولية تحرير صحف مصر القومية - وإلى جانبهم القوى المؤيدة للثورة وصاحبة المصلحة فى نجاحها - أن يعووا أن شرعيتهم مستمدة من ميدان التحرير، ومن ثم فإن مهمتهم التعبير عن الثورة التى اندلعت شرارتها الأولى من الموقع المفعم برموز ومعان عميقة تضرب بجذورها فى تاريخ مصر، ولا بد أن تتلاقى مع أشرف ثورة شعبية عرفتها المحروسة. وسط هذا الزخم، نقترب من أكتوبر المجلة. محسن حسنين والذين معه يحملون مسئولية مضاعفة، فالمجلة التى انطلقت بعد نصر أكتوبر لتعكس روحه أصبحت الآن مطالبة بمهمة مزدوجة: * أن تستعيد روح أكتوبر 73 التى سُرقت من مصر ومن المجلة. * أن تترجم تطلعات ثورة 25 يناير التى تحتاج للدعم وربما الإنقاذ. ولعل الطريق باتجاه إنجاز بهذا الحجم لا يكون إلا عبر دمج المهمتين على طريقة (2×1) ليصبح التحدى الذى لا بديل له - أو عنه - وحتى تكون أكتوبر ما بعد الثورة تجسيدا بالمعنى والمبنى للروح التى سرت فى جسد مصر قبل أكثر من 37 عاما، ثم اشتعلت ثورة 25 يناير لتكون الرافعة القوية والرافد العميق الذى يطهر مياه النهر، ويجددها بعد أن أصابه التلوث والركود. الآن حانت لحظة الالتحام بين روح النصر وإلهام الثورة.