رئيس الوزراء يهنئ شيخ الأزهر بعيد الأضحى المبارك    تراجع أسعار الذهب عالميا مقتربة من أدنى مستوياتها في شهر واحد    رئيس البورصة ل«المصرى اليوم»: جاهزون لاستقبال كافة الطروحات ولدينا شركات تحت القيد أسبوعياً    حملات مكثفة لإزالة التعديات على الأراضي الزراعية في الشرقية    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح المسوّق بالكامل لشركة «أرامكو» بقيمة 11 مليار دولار في سوق الأسهم السعودية    تجار الدواجن في الأقصر: الأسعار ستظل مرتفعة مع استمرار تخفيف أحمال الكهرباء    عضو ب«الشيوخ» يثمّن كلمة الرئيس السيسي بمؤتمر إغاثة غزة    حزب الله يعلن مقتل أحد عناصره من جنوب لبنان متأثرا بجرح أصيب به قبل أيام    الأهلى يطلب من منتخب فلسطين الملف الطبى للمهاجم أبو علي    جواو فيليكس: مستعدون لليورو.. والهزيمة أمام كرواتيا أعادتنا للمسار الصحيح    حازم إمام يصدم الزمالك في ملف نادي القرن الأفريقي    كومباني يحدد أول صفقاته في بايرن    بزجاجات المياه.. أولياء أمور طلاب الثانوية العامة بالقليوبية ينتظرون أبناءهم أمام اللجان    السكة الحديد: إجراء بعض التعديلات على القطارات الإضافية خلال عيد الأضحى    وزيرة التضامن تتابع استعدادات تصعيد حجاج الجمعيات الأهلية للمشاعر المقدسة    «نفوق 8 مواشي».. السيطرة على حريقين بمزرعة ومنزل في بني سويف (تفاصيل)    سائق «توك توك» و«حداد» يطعنان شخصين بسبب مشادات بينهم في سوهاج    وزيرة الثقافة تنعى فاروق صبري رئيس غرفة صناعة السينما.. «رمزا للكاتب المبدع»    «الأوقاف» تحدد ضوابط صلاة عيد الأضحى وتشكل غرفة عمليات ولجنة بكل مديرية    «أوقاف شمال سيناء» تقيم نموذج محاكاه لتعليم الأطفال مناسك الحج    حماية العيون من أضرار أشعة الشمس: الضرورة والوقاية    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد جمعيتين بالشرقية    الكويت: أكثر من 30 حالة وفاة وعشرات الإصابات في حريق جنوب العاصمة    رئيس الوزراء اليوناني: تيار الوسط الأوروبي لديه الزخم للتغيير بعد انتخابات البرلمان الأوروبي    اليونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة يواجهون خطر الموت أمام أعين عائلاتهم    «التعليم» تحدد حالات الإعفاء من المصروفات الدراسية لعام 2025 الدراسي    والدة طالب الثانوية الذي مُنع من دخول امتحان الدين ببورسعيد: «ذاكروا بدري وبلاش تسهروا»    عضو لجنة الرقابة الشرعية: فنادق الشركات المقدمة للخمور تنضم لمؤشر الشريعة بشرط    محافظ الغربية يتابع مشروعات الرصف والتطوير الجارية ببسيون    "مواجهة الأفكار الهدامة الدخيلة على المجتمع" ندوة بأكاديمية الشرطة    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    محافظ أسوان يشهد حفل التخرج السنوي لمدارس النيل المصرية الدولية    توقيع بروتوكول تعاون ثنائي بين هيئة الرعاية الصحية ومجموعة معامل خاصة في مجالات تطوير المعامل الطبية    ملايين الجنيهات، التفاصيل الكاملة لسرقة شقة الفنان تامر عبد المنعم    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    تعرف على التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    بدأ مشوار الشهرة ب«شرارة».. محمد عوض «فيلسوف» جذبه الفن (فيديو)    طفرة تعليمية بمعايير عالمية    مصطفى مدبولى يهنئ الرئيس السيسى بعيد الأضحى المبارك    بايدن يدرس إرسال منظومة صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا    "مقام إبراهيم"... آيةٌ بينة ومُصَلًّى للطائفين والعاكفين والركع السجود    رئيس إنبي: لم نحصل على أموال إعادة بيع حمدي فتحي.. وسعر زياد كمال 60 مليون جنيه    ترتيب مجموعات أفريقيا في تصفيات كأس العالم بعد الجولة الرابعة    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم إلى غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    أفلام عيد الأضحى تنطلق الليلة في دور العرض (تفاصيل كاملة)    موعد مباراة سبورتنج والترسانة في دورة الترقي للممتاز والقنوات الناقلة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    ماذا يحدث داخل للجسم عند تناول كمية كبيرة من الكافيين ؟    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    ناصر أبو بكر: 20 % من صحفيي فلسطين استشهدوا وأصيبوا فى حرب غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكتب على هواي وأسمي ذلك رواية
نشر في نقطة ضوء يوم 19 - 05 - 2018

كنت في الخامسة عشرة حين حظيت بمخطوط قديم كان كتبه شيخ من أهل ضيعتنا الراحلين. كان مكتوبا بخطّ اليد، ومخاطا باليد أيضا، ومغلّفا بورق أكثر سماكة من الأوراق التي خُطّت عليها النصوص. وقد قدّرت عمر المخطوط آنذاك بنحو مئة عام، إذ كان الذي أهداني إياه، وهو ابن كاتبه، في السبعين، فيما الأب الشيخ، لا بد أنه كان في مطلع شبابه حين أنهى كتابة مخطوطه. حين رحت أقلّب الصفحات، محاذرا ومتهيّبا، أحبطني أن أجد حصّة الشيخ منها قليلة. كان شاعرا لكن ليس له في المخطوط إلا ثلاث قصائد أو أربع، أما في باقي الصفحات فقصائد معروفة لشعراء بينهم أبو فراس الحمداني وأبو تمام والفرزدق كنت حافظا لبعض أبياتها.
كنت آمل أن يكون ما حزت عليه مخطوطا كاملا، أي أن يكون ديوان شاعره غير المنشور. وكثيرا ما تساءلت، فيما كنت ما أزال محتفظا بالمخطوط، لماذا بذل صائغه هذا الجهد لتدوين قصائد لسواه. هل لأنه خطّ على الورق ما يحفظه ليعود إليه كلما خذلته ذاكرته؟ هل ليضمّ نفسه إلى شعراء كبار خالدين في كتاب واحد؟ أم هل هي عادة في ذلك الزمان: أن يكون للشاعر كتابه الذي يحتوي على ما له وما لسواه.
ما أعاد تذكيري بذلك الكتاب القديم، الذي عدت وفقدته، هو كتاب صغير صدر عن دار ميريت في وقت ما من هذا العام. فبدلا من مفتتح واحد لهذا الكتاب أثبت مؤلّفه حسين عبد العليم ثلاثة مفتتحات على التوالي، وهي أجزاء من قصائد لكل من كوثر مصطفى ومدحت العدل وأمل دنقل. وفي مسار الكتاب نجد ما يشبه المفتتحات لآخرين كثيرين بينهم، أحمد شوقي وأحمد فؤاد نجم والإمام الشافعي. ذاك أن الكتاب الصغير، في جانب منه، هو سيرة مؤلّفه الخاصة بعلاقته بالكتب، وقد جمع في ذلك المخطوط قصائد ونصوصا أحبها، وأعطاه ذلك العنوان القديم «التماع الخاطرة بالسيرة العاطرة»، حتى إن كان كتّاب مفتتحاته معاصرين له ومنهم، إضافة إلى مَن ذُكروا أعلاه، يوسف إدريس وإبراهيم عبد المجيد ونجيب محفوظ وجمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم ويوسف مراد ولويس عوض، إلخ.
هي سيرة قراءة مندمجة مع سيرة حياة مقطّعة فصولا من غير رابط بينها ولا نظام. في أحيان يكون ما نقرأه بالعربية الفصحى وفي أحيان أخرى بالعامية، وفي أحيان ثالثة نقرأه متراوحا بينهما، كأن الكاتب لم يقرّر، وهو بات في منتصف نصّه، إن كان سيذهب به نحو هذه أو يبقيه عند تلك. وقد يخطر له، هكذا فجأة، أن يعيّن وجهة لكتابه، فيقول مثلا إنه عن الذاكرة، بل عن كون الرائحة هي مفتاح التذكّر عنده. في مرّة أخرى يبدو المكان ثيمة بديلة، المكان الحاضر بطاقته الخاصة وليس فقط بمشاعرنا حياله: «أتلمس الجدران وأنا أقول لها: إزّيك.. وحشتيني، شعرت بها تتحرّك رادّة عناقي التلامسي. كانت حركتها خفيفة حيية ثم انتبهت لخشيتي من وقوع البيت».
أما القصّة الأولى في الكتاب، وهي جارية على لسان ولد صغير يحاور أخته الشابة عن البيت الذي أجبرت العائلة على إخلائه. أراد الولد أن يجري تصوير كل شيء في البيت قبل مغادرته، وإن لم يرضَ والده بإعارته آلة التصوير فسيرسم ذلك كله بالقلم الرصاص. هي قصة بالعامية مليئة بالإلماحات الأدبية، التي يروح يتساءل قارئها، إن كان يمكن للفصحى أن تنقل هذا الدفق الحيوي من الكلام الجاري على رسله، العامي لكن العميق الدلالة، رغم كونه مكتنَفا بتساؤلات طفلية. هي قصّة مفردة، أو «مفتتح» كما شاء الكاتب اعتبارها، لكن من ضمن كتاب هو «رواية» حسب ما نقرأ على صفحة الغلاف.
بسبب هذا العنوان، أو التعيين (رواية) نظل، في ما نحن نقلّب الصفحات، نحاول إرجاع ما نقرأه إلى سياق متتابع، حسب ما يقتضيه «فن الرواية»، فيعاندنا ما نقرأ ممعنا في تفلّته وسيره على هواه. في أثناء ذلك نقرأ مقاطع، أو فصولا مدهشة، أو قصصا، عن الفقر والمرض، وعن اللهو بهما من قبل النساء المريضات الأخريات، المتجمّعات لأخذ حصصهن الأسبوعية أو نصف الشهرية من الكيماوي، فيرحن يرقصن بهزّ أردافهنّ وما بقي من أثدائهن التي اقتطعت منها الجراحات أجزاء. لا أظنّ أن هذا المشهد الطويل كان يمكن للفصحى أن تنقل كلّ غناه، طرافته ومأساويته معا، كما فعلت العامية التي كتب فيها.
إن كان حسين عبد العليم مصرّا على اعتبار كتابه رواية فهو، لا بدّ، أكثر الروائيين حرّية. ذاك أنه يكتب ما يحبّ أن يكتبه غير مكترثّ بتلك الآليات الصعبة والزاجرة معا بأن الرواية يجب أن تلتزم بنظامها كمثل ما يلتزم الموظّف بدوام وظيفته أو يخضع التلميذ لنظام صفّه.
كتاب محيّر وجميل. كتاب حرّ على الرغم من أنه يدفع قرّاءه إلى التساؤل: هل إنه ساع إلى ريادة ما، أم أنه كتاب هواية لكاتب يريد أن يكون بلا لقب.
……
٭ كتاب حسين عبد العليم «إلتماع الخاطرة بالسيرة العاطرة» صدر عن دار ميريت، 2018.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.