وزير دفاع أمريكا: نتبنى موقفا دفاعيا في المنطقة.. ونحافظ على يقظتنا واستعدادنا    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| مواجهات نارية في كأس العالم للأندية 2025    "فقرات استشفائية".. الأهلي يواصل تدريباته استعداداته لمواجهة بالميراس    «سكاي أبوظبي»: 240 مليار جنيه مبيعات مشروع «رأس الحكمة»    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 17-6-2025 مع بداية التعاملات    انقطاع واسع في خدمة الإنترنت في طهران    بعد أزمة الاستبعاد.. جلسة صلح بين ريبيرو ونجم الأهلي في أمريكا (تفاصيل)    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    تركي آل الشيخ يطرح بوستر جديد لفيلم «7DOGS» ل أحمد عز وكريم عبدالعزيز    طريقة عمل كيكة الجزر، مغذية ومذاقها مميز وسهلة التحضير    8 أطعمة تصبح أكثر صحة عند تبريدها، والسر في النشا المقاوم    5 تعليمات من وزارة الصحة للوقاية من الجلطات    الترجي يخسر من فلامنجو في افتتاح مشواره بكأس العالم للأندية    ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية ب بني سويف 2025 يقترب (خطوات الاستعلام رسميًا)    سلوفاكيا تجلي مواطنيها ومواطنين أوروبيين من إسرائيل عبر الأردن وقبرص    ترجمات| «ساراماجو» أول أديب برتغالي يفوز بجائزة نوبل أدان إسرائيل: «ما يحدث في فلسطين جريمة»    فاروق حسني يروي القصة الكاملة لميلاد المتحف المصري الكبير.. ويكشف رد فعل مبارك    إيران تشن هجوما جديدا الآن.. إسرائيل تتعرض لهجمات صاروخية متتالية    موعد مباراة الأهلي القادمة أمام بالميراس في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    السفارة الصينية في تل أبيب تدعوا رعاياها مغادرة إسرائيل سريعًا    بعد تصريحات نتنياهو.. هل يتم استهداف خامنئي الليلة؟ (مصادر تجيب)    3 أيام متتالية.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    سحر إمامي.. المذيعة الإيرانية التي تعرضت للقصف على الهواء    الدولار ب50.21 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 17-6-2025    أسعار الخضار والبطاطس ب الأسواق اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025    وكالة إس إن إن: إيران تعتزم مهاجمة قاعدة جوية عسكرية إسرائيلية حساسة    خامنئي يغرد تزامنا مع بدء تنفيذ «الهجوم المزدوج» على إسرائيل    إغلاق جميع منشآت التكرير في حيفا بعد ضربة إيرانية    أشرف صبحي يكشف كواليس تدخلاته في أزمة زيزو.. ويؤكد دعمه الكامل للأهلي    تفاصيل العملية الجراحية لإمام عاشور وفترة غيابه    بعد إنهاك إسرائيل.. عمرو أديب: «سؤال مرعب إيه اللي هيحصل لما إيران تستنفد صواريخها؟»    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    مصرع شاب غرقا فى مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ وإنقاذ اثنين آخرين    تفاصيل محاضرة ريبيرو للاعبي الأهلي    رئيس مدينة دمنهور يقود حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بشوارع عاصمة البحيرة| صور    تراجع أسعار الذهب العالمي رغم استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران    حرب إسرائيل وإيران.. البيئة والصحة في مرمى الصواريخ الفرط صوتية والنيران النووية    "حقوق الإنسان" بحزب مستقبل وطن تعقد اجتماعًا تنظيميًا بحضور أمنائها في المحافظات    إلهام شاهين تروي ل"كلمة أخيرة" كواليس رحلتها في العراق وإغلاق المجال الجوي    حدث بالفن | عودة إلهام شاهين وهالة سرحان من العراق والعرض الخاص لفيلم "في عز الضهر"    بسبب إغلاق مطار بغداد.. إلهام شاهين تكشف تفاصيل عودتها لمصر قادمة من العراق    "سقوط حر" يكشف لغز جثة سوداني بفيصل    مباحث الفيوم تتمكن من فك لغز العثور على جثة شاب مقتول بطلق ناري    محاكمة تشكيل عصابي متهم بسرقة المواطنين بالإكراه ببولاق أبو العلا اليوم    العثور على جثة مسنّة متحللة داخل شقتها في الزقازيق    أمريكا: حالات الإصابة بمرض الحصبة تقترب من 1200 حالة    مستشارة الاتحاد الأوروبي: استمرار تخصيب اليورانيوم داخل إيران يمثل مصدر قلق    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحاني اللغة الأجنبية الثانية للنظام الجديد والاقتصاد والاحصاء القديم.. اليوم    قطع أثرية بمتحف الغردقة توضح براعة المصريين القدماء فى صناعة مستحضرات التجميل    محافظ كفر الشيخ: إقبال كبير من المواطنين على حملة «من بدرى أمان»    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    إيبارشية قنا تستقبل أسقفها الجديد بحضور كنسي    اتحاد المرأة بتحالف الأحزاب يعلن الدفع بمجموعة من المرشحات بانتخابات مجلسي النواب والشيوخ    وزير العمل والأكاديمية الوطنية للتدريب يبحثان تعزيز التعاون في الملفات المشتركة    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    محافظ المنوفية: مليار و500 مليون جنيه حجم استثمارات قطاع التعليم خلال ال 6 سنوات الأخيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرارا جديدة عن حادث المنصة‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 04 - 2010

يحتار المرء من أين يبدأ فأرض الفيروز وجبال القمر التي نحتفل بعد يومين بمرور‏28‏ عاما علي تحريرها من الاحتلال تزخر بالكنوز والآثار والحكايات‏ ..‏ سيناء التي تتمتع بشهرة عالمية لأنها كانت مهبط الوصايا العشر علي سيدنا موسي‏..‏ وبوابة مصر الشرقية‏..‏ ومسار العائلة المقدسة في طريقهم إلي مصر‏..‏ وهي أرض مر بها سيدنا إبراهيم عليه السلام وشهدت الفتح الإسلامي لمصر‏..‏ سيناء‏61‏ ألف كيلو متر مربع من الطبيعة الخلابة وأنظف بيئة في العالم بشهادة الخبراء وثروة معدنية ومقومات سياحية وشواطئ علي أجمل البحار والمحميات أرض النخيل والزيتون‏..‏ والتي تبلغ ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل فسيناء لا يمكن التعبير عنها بالكلمات والدراسات الوصفية ولكن بسواعد أبنائها وتعميرها بالبشر والشجر علي حد تعبير اللواء منير شاش محافظ شمال سيناء الأسبق والذي يلقب بعاشق سيناء وشيخ عربها بين القبائل نظرا لمكانته ومنزلته في نفوسهم‏..‏ فهو أكثر من اختلط بهم وأعجب بدستورهم غير المكتوب الذي يشبه الماجنا كارتا الدستور الإنجليزي لما يتمتع به مثله من سطوة ملزمة لا ترد فالعرف القبلي كان محط إعجابه وتقديره‏..‏ منير شاش بطل من أبطال المدفعية وابن بار من أبناء المؤسسة العسكرية التي نختلف في كل شئ ولكننا نتفق علي كونها موضع عزتنا وافتخارنا وحامي حمانا‏..‏ اللواء منير عاصر أكثر اللحظات حرجا بدءا من اشتراكه ليلة ثورة‏23‏ يوليو‏1952‏ وانتهاء بحرب أكتوبر فشهد سنوات الانكسار والانتصار‏..‏ وخاض أكثر المعارك المحببة إلي قلبه معركة البناء والتشييد حيث بدء تعمير شمال سيناء من نقطة الصفر وقبل التحدي ولم تخفت جذوة حماسه وهو يحرث في الأرض اليباب يقينا منه أن النجاح لا يكون نجاحا إلا بين العمالقة أبناء سيناء كما يراهم دائما في انتمائهم وحبهم لأرضهم ووطنهم‏.‏
عاصرت لحظات تاريخية فاصلة في تاريخ مصر منذ تخرجك في الحربية عام‏1950‏ وانخراطك في تنظيم الضباط الأحرار‏.‏ فلتحدثنا عن المهام التي أوكلت إليك ليلة الثورة؟
بدأت خدمتي بالعريش‏..‏ وفاتحني فتح الله رفعت وكان نقيبا وقائد بطارية في سلاحنا‏(‏ المدفعية‏)‏ وعلم أنني شأني شأن أي ضباط غيور علي وطنه ساخط علي الأوضاع التي آلت إليها البلاد والجيش بصفة خاصة‏..‏ وتوطدت العلاقة والثقة وكنت أتولي توزيع المنشورات التي تندد بتلك المساوئ والسلبيات علي قيادات اللواءات أثناء غيابهم واتركها‏..‏ وكنا نتحرق شوقا يوما بعد يوم للثورة وكثيرا ما كان الزملاء يلومون فتح الله لعدم أخبارهم بموعدها وتأجيلها ويعدهم بأنه إذا تم تعيين حسين سري عامر وزيرا للدفاع سنقوم بالثورة وكان سلاح المدفعية الذي انتمي اليه يضم كلا من صلاح سالم وكمال الدين حسين وعبد المنعم أمين ومجموعة أخري من رجالات الثورة‏.‏ كنت ما أزال ملازما أول حين تحركنا من العريش إلي الهايكستب في الساعة الرابعة بعد الظهر وكنا أول وحدة تتحرك بطارية‏(2),‏ مدفعية ميدان وفي تمام الساعة الحادية عشرة مساء ليلة‏23‏ يوليو‏1952‏ اخبرنا فتح الله رفعت أن الثورة قامت بالفعل فتهللنا فرحا وتوجهنا إلي مستشفي كوبري القبة أمام القيادة العسكرية وفتحنا البطارية وكنت مسئولا عن تجهيزها ولم أضع إريال اللاسلكي لعدم لفت الانتباه بعد قيام الثورة يوم‏25‏ يوليو تحركنا في اتجاه طريق مصر إسكندرية وتوقفنا في الرست هاوس وسألناه ما الأمر؟ فقال يا جماعة نحن ذاهبون إلي الإسكندرية لكي تخرج الملك‏.‏ وعمت الفرحة بيننا مرة أخري وذهبنا إلي إستاد الإسكندرية حيث قضينا ليلتنا وفي صبيحة يوم‏26‏ يوليو توجنا إلي قصر المنتزه لكن الملك قد توجه إلي قصر رأس التين‏.‏ فذهبنا إلي هناك واستقرت مدفعيتنا علي الخليج المجاور لرأس التين حيث يوجد خفر السواحل‏.‏
هل حدث تبادل لإطلاق النار بينكم وبين الملك أو أي قوات أخري كما ذكر في مذكراته؟
حدث تراشق ناري بين حرسه الخاص وبعض الأفراد من سلاح المشاة بالبنادق لمدة عشر دقائق لكننا كسلاح مدفعية كنا جاهزين تماما وفتحنا البطارية تحسبا لأي ظروف تطرأ‏..‏ وكلفت بالتركيز علي قبة قصر رأس التين‏..‏ فكانت هدفي الأساسي ويبتسم اللواء منير ويتذكر قائلا‏:‏ حين شرفت بمنصب محافظ شمال سيناء وشاءت الأقدار عام‏1982‏ أن أدخل قصر رأس التين لكي أحلف اليمين‏..‏ شاهدت تلك القبة التي تتدلي منها‏'‏ نجفة‏'‏ عملاقة لم أر مثيلا لها في حياتي في ضخامتها وجمالها وروعتها وقلت لنفسي هل كنت سأحطم هذه التحفة الفنية‏..‏ وغادر الملك الميناء الساعة السادسة علي ظهر المحروسة لكن الأوامر صدرت لنا بالبقاء حتي الثامنة مساء فربما حاول الملك العودة مرة أخري فتكون هناك مقاومة ولا تكون الساحة أمامه خالية‏!!‏ وفي طريق عودتنا استقبلتنا الجماهير بالإسكندرية بترحاب شديد وسعادة بالغة حتي انهم قاموا برفع السيارة النصف نقل التي كنت استقلها مع الزملاء‏.‏
ما الذي يميز سلاح المدفعية فالدبابات مثلا يقال عنها انها بمثابة قشرة عين الجمل التي تحمي المشاة؟
عقب تخرجي في الكلية الحربية عملت مدرسا ثلاث سنوات لمادة الطبوغرافيا من‏1953‏ حتي‏1956‏ ثم طلبني سلاح المدفعية بعد حرب‏1956‏ وظللت به وتدرجت في مناصبه حتي عينت محافظا فالمدفعية تحمي المشاة والصاعقة وقد أحدثنا خسائر فادحة في إسرائيل في حرب أكتوبر حيث كنت قائدا لمدفعية الجيش الثالث واطلقنا قذائفنا علي مدي‏53‏ دقيقة ومهدنا الطريق لعملية العبور وتشييد الكباري ودفع المقاتلين إلي شرق القناة فالمدفعية منعت دبابات العدو في العمق من الوصول لخط بارليف وأزالت الألغام ولعبت دورا رئيسيا بقيادة الفريق الماحي بعد الضربة الجوية في تحقيق النصر ولكن علي المستوي الاجتماعي فسلاح المدفعية مترابط للغاية فحين تكون هناك مناسبة ما نتجمع سويا بصورة لافتة حتي أنهم كانوا يطلقون علينا‏(‏ الماسونية‏)‏ كناية عن حالة التآزر فيما بيننا وذلك مرجعه لطبيعة السلاح فبطارية المدفعية تتكون من‏12‏ مدفعا تتجمع في منطقة مداها‏(200‏ متر‏)‏ لذلك دائما بيننا رابطة ومحبة‏.‏
كنت عضوا في أول بعثة عسكرية إلي روسيا عام‏1958‏ فما الذي تختزله من مواقف وأحداث وأشخاص؟
حين وصلت بعثتنا إلي الاتحاد السوفيتي ومدينة‏(‏ بنزا‏)‏ تحديدا شعرنا بتأثير وطأة الحرب العالمية الثانية بالرغم من مرور أكثر من عقد علي انتهائها فالاقتصاد كان منهكا والبلد تحاول أن تتعافي وتنهض من أنقاض الخراب كان بصحبتي آنذاك المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة ويوسف صبري أبو طالب اللذان سيصبحان وزيري الدفاع فيما بعد وأحمد المتيني محافظ أسوان لاحقا وكنا نقطن في مبني دراسي واحد ونحرص علي تواجدنا الجماعي‏,‏ في تلك الآونة كان بدل الصرف المرسل إلينا يقدر بمائة وخمسين جنيها شهريا كنا نقوم بتغييرها إلي جنيهات ذهبية في سويسرا والجنيه الذهب يقدر ب‏500‏ روبل تقريبا وكنا نبدو مثل أثرياء الخليج في بلادنا لأن أهل البلاد كانوا يعانون شظف العيش يسكنون كل ثلاث أسر في شقة مشتركة الرجل يمتلك قميصا وبنطلونا وفي الشتاء يضع فوقهما البالطو العتيق يبتسم اللواء منير ويتذكر قائلا‏:‏ في إحدي المرات أثناء مغادرتنا المطعم في إحدي ليالي الشتاء الروسية القارسة فوجئت برجل يشدني من ملابسي ويطالبني بنزع البالطو ويتساءل لماذا ارتدي مثل هذا البالطو وهو لا؟ فقلت له‏:‏ ارتد أنت أيضا ما تشاء وظهر من حديثه أنه يعتقد أننا قادمون من الدول الشيوعية علي حساب روسيا الأمر الذي ضايقه كثيرا فاخرج من جيبه‏'‏ لكمة حديدية‏'‏ وهم بتصويبها ناحية وجهي فأسرع أبو غزالة ويوسف صبري أبو طالب وجريا نحوي واستدعيا البوليس وفر الرجل هاربا وبعد مرور فترة قصيرة علي تلك الواقعة حيث زادت حدة الهجوم علينا في بنزا انتقلنا إلي موسكو والمشير أبو غزالة كان من ألطف الشخصيات التي قابلتها في حياتي يشعر الإنسان بعد مرور ربع ساعة أنه دخل قلبه كان يتمتع بخفة ظل غير معهودة ولم يغيره المنصب شأن كل الأصلاء ولم تغادره روح الفلاح أبدا‏..‏ أما يوسف أبو طالب فكان طيب القلب لكنه لا يرفع الكلفة بينه وبين الآخرين واعتز بأنه لم يفتح قلبه لأحد باستثنائي وحين عينت محافظا لشمال سيناء كان سعيدا لأنه كان يشغل هذا المنصب من قبل وذكر لي أن مبعث رضائه هو ثقته بأنني لن أتحدث عنه إلا بالخير‏.‏
عدتم من البعثة في بداية الستينيات فكيف تمت الاستفادة بخبراتكم‏..‏ وكيف شعرت بوطأة الهزيمة‏..‏ فالحزن والانكسار يوجد ألف حالة كما يقال فكيف كانت حالك؟
كنا أول بعثة تدرس العقيدة العسكرية الشرقية‏..‏ كل البعثات التي سبقتنا كانت تدرس العقيدة الغربية سواء كانت إنجليزية أم أمريكية وعلي مستوي كتيبة أي سلاح واحد‏..‏ لكننا كنا أول بعثة تدرس الأسلحة المشتركة وكانت هي الأسلوب المعاصر للمعارك حيث تتناغم جميع الأسلحة في تحقيق هدف واحد كان الحماس يملؤنا وطلبنا من الماحي أن نقوم بتدريس ما حصلناه من علوم عسكرية وفي تلك الفترة كانت شلة المشير عبد الحكيم عامر وعلي شفيق علي وجه الخصوص وآخرين يسيطرون علي سلاح المدفعية بالرغم من أن رتبهم لا تزيد عن مقدم أو عقيد علي الأقصي وحين طالبنا علي شفيق‏(‏ أنا وأبو غزالة ويوسف أبو طالب‏)‏ برغبتنا هذه أجابنا علي شفيق بحدة قائلا‏:'‏ بقول لكم ايه‏..‏ نحن لا نريد دكاترة في الجيش ولكن ولاد جدعان‏!'‏ وانتظرنا أكثر من سنة حتي سمح لنا بعمل هذه الدورة ولم تستغرق أكثر من ثمانية شهور وتزاملنا نحن الثلاثة مرة أخري في أكاديمية ناصر عام‏1971‏ عقب ذلك تولي أبو غزالة قيادة مدفعية الجيش الثاني وتوليت رئاسة أركان حرب الجيش الثالث بعد مرور الغيمة الكثيفة التي خلفتها هزيمة‏1967‏ في نفوسنا أصبحنا فاقدين الثقة في قيادتنا العسكرية تماما فالمعنويات سيئة وكنا لا نكترث بتنفيذ الأوامر ونقول فيما بيننا انهم لا يفقهون شيئا باستثناء أوامر الفريق محمد فوزي فكانت كالقدر لابد أن تنفذ وعهد إلينا بتدمير الصواريخ التي كانت تطلقها إسرائيل في حرب الاستنزاف واستمر معدل أدائنا ومعنوياتنا في الارتفاع حتي سبتمبر‏1968‏ حيث طلب منا عدم التوتر وتجهيز الجبهة وتهدئة الأجواء والامتناع عن القتال أو رد الضربات خاصة إذا لم تكن هناك خسائر‏..‏ فالقوات المسلحة لم تكن سببا في هزيمة‏1967‏ ولكنها كانت ضحية لها‏!!‏
حادث المنصة ومشهد اغتيال الرئيس السادات لا يمكن أن يمحي من ذاكرة من شاهده كما تهيأ لك فكيف كان شعورك وأنت تري أحد أفراد وحدتك يتوجه برشاش صوب المنصة ؟
أنه يوم كئيب للغاية بالرغم من أن بدايته كانت عادية تماما فقد كنت أجلس في الصف الثالث‏..‏ وظهرت طائرات القوات الجوية بدخانها الأحمر والأزرق متزامنة مع مرور طابور المدفعية الخاص بوحدتي حيث كانت تمر مدافع‏130‏ مللي روسية الصنع وفجأة تعطل مدفع ووقف أمام الرئيس وكانت مركزا انتباهي صوب المدفعية لا الطائرات فقلت‏:‏ يا له من حظ سيئ ولم تمر ثوان حتي تحرك المدفع فقلت الحمد لله ثم توقف مرة أخري ونزل خالد الإسلامبولي وفي يده رشاش مصوبا تجاه المنصة وبدأ الأفراد المصاحبون له في قذفنا بالقنابل‏..‏ فشعرت بحزن شديد وحدثت نفسي قائلا‏:‏ للأسف الشديد انها أتت من بيننا من سلاحي‏..‏ وحدث هرج ومرج وكان ما كان‏..‏ وفيما بعد روي لي المشير أبو غزالة أنه شعر في البداية بالحزن الشديد لأنه اعتقد أن الإسلامبولي يقصده تحديدا‏..‏ ورأيت السادات والدماء الداكنة تسيل من فمه فأدركت أنها دماء الموت وكان أبو غزالة ذاهلا لا يرد كلمته مررا حتي اطمأن عليه وعلي الفور اتبعت المدفع بعربتي وتوجهت لمكان التجمع لأن الإسلامبولي ضرب عليه النار هو وشخصان آخران وهرب الثالث ثم تم إلقاء القبض عليه لكن الجرار كان به بعض العساكر الذين لا يعرفون شيئا عن العملية بأكملها فأحضرتهم إلي مكتبي وسألتهم ماذا حدث وأخبروني أن الإسلامبولي أحضر ثلاثة عساكر من الجيش قبل العرض بليلة واحدة وادعي أنهم من اللواء‏333‏ وطلب منهم الوقوف خدمة علي مخزن السلاح ومن العجيب أن الإسلامبولي كان يشكو قبل العرض بأسبوع بأنه اشترك لمدة ثلاث سنوات متصلة في العرض لأننا استعنا به حين اعتذر زميله لمرضه‏..‏ أي أن فكرة الاغتيال اختمرت في ذهنه قبل تنفيذها بأسبوع بإيعاز من عبود الزمر وشاءت الأقدار أن الرئيس السادات لم يستعن بحراسته مستندا لأنه يجلس وسط أبنائه‏.‏
نحتفل هذه الأيام بأعياد تحرير سيناء‏..‏ بصفتك كنت محافظا لشمال سيناء لمدة أربعة عشر عاما هل كان من الممكن تحرير بقية سيناء دون اتفاقية كامب ديفيد ؟
بالطبع لا‏.‏ فالسادات بذل أقصي ما يستطيعه في الحرب طبقا للإمكانات والظروف المحيطة‏..‏ فما زالت الجولان محتلة وما زال صوت السادات في أذني وهو يخطب قائلا‏:‏ يا حافظ بقولك انضم لنا والذي سيتم في سيناء سيتم في الجولان‏.‏
بعض المعترضين يقولون إن سيناء كان يمكن تحريرها دون كل التنازلات التي قدمتها مصر في الاتفاقية وجعلت منها منطقة منزوعة السلاح يسهل الاستيلاء عليها ما رأيك؟
هذا كلام غير صحيح علي الإطلاق فسيناء تساوي وزنها ذهبا فمساحتها تبلغ‏61‏ ألف كيلو متر مربع أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل إضافة لثرواتها المعدنية وطبيعة تربتها ومناخها المعتدل معظم شهور السنة كما أنها من أنظف البيئات عالميا بشهادة الخبراء إضافة إلي سواحلها الممتدة علي البحرين المتوسط والأحمر وسيناء ليست منزوعة السلاح وعقب تخرجي في الحربية مباشرة خدمت بالعريش ولم يكن بها يوما قوات أكثر من التي تتواجد فيها حاليا وهي في المنطقة‏(‏ أ‏)‏ فرقة مشاة ميكانيكا ومدفعية من ثماني بطاريات والمنطقة‏(‏ ب‏)‏ حتي الشيخ زويد ويتواجد بها حرس الحدود مدعم بالهليوكوبترات والعربات المدرعة والشرطة المدنية في المنطقة‏(‏ ج‏)‏ فمن الناحية العسكرية لا يوجد أي مبرر للخوف في ظل وجود نفق أحمد حمدي وكوبري مبارك فإذا حدث اعتداء فمن السهل تعبئة الجيش لأن الحرب لا تقوم فجأة ولكن لها نذر‏.‏
كتب أحمد رجب في نص كلمة يقول‏:‏ نحن كالبقال الذي علق يافطة‏'‏ غدا البيع شكك ونحن نقول غدا نعمر سيناء ولم نفكر في إقامة منطقة صناعية حتي أصبحت مثل الشقة الخالية تسيل لعاب اللئيم ويا خوفي يغيروا الكالون ويرموا كراكبنا في الشارع فليس لنا فيها أي عفش ويتم الاستيلاء عليها وعلي المتضرر اللجوء للأمم المتحدة‏'‏ هذه المخاوف تراود الكثيرين فما السبيل لإبعادها ؟
سيناء هي بوابة مصر الشرقية وقد تعرضت لكل الغزوات بدءا من الهكسوس حتي الغزو الإسرائيلي في عام‏1967‏ فسيناء كانت منطقة عازلة تجري علي أرضها الحروب فمحافظ سيناء حتي عام‏1946‏ كان إنجليزيا‏_‏ وكان الأهالي محرومون من الخدمات وأمن مصر يتوقف علي أمن سيناء‏..‏ وذلك لن يتحقق إلا بزرعها بالبشر المنتمين المتملكين لأرضهم كما كنت أفعل فقمت بتمليك الأرض لمن يزرعها مقابل خمسين جنيها للفدان فزادت الرقعة الزراعية من‏28‏ ألف فدان إلي‏307‏ آلاف فدان عام‏1994‏ وفوضني يوسف والي بتوقيع عقود الملكية لأهالي سيناء واستندت إلي أنني لن أقوم بهذه الخطوة إلا بعد ظهور الخضرة في الأرض‏..‏ ولا ننسي أن زراعة الصوب بدأت من سيناء‏..‏ ومن الجدير بالذكر أن ترعة السلام التي تم بدء تنفيذها عام‏1994‏ لم تستصلح إلا‏25‏ ألف فدان في حين أن المخطط كان يفترض أن تصل إلي‏400‏ ألف فدان‏..‏ كان مجموع المدارس في شمال سيناء وجنوبها‏29‏ مدرسة حين توليت المسئولية‏,‏ وصلت قبل بدء المشروع القومي إلي‏440‏ مدرسة بالإضافة للمستشفيات وشق الطرق‏..‏ فسيناء تحتوي علي كنوز عديدة‏..‏ فالرمال البيضاء بها تصل نسبة السيلكون فيها إلي أكثر من‏99%‏ وهي تصلح لصنع الخلايا الضوئية‏..‏ إضافة إلي أن أهلها من أكثر أبناء مصر انتماء وارتباطا بأرضهم وهم يكرهون اليهود لسوء معاملتهم لهم قبل‏1973‏ فكانوا يأتون بشيخ القبيلة ويخلعون عقاله ويأمرونه بجمع القمامة من الطرقات لكي يشعر بالمهانة‏.‏
ولكن يقال عنهم في الآونة الأخيرة انهم يضمون بين قبائلهم بعض الإرهابيين وتجار المخدرات فما السبب في ارتفاع هذه النغمة السائدة ؟
عدم الفهم بصفة عامة لطبيعة المجتمع في سيناء وعدم معرفة نظام القبائل فأنا أفتخر أنني تعلمت من أبناء سيناء وتأثرت بأفكارهم وهم الذين أرشدوني لمعالمها وطرقها‏..‏ وكانوا يقترحون بعض المشرعات المفيدة فكنت أناقشها مع الجهاز التنفيذي للمحافظة ثم نقوم بتنفيذها في حال جدواها‏..‏ لكنني بدوري كنت حريصا علي الاختلاط بهم‏..‏ أجالسهم علي الأرض فوق المراتب الاسفنج أشاركهم ولائمهم حريصا علي حضور جلساتهم وخاصة جلسات القضاء العرفي وتسمي‏(‏ الجاهة‏)..‏ وهو أعدل قضاء شاهدته في حياتي حيث يتم الاستعانة بثلاث قضاة كل طرف يعين قاض والثالث يكون محايدا‏..‏ وكلمة الشرف وكبار رجال القبائل سيف مسلط علي الجميع فلا يخرج أحد عن طاعة القبيلة ولو حدث ذلك يطلق عليه كلمة‏'‏ مشمس‏'‏ إشارة لابتعاده وتواجده بعيدا عن قبيلته في الهواء والشمس ومعظم هؤلاء المشمسين وهم قلة يقطنون الجبال وقد يتحولون إلي إرهابيين‏..‏ فهم يخرجون في البداية عن نظام القبيلة ثم المجتمع بأكمله‏..‏ وكنت حريصا علي عقد مؤتمر للمشايخ شهريا وكثيرا ما كان يرافقني مدير الأمن لزيارة بعض القبائل‏..‏ إضافة إلي أن أبناء سيناء قاموا بعمليات فدائية عديدة وتحملوا المشاق والمصاعب بعد‏1967‏ لكنهم رفضوا أن يتركوا أرضهم أو يتم تدويلها كما كان يريد موشي ديان في مؤتمر الحسنة الشهير وأحرجه سالم الهرش أمام الصحفيين العالميين وقال له نحن مصريون ولاؤنا لجمال عبد الناصر‏.‏
لماذا قامت إسرائيل بهدم‏'‏ يامت‏'‏ وسوتها أرضا هل حاولت معرفة الأسباب من الأهالي أو المسئولين ؟
أقامت إسرائيل في سيناء‏(13‏ مستعمرة‏)‏ مساحتها من خمسين إلي مائة وخمسين فدانا وكان بالعريش مستعمرة واحدة‏..‏ ومن الملاحظ أنهم كانوا يستشعرون أنهم سيتركون سيناء عاجلا أو آجلا بعد حرب‏1973‏ أما مستعمرة ياميت والتي تبعد عن رفح‏(10)‏ كيلو مترات فقد حرص شارون بالفعل علي هدمها بالرغم من أنها لم تكن مستعمرة زراعية ولكن مخصصة لكبار الضباط الإسرائيليين وفيما بعد سألت السفير الإسرائيلي عن السبب فقال‏:‏ فعلنا هذا خوفا من عودة سكان هذه المزرعة مرة أخري الأمر الذي قد يهدد السلام بيننا‏.‏
ما الذي تتمناه لسيناء‏..‏ التي يبدو أنك مازلت مغرما بها؟
بالطبع‏.‏ أنا لا أمل الحديث أبدا عن سيناء وأتمني أن يتم تأسيس جهاز قومي يتولي مسئولية تنمية وتعمير سيناء علي أن يتبع رئيس الجمهورية مباشرة أو رئيس مجلس الوزراء وأن يتوافر كل الخبراء والإمكانيات والمعلومات من مركز معلومات مجلس الوزراء فهي من الممكن أن تستوعب ما يقرب من ثلاثة ملايين نسمة ولا يقطنها حاليا سوي أقل من نصف مليون ولكن من مصلحتنا المحافظة أيضا علي نقاء القبائل لأن الاختلاط حين يأتي طبيعيا من الدلتا وبقية مدن مصر ستحدث التنمية دون تراجع وأتمني إلغاء الفراغ فهو يغري بالاعتداء وفقا للمبادئ العسكرية التي تعلمناها‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.