سقطت جميع الأقنعة وانكشفت أغراض كل القوى الخارجية التى تحاول ان تركب الموجة لتحقيق مطامعها الخاصة فى مصر وإذا كان البعض من الشخصيات أو الأحزاب أو التنظيمات الداخلية قد حاول استغلال نجاح شباب 25 يناير فى تحقيق مكاسب وإصلاحات سياسية داخلية كان يطالب بها المصريون جميعاً فان هناك دولاً وقوى خارجية كنا نظنها صديقة لمصر حاولت هى الأخرى ركوب الموجة واستغلال الوضع الداخلى لتحقيق أجندتها الخاصة فى مصر والمنطقة.. الموقف الأمريكى شهد العديد من التقلبات منذ بداية الأحداث طبقاً لتطورها وقد بدا فى البداية متزناً جداً خاصة بعد ان أكدت « هيلارى كلينتون» وزيرة الخارجية الأمريكية فى تعقيبها على أحداث 25 يناير عن ثقتها فى ان الحكومة المصرية مستقرة وفى اليوم التالى ومع استمرار المظاهرات دعت واشنطن على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية «فيليب كراولى» إلى ضبط النفس وتجنب العنف مع المتظاهرين والعمل على تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية والاجتماعية.. وجاء الانقلاب فى الموقف الأمريكى بعد يوم «جمعة الغضب» فقد حاولت واشنطن استغلال الوضع لتحقيق أجندتها الخاصة فى المنطقة باعتبار أن مصر هى حجر الأساس لها فمن إعلان « روبرت جيبس» المتحدث باسم البيت الأبيض بأن بلاده ستراجع مساعدتها لمصر فى ضوء تطورات الأحداث، إلى التصريحات المتتالية من المسئولين الأمريكيين وأولهما الرئيس أوباما عن ضرورة الانتقال الفورى للسلطة فى مصر خاصة بعد إعلان الرئيس مبارك عدم نيته الترشيح للرئاسة مرة أخرى ثم الهجوم الأمريكى فى اتجاه أحداث فراغ دستورى والفوضى يثير العديد من علامات الاستفهام خاصة مع الاتصال الهاتفى الذى أجرته «مارجريت سكوبى» السفيرة الأمريكية فى القاهرة مع محمد البرادعى وهو ما يلقى الضوء على طبيعة الدور الأمريكى فى الأحداث الجارية.. أوباما أكد فى مقابله مع قناة فوكس الإخبارية عندما سئل عن تنحية الرئيس مبارك من عدمه بأن الرئيس المصرى وحده هو الذى يعرف ما سوف يقوم به مشيراً إلى ان مبارك أكد انه لن يترشح للانتخابات المقبلة، وهو نفس ما أكدة المتحدث الرسمى باسم الخارجية الأمريكية من ان الرحيل السريع للرئيس مبارك سيجعل أجراء انتخابات حرة ونزيهة فى مصر عملية صعبه مشدداً على أن قرار الاستقالة يرجع للرئيس مبارك نفسه وللشعب المصرى، ولا تدخل للإدارة الأمريكية فى ذلك ويبدو أن أمريكا قد تعلمت الدرس جيداً بعد رفض الشعب المصرى التدخلات الأجنبية فى شئون بلاده.. وخلال هذه الفترة ومنذ اندلاع الأحداث تحدث الرئيس الأمريكى تليفونيا مرتين مع الرئيس مبارك احدهما مساء جمعة الغضب والثانية فور إعلان الرئيس عدم نيته خوض انتخابات الرئاسة المقبلة كما عقد اجتماعين مع مستشاريه للأمن القومى وهو ما يظهر مدى أهمية مصر ودورها فى المنطقة بالنسبة لأمريكا. ووسط كل هذه التصريحات الصادرة من الإدارة الأمريكية كان هناك تصريحين يوضحان حقيقة الأهداف والاهتمامات الأمريكية فى مصر الأول جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية يعرب فيه عن أمل بلاده فى أن تحافظ أى حكومة مصرية مقبله على دور بناء فى عملية السلام فى الشرق الأوسط.. أما التصريح الثانى فكان لمايك مولن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة أعلن فيه عن ثقته فى قدرة الجيش المصرى على توفير الأمن فى البلاد خاصة قناة السويس، والتصريحين يكشفان أن الأهم بالنسبة لأمريكا فى المنطقة هو حفظ أمن ربيبتها إسرائيل وقناة السويس التى تشكل أهم ممر مائى فى العالم.. ترقب أوروبى أما على الجانب الآخر من المحيط وفى القارة الأوروبية فقد تراوحت ردود الأفعال بين الصمت والترقب أو الانحياز لوجهة النظر الأمريكية فالكعادة سار الأسد البريطانى العجوز خلف الحليف الأمريكى فخرج علينا رئيس الوزراء البريطانى «ديفيد كاميرون» ليطالب مصر بالإسراع فى نقل السلطة إلى قيادة جديدة وإجراء الإصلاحات السياسية فوراً أما وزير خارجيته «وليام هيج» فقد انتقد حكومة الدكتور احمد شفيق منذ اللحظة الأولى لتشكيلها مشيراً إلى إنه أصيب بخيبة أمل تجاه التشكيل ولم يوضح لنا هيج سبب اعتراضه الذى ليس من حقه أصلاً خاصة مع ما يتمتع به شفيق وحكومته من شعبيه لدى الشارع المصرى حتى بين متظاهرى التحرير.. الطريف انه وفور تبدل الموقف الأمريكى سارت بريطانيا على نفس الدرب وخرج هيج مرة أخرى ليؤكد انه ليس من شأن أى دولة ان تحدد من الذى يقود مصر رافضاً إبداء رأيه فى تخلى الرئيس مبارك عن السلطة حاليا أو الانتظار حتى نهاية ولايته.. ألمانيا التزمت بموقف متوازن من البداية بل ان وزير خارجيتها «جيدو فيستر فيلة» حذر من فرض الوصاية على الشعب المصرى عن طريق الإصلاحات السياسية مشيراً إلى ان بلاده قدمت المساعدة والنصيحة لمصر حول التحول السياسي المنشود، وأضاف ان مصر يمكنها الاعتماد على دعم ألمانيا فى إجراء انتخابات حرة ونزيهة ، فى الوقت الذى أكدت فيه المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل انه يجب ان تكون عملية انتقال السلطة فى مصر سلمية ومنظمة مع تجنب حدوث فراغ. وهو نفس الموقف الفرنسى الذى جاء على لسان وزيرة خارجيتها «ميشيل آليو مارى» التى أكدت على انه يعود للمصريين وحدهم اختيار قادتهم «وليس الخارج هو الذى يفعل ذلك» طبقاً لنص تصريحاتها.. عموماً ردود الأفعال الغربية والأوروبية لم تخل من مواقف متحضرة تدل على احترام سيادة الدول خاصة من قبل الدب الروسى الذى ومنذ اللحظة الأولى للأحداث رفع شعار عدم تدخل القوى الخارجية فى الشئون الداخلية للدول وهو ما جاء على لسان «سيرجى لافروف» وزير الخارجية الروسى الذى حذر من الحلول الخارجية للأزمة فى مصر، مشيراً إلى أن فرض أى حلول خارجية أو توجيه إنذارات يعد أمراً غير إيجابى فى رد واضح بالطبع على التصريحات الأمريكية والبريطانية.. كما أعرب لافروف فى الوقت نفسه عن تأييده للحوار بين مختلف الأطراف فى مصر للخروج من الأزمة الحالية وكان الرئيس الروسى «ديميترى ميدفيديف» قد دعا فى اتصال هاتفى بالرئيس مبارك إلى تسويه سلمية للمشاكل القائمة فى مصر فى إطار القانون.. وكانت روسيا اتخذت منذ اللحظة الأولى موقف حيادى حريص على مصالح مصر وشعبها وقد وصفت على لسان سفيرها فى الأممالمتحدة «فيتالى تشوركين» دعوات بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة بالتغيير فى مصر بأنها دعوات سياسية بشكل واضح وتتجاوز مهام المنظمة الدولية مشدده على ان دور الأممالمتحدة لا يشتمل على تقديم نصائح سياسية للدول ذات السيادة التى تربطها بالمنظمة الدولية علاقات طويلة.. نفس الموقف المتحضر جاء من قبل ايطاليا التى أثبتت وبحق انها من أفضل أصدقاء مصر فى الاتحاد الأوروبى بعد ان وقف رئيس وزرائها «سيلفيو برلسكونى» مع استقرار مصر داعيا إلى عملية انتقال منظمة للديمقراطية مؤكداً على ان الغرب – وبالأخص أمريكا – ينظر للرئيس مبارك على انه الرجل الحكيم واصفاً أياه بأنه «مرجع».. وأعرب برلسكونى عن أمله فى ان يكون هناك استمرارية فى الحكم فى مصر مرحباً فى نفس الوقت بقرار الرئيس مبارك عدم الترشيح للرئاسة مرة أخرى.. حقد ايرانى وفى أول خطبة له باللغة العربية وصف آية الله على خامنئى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية فى إيران ما سماه بالانتفاضة المصرية بأنها حركة تحرير إسلامية داعيا الشعب والجيش المصرى إلى إقامة نظام شعبى إسلامى.. ولقيت خطبة خامنئى رفض مصرى واسع سواء فى الأوساط الرسمية او بين المعارضة حتى متظاهرى ميدان التحرير كشفت حقيقة النوايا والأطماع الإيرانية فى مصر ويبدو ان خامنئى الذى لا يفهم العربية ويقرأها فقط قد توهم انه يستطيع خداع الشعب المصرى صاحب أول حضارة فى العالم واعتقد ان المصريين يجهلون سعى بلاده لإعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية فى المنطقة وقد أحسن السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية عندما وصف تصريحات خامنئى بأنها تكشف حقدة على مصر.. خامنئي نسى او تناسى القمع الوحشى الذى مارسته قوات الحرس الثورى الإيرانى ضد المتظاهرين الإيرانيين الذين احتجوا على التزوير الفج فى انتخابات الرئاسة عام 2009 ، والتى أسفرت عن نجاح ربيبه أحمدى نجاد بعد تزوير فاضح جعل الشعب الإيرانى يخرج عن بكرة أبيه احتجاجاً على سرقة أصواته ليواجه بالعصا الغليظة للحرس الثورى الإيرانى فتم اعتقال الآلاف وإعدام العشرات كان آخرهم الإيرانية «زهراء بهرامى» الحاملة الجنسية الهولندية بتهمة حيازة مخدرات والانتماء إلى تنظيم مناهض للدولة.. أما تركيا التى تحاول ان تلعب دوراً فى المنطقة بعد عقود من الغياب منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية فى بدايات القرن العشرين وترى أن مصر منافساً لها وتهديداً لهذا الدور، فقد أرادت هى الأخرى أن تستغل الفرصة وتسطو على حركة شباب 25 يناير وهو ما بدا واضحاً من دعوة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان من ضرورة البدء الفورى لعملية انتقال السلطة فى مصر إلى إدارة مؤقتة وهو بالطبع تدخل سافر فى الشئون الداخلية لمصر لا تقبله تركيا نفسها التى ترفض أى حديث من أى دولة أو منظمة حقوقية عن القمع المنظم للإكرار فى تركيا من قبل النظام والجيش التركى أو عن المذابح التركية بحق الأرمن فى القرن الماضى.