حوار- مهند الصباغ بعد مجموعة من الأعمال الأدبية المميزة، سواء روايات أو قصص قصيرة، وأيضا ترجمة بعض النصوص، صدر للكاتب محمد عبد النبي مجموعة قصصية جديدة بعنوان "كما يذهب السيل بقرية نائمة" عن دار ميريت، وهي مجموعة قصصية، تضم تضم تسع قصص تمت كتابتها على فترات متباعدة خلال خمس سنوات. الكاتب والمترجم محمد عبد النبي الذي صدر له المجموعة القصصية "في الوصل والاحتراق"، والرواية القصيرة "في الوصل"، والمجموعة القصصية "شبح أنطون تشيخوف"، كما ترجم عدد من النصوص، مثل "سبيل الحقيقة- أقوال بوذا"، ورواية "ظلال شجرة الرمان"، يحدثنا في حوار معه عن مجموعته القصصية الجديدة، وما بها من أفكار، واللغة التي كتب بها المجموعة، وأيضا عن روايته التي على وشك الانتهاء من مسودتها الأولى "بيت العنكبوت". لماذا اخترت تصدير الرواية بفقرة من رواية "إنهم يقتلون الجياد، أليس كذلك"؟ المجموعة القصصية كما يذهب السيل فيها قصة استلهمت عنوانها من هذا الفيلم فأحببت أن أشير إلى هذه الرواية وذلك الفيلم من بعيد، وبينما أقرأ الرواية اخترت فقرة مناسبة لحالة الماراثون التي يعيشها بطل قصة إنهم يأكلون الجياد، أليس كذلك؟ وهي الحالة التي نكاد نعيشها جميعاً الآن، نأكل ونحن نمشي، نعمل ونحن نستمتع، نسمع موسيقى ونحن نقرأ أو نلعب، لا نكاد نستمتع بشيء أو نستطعم شيئاً. كتبت الحوار بالعامية في "قصة محفوظية"، وكتبته بالفصحى في "خرافتنا"..فهل أنت مترددا في استخدام العامية في الحوار؟ ليس من قبيل التردد، إنما كل قصة (كل عمل، نص، تجربة) تفرض شروطها الخاصة فيما يخص تقنيات وأدوات كثيرة، ومن بينها بالضرورة الحوار وهل نكتبه بالفصحى أم بالعامية، وليس لدي أي قرار نهائي بهذا الشأن، يجب أن يخدم الحوار ولغته التجربة ككل، وليس العكس وبالتالي فالمرونة مطلوبة على الدوام، المفارقة أن محفوظ لم يكتب حوارا بالعامية طوال حياته في نص أدبي له، اللهم إلا السيناريوهات التي كتبها والتي يستعين كثيرا بآخرين لكتابة الحوار، وحين حاولت أن أصيغ الحوار في هذه القصة على الطريقة المحفوظية لم أفلح بالمرة فاخترت أن أكون أنا في نهاية الأمر. استخدمت الراوي العليم أحيانا، والراوي المتكلم، أحيانا أخرى.. لماذا؟ أحيلك لإجابة السؤال السابق، فكل تجربة وطبيعتها الجمالية وما أريد أن أوصله من خلالها هي ما تحدد تقنياتها – فالتقنيات مثل صندوق الأدوات بالنسبة للنجار أو أدوات المطبخ ومقادير الطعام والتوابل للطاهي – لدينا الحرية التامة في استخدام أو استبعاد أي منها حسب ما نود أن نصنع أو نطبخ. أغلب قصص المجموعة جاءت طويلة نسبيا، فإلى أي مدى تؤمن بالتكثيف في كتابة القصة القصيرة؟ حتى في القصص الطويلة أو المتوسطة التكثيف مهم جدا للقاص وللقصة، حتى في الرواية الطويلة التكثيف ميزة مهمة، هناك قصص لأليس مونرو لو تركت فكرتها الأساسية لروائي مبتدئ ميال للرطرطة والاستغراق في عوالم وحواديت لا لزوم لها لكتبها رواية من 200 صفحة بينما تكتبها هي في 20 صفحة، هذه جزالة حقيقية، فالمسألة نسبية، أما القصة الصفحة أو الثلاث صفحات فهي أصعب أنواع القصة وتعتبر أقصوصة ويسمونها في العالم الغربي القصة القصيرة جدا، وهي نوع يكاد يكاد مستقلا بذاته، المشكلة أننا نتعامل معه هنا باعتباره هو القصة القصيرة الأصلي ونتكلم كثيرا عن التكثيف ونحن نقصد الاختزال والخطف ونحرم التجربة من التمتين والتمهل والتريث، ومع ذلك هناك من يكتبون الآن هذا النوع في مصر بمنتهى البراعة من قبيل مجموعة محمد خير الأخيرة : رمش العين، التي تخطف حالات روحية ونفسية عميقة لتوجزها في صفحات معدودة لا تتجاوز الخمس. ولماذا "كما يذهب السيل بقرية نائمة" التي وقع عليها الاختيار كعنوان للمجموعة؟ أنا لست "شاطر" في اختيار العنوان، هذه العبارة تنسب إلى البوذا وهي عبارة جميلة، من حيث معناها ومضمونها، ومن حيث صورتها البصرية كذلك، ولذلك فمنذ أن كتبت هذه القصة قبل سنوات وأنا شبه متأكد أنني سأعطي اسمها للمجموعة ولكنني قبل النشر احترت قليلاً بينه وبين: قطط ودوائر وخزعبلا ت أخرى، وأيضاً: إنهم يأكلون الجياد، أليس كذلك؟ ، لكن انحسم الأمر لصالحها في النهاية وبعد استشارة بعض الأصدقاء الموثوق فيهم. قلت إن بعض النصوص كتبتها منذ خمسة أعوام، فلماذا اخترت ضمتها ضمن نصوص أخرى حديثة في مجموعة قصصية واحدة؟ هناك نوعان من المجموعات القصصية، الأول تكتب كل قصصه وفي ذهنك حالة واحدة تحاول التعبير عنها، والثاني تجمعه من شغلك على مدار فترة معينة، ويكون من حسن الحظ إذا وجدت جو عام يسود القصص أو وحدة جمالية إلى حدٍ ما – وهذه المجموعة من النوع الثاني، بعض قصصها كتبت من سنوات طويلة كفكرة أو كمسودة أولى وظللت أعمل عليها على فترات متباعدة حتى شعرت أنني لا يمكنني أن أعمل عليها من جديد، ومن بينها قصة عنوان المجموعة التي كنت سعيدا للغاية وأنا أمزق مسوداتها العديدة القديمة حين انتهيت إلى صيغة شبه نهائية، لأنه تقريبا لا يوجد ما هو نهائي ليرضينا بنسبة مئة في المئة عن شغلنا أبداً. القصص احترمت التابوهات الثلاثة، فهل هي رقابة ذاتية؟ من ناحية أظن أنني قتلت الرقيب الذاتي من سنين، ولم يعد يشغلني الآن إلا عفريته، عفريت المرحوم مازال موجودا رغم وفاة صاحبه ... ومن ناحية ثانية لم أعد مشغولاً بالتابوهات الثلاثة وخصوصاً في فن القصة القصيرة – وعلى أي حال انتظر لتقرأ روايتي القادمة بيت العنكبوت وتعال نتكلم ساعتها عن احترامي للتابوهات. هناك كتّاب يعتبرون القصة المنتج الأدبي بين الرواية والأخرى، أو عمل وأخر، فكيف تنظر لفن القصة القصيرة؟ فن كتابة من بين فنون الكتابة المختلفة، له متطلباته الخاصة شأن الرواية أو قصيدة النثر أو المقال الأدبي – لكن مقارنتها طوال الوقت بفن متغوّل كالرواية هو ما يظلمها – القصة قبلة في الهواء والرواية ليلة كاملة في حضن الحبيب أو ربما شهر عسل، والفارق كبير بين دلال القبلة وتشويقها وبين شبع العسل ونهمه. وهل أنتهيت من روايتك الجديدة "بيت العنكبوت"؟ أدعو الله أن تكون جاهزة للنشر مع نهاية هذا العام 2014 – وإلّا فلن تنتهي أبداً – أنا أوشك على الانتهاء من المسودة الأولى فقط، لكنها كما تعرف مجرد خطوة أولى نحو المسودة النهائية التي سأكون راضياً عنها بما يكفي للتغاضي عن المشكلات التي مازلتُ أراها ولا أرى لها حلاً مع ذلك.