مازلنا نتكلم عن تنظيم العمل الإعلامى فى مصر وماصاحب هذا من إجراءات تم اتخاذها بشأن القنوات الفضائية لمخالفتها ميثاق العمل الإعلامى وأيضا ضرورة حصول القنوات الأجنبية على تصريح للبث المباشر للأحداث وهذه ضرورة تأخرت، وفى الوقت نفسه وضع الجهاز القومى للاتصالات ضوابط جديدة للرقابة على خدمة رسائل لمحمول المجمعة، حيث اشترط حصول الشركات التى تمارس هذا النشاط على موافقة الجهات المعنية قبل توجيه الرسائل، وذلك منعا لاستخدامها فى أغراض دعائية أو دينية تثير التوتر الطائفى. السرعة التى اتخذت بها هذه الاجراءات وفى فترة زمنية قصيرة، أثارت مخاوف داخل وخارج مصر من تقليص هامش الحريات التى يحظى بها الإعلام، واعتبر البعض هذه المخاوف حقيقة غير قابلة للنقاش أو التوقعات، فلا حرية من دون ضوابط ومواثيق للشرف الإعلامى تضمن عدم المساس بالأديان وإثارة النعرات الطائفية والالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية للأداء الاعلامى، وأكد المدافعون عدم التراجع عن حرية الإعلامى. فقد حدث تطور كبير فى النظام الإعلامى المصرى من حيث الكم والنوع وتعدد الخطابات المقدمة، حيث تصدر يوميا 21 صحيفة، ونحو 500 مجلة وصحيفة أسبوعية وشهرية، وتبث عبر «النايل سات» 54 قناة تليفزيونية مصرية منها 31 قناة خاصة، علاوة على مئات المواقع الإعلامية والصحف الالكترونية، وآلاف المدونات ومجموعات الفيس بوك والإشكالية هنا أن هذا التطور الإعلامى لم يواكبه تطور تشريعى ومؤسسى وقانونى مماثل ينظم الأداء الإعلامى حريته واستقلاله وحق المجتمع وحقوق الإعلاميين، ونعثر محاولة إصدار قانون موحد للبث الإذاعى والتليفزيونى، وبالتالى استمرت القوانين القديمة التى تنتمى إلى الستينات والسبعينات عاجزة عن احتواء الأداء التعددى الصاخب للفضائيات. والصحف الخاصة ومواقع الانترنت، التى عملت من دون مواثيق شرف إعلامى ومن دون ضوابط تنظيم عمل هؤلاء أو قوانين يتم اللجوء إليها فى حال التجاوز وما أكثر التجاوزات ومن هنا كلل تعامل الفضائيات الخاصة وحتى الأزمة الأخيرة وقرارات الإيقاف مع هيئة الاستثمار ومع مدينة الانتاج الإعلامى و «النايل سات» وفق نظم بيروقراطية لا تتفهم طبيعة العمل الإعلامى وإشكالياته، وتطبق بطريقة انتقالية وموسمية، حتى أن كثيرين من خبراء الإعلام تساءلوا وبحق عن أسباب التأخير لسنوات عن إيقاف أو إنذار القنوات المخالفة. وعلى الرغم من اتساع قاعدة النظام الإعلامى، وتنوع خطاباته إلا أنه يعانى من أزمة هيكلية، تتجاوز دوره فى الاستحقاق الانتخابى المقبل، وتهدد قدرته على التجدد والعمل وفق معايير مهنية وأخلاقية مرضية، تكفل حق الجمهور فى المعرفة والفهم، ولعل أبرز جوانب تلك الأزمة أن الإعلام المصرى يخضع فى شكل مباشر للسياسة، وهو يعتبر مشاركا أساسيا فى صناعتها وتوجيهها، فالدولة تمتلك أكبر وسائل الإعلام ولكن تأثير وسائل الإعلام الرسمية فى تناقص بسبب عدم وجود رؤية واضحة لتوجه الإعلام الرسمى وخاصة التليفزيون المصرى أو آلية عمل تضمن التأثير الكافى لدى الشارع المصرى مقارنة بالإعلام الخاص، وامتلاك عدد محدود من رجال الأعمال أكبر الصحف والفضائيات الخاصة يؤدى فى مجمله إلى توجيه الرأى العام إلى ما يخدم المصالح الخاصة للأشخاص أو القنوات فقط، كما يتحكمون فى قسم كبير من كعكة الإعلانات، من هنا ثمة مخاوف حقيقية من تركز الملكية الخاصة فى الإعلام المصرى، وأن يستبدل الإعلام المصرى ملكية وهيمنة الدولة فأساس توجيه المجتمع واحدى عوامل بث الاستقرار فيه بملكية وهيمنة حفنة من رجال الأعمال وهذا هو الخطر الحقيقى على الإعلام المصرى. وفى ظل عدم وجود هيئة أو هيئات مستقلى للإشراف على صناعة الإعلام فى مصر أو للإشراف على الأداء الإعلامى، وهو أمر معمول به فى كثير من دول العالم وعدد من الدول العربية التى يوجد فيها مجلس أعلى للإعلام يشارك فيه المجتمع المدنى للإشراف على أداء النظام الإعلامى بكل مكوناته، أما فى مصر فالمجلس الأعلى للصحافة يتولى بالتنسيق مع نقابة الصحفيين الاشراف على أداء الصحافة المطبوعة فقط. وبالتالى لا بديل سوى الحوار بين كل الأطراف ومن كل الاتجاهات، للاتفاق على قوانين جدية تحدد العلاقة بين الملكية والعمل الإعلامى .