الأديب الشاب: تكميم الأفواه قبل الثورة كان حافزًا لدفع الأفكار السياسية إلى سطح قصصى لم أتحمس للكتابة عما أعيشه يوميًّا فى مهنة الطب.. وأكتب لأنتقل إلى عالم مغاير بعد روايته الأولى «رائحة مولانا»، صدرت له مؤخرًا مجموعة قصصية بعنوان «فى مواجهة شون كونرى» عن دار «روافد»، التى ضمت 20 قصة قصيرة كتبت فى الفترة بين عامى 2006 و2012. كان من بينها قصص سياسية، وأخرى فانتازية. الأديب الشاب أحمد عبد المنعم رمضان يحدثنا فى حواره مع «التحرير» عن مجموعته القصصية الجديدة، وكيف أثرت السينما على كتاباته الأدبية، وتصنيفه لما يكتبه من قصص. ■ تناولت الواقع السياسى فى مصر فى عدة قصص بالمجموعة، كلها كتبت قبل الثورة، فهل تجنبت الكتابة السياسية بعد 25 يناير؟ - حالة القهر والكبت وتكميم الأفواه قبيل الثورة كانت حافزًا يدفع الأفكار السياسية إلى سطح قصصى. لم أتعمد تجنب كتابة القصص السياسية بعد الثورة، بل إننى كتبت واحدة أو اثنين لم تتضمنهما المجموعة، لكن الحاجة النفسية إلى كتابة قصص متعلقة بالسياسة فى ظل حالة السيولة التى نحياها قلت جدا، وبالتالى قلت القصص المتعلقة بالواقع السياسى بشكل مباشر. ■ القصص التى تناولت واقع المجتمع جاءت مباشرة على عكس أغلب باقى قصص المجموعة.. فهل تعمدت ذلك؟ - بشكل عام لا أتعمد المباشرة أبدًا، وأحاول تجنبها طالما تمكنت. وأظن أن القصة الوحيدة التى ينطبق عليها سؤالك هى قصة (نيوتن الذى لا تعرفه)، التى اعتقدت أن خطها الساخر، الذى قام على مزج فترات تاريخية ببعضها البعض سمح لى بالتعبير عن بعض الأفكار عبر شخصية نيوتن دون أن أتورط فى محاضرات أو تنظير سخيف، أو هكذا أتمنى. ■ بدأت المجموعة بقصة «رقصة تانجو»، وأنهيتها ب«فى مواجهة شون كونرى».. فهل الفنون الأخرى كالرقص والسينما أثرت على كتابتك؟ - بفترة الثانوية العامة ولسنين بعدها، ظللت مهووسًا بالسينما، خصوصًا بالإخراج السينمائى، حتى إن أبطالى الشخصيين كانوا ستيفن سبيلبرج وخيرى بشارة وشريف عرفة وغيرهم، وكنت أخطط حينها أن التحق بمعهد السينما. وفى فترة المراهقة كانت ثقافتى سينمائية بالأساس، لم أفقد هوسى بالسينما بعد، وما زلت أتأثر بها أثناء كتابتى. كما أننى أتردد بشكل منتظم على الحفلات الموسيقية والأوبرالية. وأعتقد أن هناك شيئًا مشتركًا بين كل الفنون، ومن المفيد للفنان -بأى من ألوان الفنون- أن يتابع باقى اتجاهاتها ويتفاعل معها بشكل مستمر. ■ ولماذا اخترت «فى مواجهة شون كونرى» بالتحديد لتكون عنوانًا لمجموعتك؟ - لم يكن متاحًا أن يكون للمجموعة عنوان جامع لكل القصص بسبب تنوع أنواعها وأفكارها. لكنى أظن أن فكرة (مواجهة شون كونرى) كانت موجودة بكثير من القصص، فقد مثل شون كونرى فى قصتى نموذجًا لشخص تقليدى كلاسيكى وجامد، وأظن أن كثيرين من أبطال القصص كانوا فى مواجهة شون كونرى بهذا المعنى، راقص التانجو ونيوتن وعادل نسيم فى هدوء تام وسارة التى تصعد إلى القمر ليلا، والشاب التائه بليلة صيف هادئة، وكذلك بقصة أهمية أن تكون وقحًا، جميعهم كانوا بمواجهة شون كونرى. ■ قصص المجموعة كُتبت فى الفترة ما بين 2006، وحتى 2012.. فهل هناك تغيرات طرأت على كتاباتك على مستوى اللغة أو الأفكار خلال هذه الفترة؟ أو بمعنى آخر هل شعرت برغبة فى تعديل أجزاء من القصص التى كتبت فى البداية؟ - لم أحتاج إلى تغيير شىء بأفكار القصص أو بنائها، لكنى عانيتُ فى إعادة صياغة الجمل وإعادة تنسيق اللغة واختيار الألفاظ، فبدا لى أن تغييرًا كبيرًا قد طرأ على طريقتى وقدرتى على السرد خلال السنين الست. ■ هناك اتجاهات مختلفة فى المجموعة.. منها الواقعى، ومنها الفانتازى، وآخر فلسفى يتعلق بفكرة الحياة.. فهل هناك رابط يجمع بين هذه الاتجاهات المختلفة؟ - لقد اخترت القصص العشرين التى تضمها المجموعة من حوالى ضعف هذا العدد. وكنت حريصًا فى اختيارى على الحفاظ على روح واحدة للمجموعة، قد تكون الأفكار متنوعة، لكن النسيج واحد. فقد اهتممت أن لا تتضمن المجموعة قصصًا مغرقة بالواقعية، وأن تتمتع بهدوء نسبى، ألا تكون صاخبة، باستثناء قصتين دستهما لكسر الإيقاع قليلًا دون تزيد. وبرأيى أن الفانتازيا والنظرات الفلسفية للحياة متشابكين إلى حد بعيد، فالخيال الجامح يعطيك فرصة للتأمل والإبحار فى أفكار فلسفية لا تستطيع أن تمسسها بأنواع أخرى من القصص. ■ فى تعريف المجموعة، كتبت أن المجموعة مغلفة بأطر من الفانتازيا.. فهل تصنف أعمالك، أو بشكل أعم تصنف نفسك كاتبًا فانتازيا؟ - لقد كنت حريصًا أن لا أصنفها صراحة بأنها عمل فانتازى، وتعمدت اختيار تعبير (مغلفة بأطر من الفانتازيا)، فليست كل قصص المجموعة فانتازية كما قلت لى بالسؤال السابق، لكن لا تكاد تخلو قصة منهم من خط أو تعبير أو نفحة من الخيال. لست ناقدًا جيدًا، ولست قادرًا على اختيار تصنيف محدد لما أكتبه، قال لى الكاتب الكبير سعيد الكفراوى ذات مرة بأن كتاباتى أشبه بالأساطير، ووصفها لى آخرين بالواقعية السحرية، ولست متأكدًا من التصنيف الأصح، ولست مهتمًا أيضا إلا بجودته. وعلى الرغم أن ذلك الأسلوب الخيالى بالكتابة يستهوينى إلا أننى لا أتردد فى تجربة ألوان أخرى من الكتابة كلما توافرت الأفكار الملائمة. ■ أكثر من قصة بالمجموعة جاءت على لسان حيوانات أو طيور.. فهل تأثرت بنصوص مثل «كليلة ودمنة»؟ - ليس بشكل مباشر، فأنا بالكاد أتذكر بعض قصصها، لكنى أجد أن عالم الحيوانات مجال خصب جداً لإطلاق الخيال، ولاكتشاف عوالم جديدة، كما أنه يتيح لى فرصة إضفاء صفات متخيلة عليهم وتوريطهم بقصص خيالية دون تحفظ ودون أن تثير خيالاتى أى ارتباك للقارئ المستعد بطبيعة الحال أن يتقبل الخيال بشأن عوالم لا يعلم عنها الكثير. بروايتى السابقة (رائحة مولانا) كان هناك فصل عن أنواع الأحصنة، وآخر تحت اسم «رائحة البهائم»، ورغم أن البهائم لا تعرق، إلا أننى افترضت أنها تعرق وأن لعرقها رائحةً مميزةً دون أن أخشى أن يثير خيالى المنافى للواقع حفيظة القارئ. ■ أغلب قصص المجموعة تطرح إما أفكارًا فلسفية وإما آراءً سياسية.. فهل أفكارك وآراؤك الخاصة تسربت لشخصيات قصصك؟ - على الرغم من أننى تعمدت أن لا تضم المجموعة قصصًا سياسية صريحة، خوفًا من إلصاق صفة الكاتب السياسى بى بعد روايتى الأولى «رائحة مولانا»، فإن بعض الأفكار قد تسربت بشكل أو بآخر عبر القصص. أظن أن آرائى تسربت لمجمل القصص، لكنها لم تتسرب إلى الشخصيات ذاتها، فليست كل الشخصيات تشبهنى أو تعبر عنى مباشرة، لكن بعضهم يعبر عن صفات افتقدها بنفسى، الشخص الذى ذهب ليكسر مكاتب عمله ويضرب مديره ويقبل الفتيات بالشارع فى قصة شون كونرى لا يشبهنى كثيرًا، لكنه يفعل بعضًا مما أعجز أنا عن فعله. الشخصيات بالقصص قد يكون بها صفة ما منى، أو صفة أتمناها فى نفسى دون أن تكون، أو شجاعة لا أمتلكها، لكنهم لا يشبهوننى تمامًا، ولذلك ليست كل أفكارهم تعبر عنى بالضبط، لكنهم بالتأكيد يقولون بعض الأشياء نيابة عنى. ■ كثير من الأطباء الذين يتجهون إلى الكتابة الأدبية، يكتبون قصصًا عن الطب، أو بطلها يعمل طبيبًا أو على الأقل تحتوى تفاصيل طبية، وذلك غير موجود بقصص مجموعتك.. فهل قصدت ذلك، أم جاء بشكل عفوى؟ - بدايةً حدث ذلك بشكل عفوى، فلم أكن متحمسًا للكتابة عما أعيشه يوميًّا، فأنا أكتب لأنتقل إلى عالم مغاير، ثم تعمدت أن أستمر بنفس الخط، فلم أتحمس أن تكون بداية كتابتى مرتبطة بفكرة كلاسيكية مكررة تستند إلى عملى بالطب. لكن بالمستقبل قد ألجأ إلى الكتابة عن تلك الأجواء ذات مرة، لكن دون تكرارها.