للدراما التاريخية دور بارز في مهرجان البندقية السينمائي في دورته الخامسة والسبعين (29 أغسطس/آب إلى 8 سبتمبر/أيلول)، ولعل أفضل ما شاهدناه في المهرجان من هذه الأفلام فيلم «بيترلو» للمخرج البريطاني مايك لي. «بيترلو»، المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، فيلم ضروري ويأتي في لحظة نحتاجه فيها تماما، كما لو أنه يثبت أن الماضي يعيد نفسه في الحاضر. فيلم سياسي خطابي، ولا يخفي ذلك، يقدم رسالته السياسية المطالبة بالحقوق والديمقراطية بوضوح وجلاء لا يخفت له صوت. فيلم ممتد ملحمي، تفوق مدته الساعتين ونصف الساعة، فيما يشبه صيحة ممتددة غاضبة ترددها جموع سُلبت حقوقها، وليس في يدها سلاح سوى الخروج بالآلاف للمطالبة بالحقوق والحق والعدل. يصور الفيلم الأحداث التي أدت إلى التدخل القامع للشرطة وخيالتها ما أدى إلى مقتل عدد من المتظاهرين من الكادحين والفقراء المطالبين بحقوقهم في بيترسفيلد في مانشستر في إنكلترا عام 1819، في مذبحة يعرفها التاريخ باسم مذبحة بيترلو. الفيلم يحيي ذكرى من قضوا في هذه المذبحة، في الوقت الذي يشير فيه إلى التشابهات بين ما جرى في السابق وما يجري في وقتنا الحالي من أحداث. يبدأ الفيلم بساحة القتال في معركة ووترلو، بعد أن حققت بريطانيا انتصارها على نابليون والفرنسيين، وبينما يحتفل القادة ويطالب البرلمان بإغداق العطايا على القادة العسكريين الذين قادوا الجيش للنصر، نرى جنديا نحيلا يبدو عليه الذهول. الجندي هو جوزيف (ديفيد مورست)، ابن أسرة كادحة من العاملين في صناعة النسيج في مانشستر. يتابع لي في عدد من المشاهد رحلة الجندي المنهك المصدوم من ساحة القتال، حتى ينهار في حضن أمه في بيت الأسرة في مانشستر. ليست قصة جوزيف القصة الوحيدة أو الرئيسية في الفيلم، ولكنه واحد كغيره من آلاف الفقراء والكادحين الذين لا يجدون قوت يومهم، والذين سُلبوا حقوقهم. عبر عدد من الشخصيات والمواقف يصور لي الإحساس بالغبن والظلم الذي يعتمل لدى الكثيربن، والإحساس بالغضب لدى الفقراء والمهمشين الذين تجبى منهم ضرائب باهظة، ولا يحصلون على أي حقوق. الغضب يمور في الصدور، ويقرر الناس الاحتشاد في بيترزفيلد في مانشستر في مظاهرة حاشدة للمطالبة بحقهم في التصويت في الانتخابات وللمطالبة بإصلاحات سياسية وبرلمانية.