التحول يحدث مع الفنان عند اللحظة التي يصل فيها إلى منطقة يشعر فيها أنه يفتقد، رغم التقنيات الأكاديمية واحترافيته في استخدام اللون، ما يود إيصاله للمتلقي، ومنه نشأ السؤال لدى الفنانة جيرالدين شونسار، عند مشاركتها لمعرض «العب» في مركز تشكيل، المستمر لغاية 24 أبريل الحالي: ما الذي يمكن أن يصنعه الفنان عند وصوله إلى مساحة يفترض - رغم إجادته لها - أنها لا تزال غير مكتملة؟ بالنسبة للفنانة جيرالدين شونسار فإن الطريقة المثلى تتجلى في أنها نادت الطفل الذي بداخلها، ليحقق بذلك عفوية الروح في الخلق.. أمام العقل الأكاديمي في تنفيذه للآليات والتصورات على مستوى الشكل. أما اللوحة الفنية التي شاركت بها شونسار، فاتسمت بالبعد التفاعلي، فبالقرب من اللوحة وضعت مرآة صغيرة، تحرض الجمهور على الوقوف أمام العمل الفني، ورؤيته بصورة تعكس فيها المرآة تفاصيل اللوحة الفنية، ويمكن اعتبار أن الرمزية النوعية التي اعتمدتها الفنانة في إيصالها فكرة العمل عميقة، أولها التمركز اللحظي للمتلقي مع ذاكرته، وربما تلمس مبدئي لرغبة اللعب التي قد يفقدها الأشخاص مع العمر، وبذلك استشعار إحساس العفوية الوجودية، فالأخير حضر في الممارسة الفنية التي سعت الفنانة شونسار، إلى مزجها مع التقنيات الأكاديمية، قائلةً حول التجربة: «أحب الرسم، والتقنيات الأكاديمية ضرورية لإدراك العمل الفني، ولكني وصلت إلى مرحلة ما، شعرت فيها بالضجر، ما تشكل لدي إحساس رهيب مع الوقت، في أن أنادي الطفل الذي بداخلي عبر ممارسة عفوية الرسم التي تجعلني أخطئ وأكرر، دونما التدقيق بالمعيار العملي البحت». أضافت الفنانة جيرالدين شونسار، أنها تستمتع جداً بتأمل الأطفال وهم يرسمون، وأنه من الصعوبة أحياناً استيعاب مدى أهمية ما يود الطفل إيصاله من خلال رسوماته، خاصة أنه يواجه صعوبة دائماً في طريقة التعبير عن ما يود مشاركته مع الآخرين، لذلك فإن ما تسعى إليه خلال عملها في مجال الفنون، أن تساعد الطفل على استخدام أشكال التعبير المختلفة، والملفت للانتباه - كما أوضحت الفنانة - أن قصص الأطفال عادةً ما تكون مفاجئة ومدهشة لنا جداً. وخلال حديثها عن مسارات مشروعها، توقفت الفنانة لمشاركة رجل كبير في السن، يود التفاعل مع عملها الفني: أمسك المرآة الصغيرة، وجلس ينظر للوحة الفنية المليئة بذاكرة الطفولة، والحركة الداخلية المكتظة بعفوية التماهي مع الأشياء، وربما السؤال الأهم في تلك اللحظة: هل يُنظر للرجل المسن على أنه طفل، في اللحظة التي يتواصل فيها مع طفولته، وما مدى تجذر الطفولة في ذاتنا الإنسانية، كونها أحد المصادر الأساسية للإبداع؟!