يعشق تراب سيناء وله مع كل شبر فيها ذكريات فقد قاتل على أرضها ثم كان محافظا لها يعرف أهلها وطبائعهم ويحفظ ما بها من موارد وإمكانات فهى محفورة فى العقل والقلب يعرف دروبها وسهولها وجبالها ووديانها يعتبر الإنسان المصرى هو البطل الحقيقى لمعركة أكتوبر 1973 إنه اللواء أركان حرب على حفظى محافظ سيناء الأسبق وأحد أبطال حرب أكتوبر الذين التقينا بهم بمناسبة مرور 37 عاما على انتصارات أكتوبر. حيث بدأ حديثه مؤكدا أن البطل الحقيقى فى المعركة كان الإنسان المصرى لأنه لديه القناعة الكاملة أن الانسان المصرى هو أغلى شىء وهو جوهر البقاء الداعم لمسيرة التقدم ولذلك يجب أن نتذكر دائما عندما نستعيد أحداث الملحمة العظيمة فى أكتوبر 1973 ونربطها بالوقت الحالى أن يكون توجهنا الرئيسى فى هذا الاتجاه هو الإنسان المصرى وإذا أردت تطبيق هذا فى جانب المعلومات فهى الأساس خاصة أنه لن تستطيع أية قيادة أن تخطط وتتخذ قراراً سليماً بدون معلومات عن الطرف الآخر، فى الوقت الذى نجد فيه الأطراف الخارجية متعاطفة مع الطرف الآخر أكثر ونجد أنها غالبا ما تحرمنا من الحصول على معدات وأجهزة فنية من رادارات وطائرات فى الوقت الذى تمنحها للطرف الآخر وبالتالى كيف نستطيع تعويض هذا النقص فكانت الإجابة بالإنسان المصرى، حيث يتم إعداده للحصول على المعلومات خلف خطوط العدو وبدأت تعمل هذه المجموعات فى سيناء قبل وأثناء وبعد الحرب. ويضيف اللواء أركان حرب على حفظى الذى كان أحد أبطال مجموعات المخابرات والاستطلاع أنه كى تتضح الصورة بشكل أكبر أمام الأجيال الجديدة التى لم تعاصر الحرب فلابد من معرفة الظروف القائمة بالوطن قبل الحرب وبعد عدوان يونيو 1967. فعلى الصعيد السياسى كان الوضع سيئا للغاية، ورغم القرارات الدولية الصادرة بشأن هذا العدوان لم يقدم أى من الأطراف الخارجية خطوة إيجابية. وعلى الصعيد الاقتصادى، أغلقت قناة السويس وتوقفت السياحة كما تعطلت آبار النفط فى سيناء وخليج السويس. أما اجتماعيا، فكانت الصدمة عنيفة على الشعب المصرى، بما أعطى انطباعا لإسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب بشكل عام أن مصر أصبحت جثة هامدة ولن تقوم لها قائمة قبل نحو عقدين من الزمان. واتضح أنه على الرغم من كل تلك الصعوبات فلم يستسلم المقاتل المصرى، وحقق العديد من الإيجابيات منها: حماية بورفؤاد من الاحتلال فى أعقاب العدوان عقب قيام ملازم أول فتحى عبد الله وفريقه من أبطال الصاعقة بوقف تقدم العدو تجاهها - كانت تعد القطعة الوحيدة من أرض سيناء التى لم يتم الاستيلاء عليها - خاصه أن الطرق إلى بورفؤاد كانت تتسم بالصعوبة الشديدة. قيام سلاح الجو رغم خسائره الكبيرة عقب العدوان فى منتصف يوليو1967 بقصف الأهداف الإسرائيلية الموجودة فى العمق . قيام المدفعية المصرية فى سبتمبر 1967 بقصف جميع المدافع الإسرائيلية المتمركزة على امتداد سيناء شمالا وجنوبا. قيام البحرية المصرية فى أكتوبر 1967 بتدمير المدمرة إيلات شمال شرق بورسعيد. حرب الاستنزاف، التى نجح خلالها المقاتل المصرى فى مواجهة الجندى الإسرائيلى فى معارك شبه يومية استمرت 500 يوم، من غارات على مواقعهم، إلى عمل كمائن للقوات المتحركة، وقذف بالمدفعيات والدبابات، وكانت هذه أبلغ رسالة تقول لهم «مادامتم على الضفة فلابد أن تدفعوا ثمن هذا الوجود». معركة «الذراع الطولى» والتى سميت كذلك نظرا لأن إسرائيل كانت تمتلك قوات جوية حديثة - من الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا - فكانت عندهم القدرة على أن يصلوا إلى داخل العمق المصرى، فأنشئت قوات الدفاع الجوى لكى تتعامل معهم بالتعاون مع القوات الجوية، كما تم بناء ما يسمى بحائط الصواريخ، وهى قواعد لحماية الصواريخ المضادة للطائرات، وعندما كان العدو يكتشف أيا من هذه القواعد كان يحاول تدميرها، مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء سواء عسكريين أو مدنيين، وقد عملت شركات مدنية فى بناء القواعد والتى ساعدت كثيرا فى تحقيق انتصار 1973. معركة «الذكاء المصرى» فى خداع كافة أجهزة المخابرات فى العالم بما فيها إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية، وكانت تقاريرهم تقيّم الموقف حتى صباح يوم 5 أكتوبر بأن مصر ليس فى مقدورها مهاجمتهم. وبخصوص أزمه السلاح، قال اللواء على حفظى «إن مصدرنا الرئيسى من السلاح كان من الاتحاد السوفيتى والذى لم يعطنا ما نحتاج إليه من التسليح - فمن المعروف فى المفاهيم العسكرية أن التسليح إما ان يكون هجوميا وإما دفاعيا - وكانوا لا يعطوننا إلا التسليح الدفاعى كى يظل الوضع على ما هو عليه ولا نقوم بأى عمل إيجابى ونسترد الأرض». وأضاف أنه عقب محاولات وتلميحات من الرئيس الراحل محمد أنور السادات باللجوء إلى الولاياتالمتحدة قام الاتحاد السوفيتى بإمدادنا بالأسلحة». مجموعات الاستطلاع/U/ وقال اللواء على حفظى إن الاتحاد السوفيتى أمدنا بالمعدات الرئيسية كالمدافع والطائرات، والتى وصلت إلى 6 آلاف طن، لكنها كانت معدات ليست حديثة، بينما أمدت أمريكا إسرائيل فى ثانى أيام الحرب بأحدث المعدات من مخازنها، والتى وصلت إلى 60 ألف طن. أما النواحى التكنيكية الفنية التى تعيننا على الحصول على معلومات عن الطرف الآخر - كأجهزة التنصت،والأقمار الصناعية، والطائرات المجهزة والرادارات بعيدة المدى - فقد حرمونا منها، فاستعضنا عن هذه الأشياء بقدرات الجندى المصرى، ولذلك كان دور مجموعات الاستطلاع مهما للغاية، حيث لا يتخذ أى قرار إلا بعد الحصول على معلومات منهم ولم يكن لنا بديل آخر، خاصة أن أمريكا كانت تمد إسرائيل بصور عن طريق الأقمار الصناعية. وأضاف أن جزءا من مجموعات الاستطلاع تسلل خلف خطوط العدو قبل الحرب وجزءا آخر تسلل بعد بداية الحرب، وكان ذلك يتم برا أو بحرا أو جوا، وكانوا بجوار مناطق العمل الإسرائيلية، ونجحوا فى متابعة أنشطة الجانب المعادى من بداية وصوله لخط القناة وإنشائه للدفاعات والسواتر ومتابعته يوميا، مما أوضح لنا تماما كيف ستكون ردود أفعالهم، وبرزت لنا نقاط الضعف والقوة لديهم على مدى 6 أعوام. وقال إن وزير الدفاع الإسرائيلى آنذاك موشيه ديان اعترف بعد الحرب بأن مصر نجحت فى استخدام أفراد الاستطلاع للحصول على معلومات تصل إلى 80% عن قدرات الجيش الإسرائيلى، وذلك مع علمهم أن مصر لم يكن لديها قدرات فنية لرصد المعلومات. وأشار حفظى إلى المساعدة الكبرى التى قدمها أهالى سيناء، مشيدا بما قدمه الكثيرون من السيناويين المجاهدين والشرفاء. الحرب مرحلة سياسية/U/ قال اللواء على حفظى إنه تحدث عن الثغرة والادعاءات الإسرائيلية بشأنها فى محاضرة ألقاها فى كلية الحرب العليا بنيجيريا. وأوضح أنه من وجهة النظر الاستراتيجية العسكرية، تعد الحرب مرحلة من مراحل السياسة بكل أبعادها، وعندما تقفل الأبواب أمام السياسة، يتم تحويل الموقف إلى الحرب لتحقيق بعض الأهداف، ثم بعد ذلك تعود السياسة مرة أخرى، أى أن الأمور تبدأ بالسياسة وتنتهى بالسياسة. وقال إن مصر نجحت فى شن الهجوم ودمرت خط بارليف واستولت عليه وعملت ما يسمى برؤوس الكباري، وقامت إسرائيل بعد ذلك بالهجوم المضاد لاستعادة الأوضاع وتدمير القوات المصرية، لكنها لم تنجح فى ذلك. وأضاف أنه «بعد وضوح الرؤية خلال الأيام الأولى من الحرب، بدأت اللعبة تدار من جانب القوى العظمى (الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتى) وكان لابد من وقف إطلاق النار والتحول للبعد السياسى وهو «التفاوض». ومن المعروف استراتيجيا، أن التفاوض لا يصلح بين طرفين أحدهما منتصر بالكامل والآخر منهزم بالكامل، لأن الأول سيفرض شروطه، لذلك كان هناك اتفاق ضمنى ما بين القوتين العظمتين على إيجاد موطئ قدم للقوات الإسرائيلية تحفظ به «ماء الوجه» بوجود جزء من قواتهم على الضفة الغربية لقناة السويس بشكل أو بآخر. وقال اللواء حفظى «حدث ذلك بالفعل عندما عبروا ثغرة ما بين الجيشين الثانى والثالث، وعندها حاصرناهم وتم التخطيط لخطة بديلة لتدمير هذه القوات، ولكن بمجرد أن استشعرت أمريكا أننا نعد لهذه الخطة، جاء هنرى كسينجر لمقابلة الرئيس أنور السادات وأبلغه رسميا أنه لو قامت مصر بالهجوم على القوات الإسرائيلية الموجودة فى منطقة الثغرة فبلاده سوف تتدخل مباشرة فى الحرب ضد مصر». وأضاف حفظى أن الإسرائليين أطلقوا على الثغرة اسم «مصيدة الموت»، وذلك لإحساسهم بالرعب لحصار القوات المصرية لهم، وقد حاول شارون «قائد الثغرة» دخول الإسماعلية ولم ينجح فى ذلك كما لم ينجحوا فى تدمير أية قوة عسكرية مصرية، مؤكدا أن وجودهم هناك كان فقط «لحفظ ماء الوجه» عند التفاوض، وكى يثبتوا أنهم لم يهزموا هزيمة كاملة. وقال «للأسف الشديد، إن الجانب الإسرائيلى أكثر مهارة منا فى التعامل مع وسائل الإعلام وفى تزييف الحقائق وتغييرها، بينما لا نمتلك نحن الانتشار الإعلامى الخارجى الذى لديهم، ولذلك فمعظم ما كتب عن حرب 6 أكتوبر1973 مكتوب من وجهة نظرهم لا من وجهة نظرنا نحن». من ناحية أخرى، أوضح اللواء على حفظى أن هناك العديد من النماذج الخالدة والتى ضحت بأرواحها فى سبيل الوطن ولكنها غير معروفه للكثيرين، وضرب مثالا بالملازم أول عبد الهادى السقا الذى كان من أبطال قوات الصاعقة، وكان مدفوعا مع فرقته خلف صفوف العدو لمنع المدرعات الإسرائيلية من الاتجاه إلى خط القناة، واستشهد هو وطاقمه نتيجة لضرب إسرائيل لطائرتهم أثناء توغلهم إلى عمق العدو.