عمر البشير يقول إنه ملتزم باتفاق السلام، لكنه لن يقبل إلا الوحدة، وعلى الأرض كل التوقعات تشير إلى أن الجنوبيين اختاروا الاستقلال الذى يطلق عليه الشماليون اسم «الانفصال»، لكن المحللين يحذرون من خطورة العودة إلى الصراع إذا ما عرقل الشمال الاستفتاء أو رفض تسليم السيطرة على حقول النفط الجنوبية المربحة، وليس سراً أن رئيس حكومة جنوب السودان «سلفاكير مياردين» دعا صراحة إلى التصويت لصالح الاستقلال بحجة أن بقاء السودان موحداً سيجعل من الجنوبيين مواطنين من الدرجة الثانية، وقد نقل عنه قوله مخاطباً المواطن الجنوبى: عندما تصل إلى صندوق الاقتراع سيكون الخيار خيارك.. هل ترى التصويت للوحدة لتصبح مواطناً من الدرجة الثاية؟ الخيار خيارك، ماذ يعنى تقسيم السودان؟ عدد من الخبراء يؤكدون أن جواب هذا السؤال يتمحور فى ثلاث عناصر الأول هو أن الجنوب سوف يتحول فى هذه الحالة إلى حاجز قوى يمنع تدفق الحضارة العربية والإسلامية إلى أفريقيا، والثانى هو أن انفصال الجنوب مرادف لحرمان الشمال من ثروات طبيعية هائلة خصوصاً النفط وغيره من الموارد الطبيعية، والثالث هو أن انسلاخ الجنوب قد يترك تداعيات خطيرة على وحدة الوسط والشمال بدليل أن تقارير أمريكية تتحدث منذ بعض الوقت عن استقلال منطقة دارفور التى تتهيأ لاستقبال قاعدة عسكرية أمريكية مجاورة لليبيا وتشاد. الدكتور عمر المهاجر الخبير فى مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا ومقره هولندا والمكلف بلجنة المتابعة للمركز فى الخرطوم يقول إن هناك مخططا ثالثا يتمثل فى إنشاء دولة مستقلة فى الوسط والشمال تحت إدارة أمريكية. ويؤكد المهاجر أن هذه الأخطار لم تحرك حتى الآن المجموعة العربية للرد على مشروع أو مشاريع التقسيم، ذلك لأن رد الفعل العربى لايزال لا يرقى إلى مستوى المواجهة الحقيقية، ولقد توالت القمم العربية من دون أن تضع خطة عملية لإجهاض مشروع التقسيم وتغيير خريطة المنطقة. ويرى المهاجر أن التعويل على الموقف الأفريقى وانتظار الحلول منه غير منطقى لأسباب كثيرة أهمها أن أفريقيا كلها ترزح تحت النفوذ الأمريكى والأوروبى خصوصاً فرنساً، وباريس تتناغم مع واشنطن وقد اتفقتا على إخراج القصة من حيزها الأفريقى وتدويلها بنقلها إلى مجلس الأمن. ويحذر د. السيد فليفل الأستاذ بمعهد الدراسات والبحوث الأفريقية من انفصال جنوب السودان عن دولته، لافتاً إلى أنه فى هذه الحالة سيصبح منطقة نفوذ إسرائيلية وسيطالب بإعادة تقسيم حصص مياه النيل وبدلاً من تقسيمها على دولتين كما هى الحال حالياً بين مصر والسودان سيصبح التقسيم على ثلاث دول وهى القضية التى تشكل خطراً على مصر فى حالة تكوين دولتين فى السودان. وعلى النقيض يرى د. إبراهيم نصر الدين الخبير فى الدراسات الأفريقية أنه لا خوف ولا قلق على موارد مصر من مياه النيل حتى فى حال انفصال جنوب السودان عن شماله، لأن النيل الأزرق الذى يشكل 85% من موارد المياه لا يمر بهذه المنطقة، إنما النيل الأبيض فقط هو الذى يمر، مشيراً إلى أن المنطقة التى تشكل خطورة هى شمال السودان وليس جنوبه. وأشار د. محمد أبو غدير الأستاذ بجامعة عين شمس والخبير فى الشئون الإسرائيلية خلال ندوة «دور إسرائيل فى أفريقيا وأثره على مستقبل العلاقات الأفريقية العربية» إلى أن رغبة إسرائيل جلية فى انقسام السودان لأن ذلك يتطابق مع الخطة «الصهيو - أمريكية» لايجاد شرق أوسط جديد يتم فيه تقسيم دول المنطقة إلى دويلات على أسس طائفية وعرقية ودينية، مؤكدا أن خطر التقسيم يستهدف العراق والسودان فى هذه المرحلة والمطلوب إنجازه فى اليمن. وبهذا المعنى يشكل استفتاء يناير المقبل منعطفا تاريخيا فى تاريخ العرب وبصورة خاصة العرب الأفارقة، ولا تقتصر أخطاره على السودان وجنوبه فقط، لأن الانفصال جزء من خطة تفتيت جديدة على امتداد الفضاءين العربى والأفريقى.