«حماة الوطن» يعقد مؤتمرًا حاشدًا بالإسماعيلية لدعم مرشحيه    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 16 نوفمبر    أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن.. الأحد 16 نوفمبر    استقرار أسعار الذهب الأحد 16 نوفمبر.. وعيار 21 يسجل 5455 جنيهًا    مبعوث ترامب إلى إفريقيا يدعو أطراف النزاع بالسودان للموافقة على "هدنة إنسانية 3 أشهر"    نجم مسلسل "الهيبة" السوري يعتنق الديانة المسيحية (فيديو)    مائل للبروده....تعرف على حالة الطقس المتوقعه اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 فى المنيا    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    ألبانيا أول منتخب أوروبي يحجز مقعده في ملحق مونديال 2026    رئيس هيئة المتحف الكبير: لا صحة لشائعات منع المصريين.. والزيارة بنظام التوقيتات للجميع    حملة مكبرة لإزالة الإشغالات والتعديات بالشوارع والالتزام بإعلان الأسعار في مرسى علم    هالة فاخر تشعل تريند جوجل بعد ظهورها الصريح مع ياسمين عز وحديثها عن كواليس مشوارها الفني    رئيس البورصة: تحديد 5% حد أدنى للاستثمار في الصناديق المفتوحة يزيد من السيولة    استشهاد شاب برصاص الاحتلال فى مخيم عسكر بالضفة الغربية    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    وزير الاستثمار: نستهدف مضاعفة صادرات الملابس المصرية 3 مرات بحلول 2030    رئيس قصور الثقافة يتابع حالة طلاب أسوان المصابين في حادث طريق إسنا    حبس المتهم بسرقة المتاجر في النزهة    وزير الصحة ينفي شائعات نقص الأنسولين: لدينا 3 مصانع واحتياطي استراتيجي يكفي 4 أشهر    رئيس قناة السويس: ارتفاع العائدات 20%.. وتوقعات بقفزة 50% في 2026    "دولة التلاوة".. برنامج قرآني يتصدر الترند ويُحيي أصالة الصوت المصري    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    يومًا للتضامن.. شهادات صادمة تكشف حجم الانتهاكات في الفاشر    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    مدحت عبد الهادي عن "نعش" محمد صبري: كان خفيف ومتعبش حد فينا    الاحتلال الإسرائيلي يحدد موعد لمحاكمة إمام الأقصى بتهمة التحريض على الإرهاب    أسفرت عن إصابة 4 أشخاص.. حبس طرفي مشاجرة في كرداسة    بدون إصابات.. السيطرة على حريق في برج سكني بفيصل    أهلي جدة يبدأ خطوات الحفاظ على ميندي وتجديد العقد    فيران توريس بعد دخوله نادي العظماء: الطموح لا يتوقف مع الماتادور    آسر محمد صبري: والدي جعلني أعشق الزمالك.. وشيكابالا مثلي الأعلى    "ضد الإبادة".. ظهور حمدان والنبريص والدباغ في خسارة فلسطين أمام الباسك    الدفاع الروسية: إسقاط 36 طائرة مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق    عمرو أديب بعد حادث أحمد سعد: واخد عين.. حوادثنا قاتلة رغم الطفرة غير الطبيعية في الطرق    المستشار ضياء الغمرى يحتفل بحفل زفاف نجله محمد علي الدكتورة ندى    العرض العربي الأول لفيلم "كان ياما كان في غزة" فى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    البنك الأهلي المصري يقود تحالفاً مصرفياً لتمويل «مشارق للاستثمار العقاري» بمليار جنيه    قائمة أكبر المتاجر المشاركة في البلاك فرايداي وأسعار لا تُفوَّت    إيران تحذر من تداعيات التحركات العسكرية الأمريكية في منطقة الكاريبي    الداخلية تضبط المتهمين بسرقة أبواب حديدية بإحدى المقابر بالشرقية    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. إسرائيل: لا إعادة إعمار لقطاع غزة قبل نزع سلاح حماس.. قتلى وجرحى فى انزلاق أرضى فى جاوة الوسطى بإندونيسيا.. الجيش السودانى يسيطر على منطقتين فى شمال كردفان    تريزيجيه: اتخذت قرار العودة للأهلي في قمة مستواي    رئيس الوزراء المجرى: على أوروبا أن تقترح نظاما أمنيا جديدا على روسيا    تساقط أمطار خفيفة وانتشار السحب المنخفضة بمنطقة كرموز في الإسكندرية    اختتام المؤتمر العالمي للسكان.. وزير الصحة يعلن التوصيات ويحدد موعد النسخة الرابعة    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مؤتمر السكان والتنمية.. وزير الصحة يشهد إطلاق الأدلة الإرشادية لمنظومة الترصد المبني على الحدث    (كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًا) موضوع خطبة الجمعة المقبلة    مؤتمر جماهيري حاشد ل"الجبهة الوطنية " غدا بستاد القاهرة لدعم مرشحيه بانتخابات النواب    حبس والدى طفلة الإشارة بالإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    دعت لضرورة تنوع مصادر التمويل، دراسة تكشف تكاليف تشغيل الجامعات التكنولوجية    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع شجار: نعم للفصحى
نشر في صوت البلد يوم 25 - 02 - 2018

في المترو (قطار الأنفاق) الباريسي حظيت بمقعد وبدأت قراءة مجلة أدبية هي «الحياة الثقافية التونسية» العدد 287 كانت في انتظاري في صندوقي البريدي كهدية. وانتهز الفرصة لشكر الذين يتكرمون بإرسالها لي إلى باريس منذ أعوام بفضل الصديق الأديب عبد الرحمان مجيد الربيعي العراقي/التونسي وهو من هيئة تحريرها، كما أشكر الشاعر سيف الرحبي الذي يرسل لي مجلته نزوى من سلطنة عُمان من زمان والأديب محمد عبد الله السيف الذي يزودني ب«المجلة العربية» السعودية ويرأس تحريرها وكلها لا يباع في مكتبات باريس و(أكشاك) بيع الصحف والمجلات، وحضورها يغنيني بمعرفة بعض ما يدور أدبيا في عالمي العربي الذي غادرته إلى باريس منذ أكثر من ثلاثة عقود ولم يغادرني وما زلت أطارده وألاحق أحداثه من سياسية وأدبية ومأساوية كجزء منها، لا كمتفرجة لا مبالية، أو محايدة.
الصفحة الأخيرة، وتونس الأنس
ولأنني في المترو وأمامي خمس محطات فقط حتى أصل بدأت قراءة المجلة من صفحاتها الأخيرة المختزلة وهو ما أفعله حين يضيق الوقت ووجدتني أمام حوار مع أديب كبير أعترف أنني لم أسمع به ولفتني أنه كان يرد بالعامية التونسية على أسئلة الأكاديمي التونسي فوزي الزمرلي التي جاءت باللغة الفصحى. قرأت الحوار ولم أفهم بعض ما جاء فيه بالعامية التونسية.
أنا أعشق تونس التي زرتها مرتين من زمان وكتبت عن ذلك وبالصدفة يومها اكتشفت مدى اختلاف العامية السورية اللبنانية عن التونسية حيث قال لي احد الأدباء في سهرة أنس: مراتي «زعرة» وتعجبت إذ كيف يقول أديب عن مسلك زوجته بأنه غير لائق في عبارة «زعرة» ثم شرح لي صديق سوري يعمل في تونس وكان معنا أن «زعرة» تعني «شقراء» بالعامية التونسية! وكأنني أمام لغة أخرى.
العامية المكتوبة لغة أخرى بمعنى ما!
في زياراتي إلى تونس أحببت الخروج بمفردي والتسوق كما يحلو لي التسكع الحر وحاولت الحديث مع سائق التاكسي وفوجئت بصعوبة ذلك فهو يجهل الفصحى ويتكلم بالعامية التونسية وهي تكاد تكون لغة أخرى كما العامية الجزائرية (وأمه جزائرية) وصرت أحدثه بالفصحى المبسّطة وفهم ما أقول وسرني يومها أن في وسعنا أن نتحدث ونتحاور بلغة واحدة: هي العربية الفصحى المبسطة.
حين عدت من المترو الباريسي إلى البيت قرأت مجلة «الحياة الثقافية» قراءة متأنية ووجدت أن الحوار الذي تم الرد عليه بالعامية هو مع أحد أشهر أعمدة الأدب في تونس البشير خريف 1917 2017 أي في عيده المئوي ندوات فكرية معرض وثائقي عروض سينمائية، كما أن عدد المجلة كان بأكمله مكرسا له.
لقد تواصلت من زمان مع العديد من أدباء المغرب، اما البشير خريف فهذه هي المرة الأولى التي أتعارف فيها مع أبجديته ولا أتعاطف مع انحيازه للعامية قائلا بسخرية «العفو أيتها الفصحى» ولكنني أعتقد أن سعيد عقل الشاعر اللبناني الذي بنى مجده بقصائد بالفصحى ( ثم تنكر لها) كان سيبتهج به وبقوله: نحب لغتنا كما يحب كل قوم لغتهم كما نصل بهذا الحب إلى درجة التقديس، ولهذا مبرراته، ويضيف خريف. «وللعبري مميزات جليلة انفردت بها دون جميع اللغات المستعملة فهي أقدمها وأوسعها رقعة وأثرها كما» ولو كان البشير خريف حيا لتشاجرت معه أدبيا فهل العبرية هي حقا كذلك وهل لها «مميزات جليلة» أكثر من العربية كما يَذكر؟ ثم إن خريف يربط حب الجميع للعربية «لما تحييه فينا من ذكريات المجد السالف» كما يقول وذلك ليس دقيقا ولا صحيحا بمعاني الكلمة كلها إذ في وسعي الكتابة بالفرنسية والإنكليزية لكنني اختار اللغة العربية لمزاياها. أي أنني أيضا أحب اللغة العربية لأسباب عصرية وعملية وإبداعية تنبع منها في نظري.
عجزت عن قراءته إلا مترجما للفرنسية!
منذ أعوام أهداني أديب مغربي كبير رواية له، وحين بدأت بالتهامها اكتشفت عجزي عن ابتلاعها! فمعظم الرواية بالعامية المغربية التي أجهلها كملايين القراء العرب. وهكذا انتظرت صدور الترجمة الفرنسية للرواية وطالعتها ووجدتها رائعة وحزنت، إذ حين يكون في وسع كاتب الكتابة بلغة يفهمها ملايين الناس في الكثير من الأقطار، لماذا يكتب بلغة لا يفهمها إلا شعب قُطْرٍ واحد؟
وكيف يكون في وسع الروائي أن يخاطب الملايين وهو يخاطب أقل من عشرهم حين يكتب بالعامية؟ أليس هدف الكاتب الوصول إلى القراء وليس النكاية بالعربية الفصحى؟
غواية العامية
حسنا. أنا بنت شامية (عتيقة) أعرف سحر العامية، وكان زوجي اللبناني يضحك بحب حين أتحدثها شفهيا وثمة تعابير عامية كثيرة وردت في روايتي «فسيفساء دمشقية» لكنني في الكتاب ذاته كتبت في الهامش الترجمة العربية الفصحى لتلك التعابير الشامية. فأنا لن أخاطب فقط قارئي السوري ما دام في وسعي مخاطبة العرب/الملايين الذين يفهمون الفصحى. ولذا وقفت دائما مع الفصحى ضد العامية دون أن أتنصل من تقديري (المحدود) للعامية!
وتحية إلى روح الأديب المصري فاروق شوشة عاشق اللغة العربية مثلي صاحب برنامج «لغتنا الجميلة». فحراس الفصحى هم عشاقها.
في المقابل: ترى هل سأغفر يوما للشاعر الكبير باللغة العربية سعيد عقل حين خانها وقام بالدعوة للكتابة باللغة العامية اللبنانية وفشل حين نفذ ذلك؟
واليوم، وقد كادت أغنية «بلاد العرب أوطاني» تبدو حكاية عتيقة رثة بعدما تفككت فكرة العروبة لأسباب شتى، ازداد دعما للغة الفصحى التي لم يبق ما يجمعنا سواها تقريبا فهل سنزرع في أبجديتها أصابع الديناميت ونتنكر لأمنا الكبيرة؟
في المترو (قطار الأنفاق) الباريسي حظيت بمقعد وبدأت قراءة مجلة أدبية هي «الحياة الثقافية التونسية» العدد 287 كانت في انتظاري في صندوقي البريدي كهدية. وانتهز الفرصة لشكر الذين يتكرمون بإرسالها لي إلى باريس منذ أعوام بفضل الصديق الأديب عبد الرحمان مجيد الربيعي العراقي/التونسي وهو من هيئة تحريرها، كما أشكر الشاعر سيف الرحبي الذي يرسل لي مجلته نزوى من سلطنة عُمان من زمان والأديب محمد عبد الله السيف الذي يزودني ب«المجلة العربية» السعودية ويرأس تحريرها وكلها لا يباع في مكتبات باريس و(أكشاك) بيع الصحف والمجلات، وحضورها يغنيني بمعرفة بعض ما يدور أدبيا في عالمي العربي الذي غادرته إلى باريس منذ أكثر من ثلاثة عقود ولم يغادرني وما زلت أطارده وألاحق أحداثه من سياسية وأدبية ومأساوية كجزء منها، لا كمتفرجة لا مبالية، أو محايدة.
الصفحة الأخيرة، وتونس الأنس
ولأنني في المترو وأمامي خمس محطات فقط حتى أصل بدأت قراءة المجلة من صفحاتها الأخيرة المختزلة وهو ما أفعله حين يضيق الوقت ووجدتني أمام حوار مع أديب كبير أعترف أنني لم أسمع به ولفتني أنه كان يرد بالعامية التونسية على أسئلة الأكاديمي التونسي فوزي الزمرلي التي جاءت باللغة الفصحى. قرأت الحوار ولم أفهم بعض ما جاء فيه بالعامية التونسية.
أنا أعشق تونس التي زرتها مرتين من زمان وكتبت عن ذلك وبالصدفة يومها اكتشفت مدى اختلاف العامية السورية اللبنانية عن التونسية حيث قال لي احد الأدباء في سهرة أنس: مراتي «زعرة» وتعجبت إذ كيف يقول أديب عن مسلك زوجته بأنه غير لائق في عبارة «زعرة» ثم شرح لي صديق سوري يعمل في تونس وكان معنا أن «زعرة» تعني «شقراء» بالعامية التونسية! وكأنني أمام لغة أخرى.
العامية المكتوبة لغة أخرى بمعنى ما!
في زياراتي إلى تونس أحببت الخروج بمفردي والتسوق كما يحلو لي التسكع الحر وحاولت الحديث مع سائق التاكسي وفوجئت بصعوبة ذلك فهو يجهل الفصحى ويتكلم بالعامية التونسية وهي تكاد تكون لغة أخرى كما العامية الجزائرية (وأمه جزائرية) وصرت أحدثه بالفصحى المبسّطة وفهم ما أقول وسرني يومها أن في وسعنا أن نتحدث ونتحاور بلغة واحدة: هي العربية الفصحى المبسطة.
حين عدت من المترو الباريسي إلى البيت قرأت مجلة «الحياة الثقافية» قراءة متأنية ووجدت أن الحوار الذي تم الرد عليه بالعامية هو مع أحد أشهر أعمدة الأدب في تونس البشير خريف 1917 2017 أي في عيده المئوي ندوات فكرية معرض وثائقي عروض سينمائية، كما أن عدد المجلة كان بأكمله مكرسا له.
لقد تواصلت من زمان مع العديد من أدباء المغرب، اما البشير خريف فهذه هي المرة الأولى التي أتعارف فيها مع أبجديته ولا أتعاطف مع انحيازه للعامية قائلا بسخرية «العفو أيتها الفصحى» ولكنني أعتقد أن سعيد عقل الشاعر اللبناني الذي بنى مجده بقصائد بالفصحى ( ثم تنكر لها) كان سيبتهج به وبقوله: نحب لغتنا كما يحب كل قوم لغتهم كما نصل بهذا الحب إلى درجة التقديس، ولهذا مبرراته، ويضيف خريف. «وللعبري مميزات جليلة انفردت بها دون جميع اللغات المستعملة فهي أقدمها وأوسعها رقعة وأثرها كما» ولو كان البشير خريف حيا لتشاجرت معه أدبيا فهل العبرية هي حقا كذلك وهل لها «مميزات جليلة» أكثر من العربية كما يَذكر؟ ثم إن خريف يربط حب الجميع للعربية «لما تحييه فينا من ذكريات المجد السالف» كما يقول وذلك ليس دقيقا ولا صحيحا بمعاني الكلمة كلها إذ في وسعي الكتابة بالفرنسية والإنكليزية لكنني اختار اللغة العربية لمزاياها. أي أنني أيضا أحب اللغة العربية لأسباب عصرية وعملية وإبداعية تنبع منها في نظري.
عجزت عن قراءته إلا مترجما للفرنسية!
منذ أعوام أهداني أديب مغربي كبير رواية له، وحين بدأت بالتهامها اكتشفت عجزي عن ابتلاعها! فمعظم الرواية بالعامية المغربية التي أجهلها كملايين القراء العرب. وهكذا انتظرت صدور الترجمة الفرنسية للرواية وطالعتها ووجدتها رائعة وحزنت، إذ حين يكون في وسع كاتب الكتابة بلغة يفهمها ملايين الناس في الكثير من الأقطار، لماذا يكتب بلغة لا يفهمها إلا شعب قُطْرٍ واحد؟
وكيف يكون في وسع الروائي أن يخاطب الملايين وهو يخاطب أقل من عشرهم حين يكتب بالعامية؟ أليس هدف الكاتب الوصول إلى القراء وليس النكاية بالعربية الفصحى؟
غواية العامية
حسنا. أنا بنت شامية (عتيقة) أعرف سحر العامية، وكان زوجي اللبناني يضحك بحب حين أتحدثها شفهيا وثمة تعابير عامية كثيرة وردت في روايتي «فسيفساء دمشقية» لكنني في الكتاب ذاته كتبت في الهامش الترجمة العربية الفصحى لتلك التعابير الشامية. فأنا لن أخاطب فقط قارئي السوري ما دام في وسعي مخاطبة العرب/الملايين الذين يفهمون الفصحى. ولذا وقفت دائما مع الفصحى ضد العامية دون أن أتنصل من تقديري (المحدود) للعامية!
وتحية إلى روح الأديب المصري فاروق شوشة عاشق اللغة العربية مثلي صاحب برنامج «لغتنا الجميلة». فحراس الفصحى هم عشاقها.
في المقابل: ترى هل سأغفر يوما للشاعر الكبير باللغة العربية سعيد عقل حين خانها وقام بالدعوة للكتابة باللغة العامية اللبنانية وفشل حين نفذ ذلك؟
واليوم، وقد كادت أغنية «بلاد العرب أوطاني» تبدو حكاية عتيقة رثة بعدما تفككت فكرة العروبة لأسباب شتى، ازداد دعما للغة الفصحى التي لم يبق ما يجمعنا سواها تقريبا فهل سنزرع في أبجديتها أصابع الديناميت ونتنكر لأمنا الكبيرة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.