أعادت الدبلوماسية الإسرائيلية طرح فكرة الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح فى حدود مؤقتة، حيث يزعم وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان مهندس الخطة والخريطة أن ما يطرحه يتضمن ثلاثة نقاط أساسية وهى الاعتبارات الأمنية، والإقرار بيهودية إسرائيل واعتبار الاتفاق على خطته بدولة على مساحة 40% من أراضى الضفة الغربيةالمحتلة إقرارا فلسطينيا بنهاية الصراع. وأفضل ما يسعى لتحقيقه رئيس الحكومة نتنياهو وليبرمان من طرح للخطة أن يرفضها الطرف الفلسطينى مثلما رفض من قبل خرائط ومشاريع «كلينتون وباراك» و«أولمرت» و«محمود عباس»، ولا تتقدم الحكومة الإسرائيلية بخطوة واحدة فى اتجاه الانسحاب أو إزالة أية مستوطنة. حسبما نشر فى صحيفة «هآرتس» فإن وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان يريد قطع الطريق على الجهود الدبلوماسية العربية والفلسطينية الساعية للحصول على اعتراف من الأممالمتحدة فى اجتماعها السنوى فى شهر سبتمبر القادم بدولة فلسطينية مستقلة فى حدود (الرابع من يونيو عام 1967) والذى سيشكل ضغطا دبلوماسيا على إسرائيل، لذلك طرح ليبرمان خطة تقوم على اقتراح دولة فلسطينية فى حدود مؤقتة على أقل من نصف مساحة الضفة الغربيةالمحتلة (نسبة تتراوح بين 45% و50%). وتنسب الصحيفة الكشف عن تفاصيل الخطة إلى مصدر رفيع المستوى فى وزارة الخارجية الإسرائيلية والذى أبلغها بأن مشروع «ليبرمان» سيبقى على الوضع الميدانى الحالى مع إدخال بعض التغييرات الطفيفة عليه، وبعد الإعلان عن قيام الدولة فى الحدود المؤقتة سيكون متاحا إحياء المفاوضات السياسية، وقيام إسرائيل بنقل مناطق أخرى لتلك الدويلة الفلسطينية. خريطة الدولة المؤقتة تنطلق من «خريطة الطريق» التى أصبحت المرجعية الوحيدة التى تحتكم إليها إسرائيل فى مسار الاتفاق مع الفلسطينيين، وتحديدا من المرحلة الثانية فيها بعد الانتهاء من المرحلة الأولى التى تشترط نزع سلاح المقاومة وحركات مقاومة الاحتلال، ولا يشمل مقترح الخطة إزالة أية مستوطنات أو تسليم مساحات من أراضى الضفة إلى إشراف السلطة الفلسطينية بل منطقتى «ألف» و«ياء». ففى إعلان المبادئ الموقع فى 13/9/1993 والتطبيق الفعلى له فى عام 1995 جرى تقسيم الضفة الغربية إلى عدة مناطق أو دوائر بناء على الترتيبات الأمنية التى جرى الاتفاق عليها كمناطق نفوذ وصلاحيات مدنية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية. المنطقة (أ) ومساحتها حوالى 3.7% من مساحة الضفة الغربيةالمحتلة التى تتولى فيها السلطة الفلسطينية مسئولية شبه كاملة لبسط النظام العام والأمن الداخلى والمنطقة(ب) التى تضطلع فيها السلطة الفلسطينية بمسئولية توفير النظام العام للفلسطينيين بينما تسيطر إسرائيل على الأمن الداخلى، وتبلغ مساحتها حوالى 25.2% من مساحة الضفة الغربيةالمحتلة. وتفصل بين هاتين المنطقتين المنطقة (ج) التى تحتوى على كافة المستوطنات والطرق المستخدمة للوصول إليها والمناطق العازلة وهى تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. وتشكل المنطقتان حوالى 29% من مساحة الضفة الغربيةالمحتلة، بينما تشير خطة ليبرمان إلى أن ضم نسبة محدودة من الأراضى إليهما سيرفع نسبة مساحة أرض الدولة المقترحة فى الحدود المؤقتة إلى 40% من مساحة الضفة الغربيةالمحتلة عام 1967. وما أعلنه ليبرمان لا يتعارض مع تصريحات رئيس الحكومة التى أدلى بها فى لقاء تليفزيونى مع القناة العاشرة الإسرائيلية بشأن التسوية الانتقالية، فقد قال إنها نتيجة ممكنة للعملية السياسية مع الفلسطينيين، وتتطابق آراؤه مع زعماء اليمين الذين يعارضون أى انسحاب أو ما يطلقون عليه صفة (التنازل الإقليمى) إلى أن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة الشعب اليهودى ويعلنوا عن نهاية النزاع وانتهاء المطالب، وخطة ليبرمان يصب مضمونها فى فكرة استغلال الحملة الدبلوماسية الفلسطينية للحصول على الاعتراف الدولى بدولة مستقلة، وتحظى أيضاً بتأييد ودعم نائب رئيس الحكومة الليكودى «موشى يعالون» الذى قال: «إن على إسرائيل استغلال الحملة الفلسطينية بدراسة مقترح ليبرمان بإقامة دولة فلسطينية فى حدود مؤقتة من أجل تحقيق هدفين، الأول تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية، والثانى الإشارة لدول العالم بأن إسرائيل تخفف من سيطرة قبضتها على الفلسطينيين». وتشمل خريطة مقترح ليبرمان أيضاً مد شبكة طرق بين منطقتى «ألف» و«باء» لتضمن تواصلا جغرافيا يتيح للدولة الفلسطينية أن تكون قابلة للحياة. وبمقارنة مشروع ليبرمان وخطة رئيس لجنة الدفاع والأمن بالكنيست «شاؤول موفاز» فقد اقترح كخطوة أولى التوصل إلى اتفاق مرحلى يعلن خلاله إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتسبق المفاوضات حول القضايا الجوهرية، وأن تشمل نسبة 60% من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن يتحقق فيها التواصل الجغرافى وحرية التنقل على الأرض من دون انسحاب إسرائيلى أو إخلاء أية مستوطنات. بينما طرح «إيهود أولمرت» على الرئيس محمود عباس عرضاً آخر وأيضاً فى إطار المرحلة الثانية من خريطة الطريق، واشترط فيه بداية الاعتراف الفلسطينى بإسرائيل دولة للشعب اليهودى والإبقاء على المستوطنات فى الضفة الغربية مع طرح فكرة تبادل الأراضى للمفاوض الفلسطينى. والرئيس الأمريكى بيل كلينتون حاول تسجيل إنجاز باسمه فى عام 1999 ودعا لمؤتمر «قضايا الحل النهائى، القدس، اللاجئون، المستوطنات»، وشارك فيه الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس الحكومة آنذاك إيهود باراك اشترط فيه «باراك» ضم نسبة 10% إلى مناطق السلطة الفلسطينية وتظل القدس تحت السيادة الإسرائيلية، والتكتلات الاستيطانية تخضع للسيادة الإسرائيلية وإجراء تعديلات حدودية تظل تحت السيادة الإسرائيلية والسيطرة على مصادر المياه كافة فى الضفة الغربية. وفشل المؤتمر الذى أطلق عليه «كامب ديفيد الثانية» لأن المناقشات انصبت على التصور الإسرائيلى لمدينة القدس والتى ذهبت إلى جعل إحدى ضواحى المدينة عاصمة لدولة فلسطين، وتفتيت ساحة الحرم بتطبيق نموذج الفاتيكان عليها بحيث يكون كل ما فوق الأرض المسجد الأقصى، وقبة الصخرة والساحة الواقعة بينهما تكون هى الحرم الشريف وتحت السيادة الفلسطينية، أما ما تحت المقدسات الإسلامية فيكون تحت السيادة الإسرائيلية، أما المقدسات المسيحية فتتبع هيئة الكنائس العالمية، وفشل كلينتون فى تسجيل إنجازا باسمه لأن الرئيس عرفات رفض التوقيع على اتفاق ينقض السيادة الفلسطينية على القدس ويقضى على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. ومن جانبه أعطى ليبرمان تعليمات لوزارة الخارجية بصياغة خطة تفعيل الضغط على السلطة الفلسطينية حتى تنسحب من الصراع السياسى ضد إسرائيل فى مجلس الأمن ومحكمة العدل فى لاهاى وفى مجالات دولية أخرى، وستطرح على أعضاء الرباعية الذين سيبحثون بعد أسبوع فى ميونيخ سُبل إنقاذ المفاوضات من الجمود، والرئيس أبومازن الذى رفض فى الماضى اقتراح الدولة فى الحدود مؤقتة علّق على مقترح ليبرمان بالرفض مرة أخرى، والدبلوماسيون والإعلام الإسرائيلى نشطوا فى إظهار إسرائيل على أنها اقترحت دولة للفلسطينيين وهذا ما يريده رئيس الحكومة نتنياهو بعد إزالة التهديد السياسى عن حكومته وإعادة استقرار الائتلاف الحكومى. والسؤال الصعب الذى لا نجد له إجابة الآن وسنعرفه فى شهر سبتمبر القادم.. بعد الاجتماع السنوى للأمم المتحدة.. إما دولة فلسطينية مستقلة وإما انتفاضة فلسطينية ثالثة.