لا ريب في أهمية معارض الفنون، فهي النافذة الواسعة من أجل التعرف على الجديد وعلى المختلف الممتع، الذي يمكن أن يُحْتذى، إضافة إلى تحفيز القدرات، وفتح الآفاق لمن يرى في نفسه الكفاءة لإنجاز الأفضل والأجمل. علاوة على ذلك، فدورها لا يقتصر على تحريك وإنعاش الإنجاز الإبداعي، بل يدفع به نحْو النُّضج والاغتناء عبر المَتْح والاستفادة من المعروضات الحاملة لرؤى أصحابها واكتشافاتهم في المجال، إذ يحدث التفاعل بين المبدعين مع بعضهم ومع الجماهير الزائرة، فالنقاد والمبدعون تفتح المعارض أمامهم فرصة الالتقاء وتبادل الرأي حول التجارب الجديدة والأساليب المبتكرة من قبل هذا أو ذاك. فهي مناسبة ثمينة لاكتشاف الأفكار الجديدة والأساليب المؤثرة والأشكال الساحرة لألباب الجماهير. وهي بذلك تخدم بشكل ما تنمية التفكير الحر، وتحَفِّزُ على التأمل العميق، ما يؤثر في ذوق الجماهير للقيم الجمالية الثاوية في المعروضات من إنجازات المبدعين، ولا يخفى ما للأعمال الفنية من أهمية لاكتساب كثير من القيم والميول والاتجاهات، ما يفتق فيهم نوازع الإبداع والامتاع، والمؤسف أن كثيرا من الآباء مازالوا ينظرون إلى كون التربية الفنية في التدريس نافلة يمكن الاستغناء عنها. لقد صارت الدول العربية على غرار الغربية تعنى بإقامة معارض للمنجزات الفنية لما في ذلك من إشعاع إبداعي يساهم بنجاعة في توجيه الجماهير إلى هذه اللغة الكونية التي لا تعرف الحدود. وإذا كانت المعارض في هذه الأهمية القصوى، فإن الكثيرين من الذين يقومون بها يجهلون الطريقة الفنية التي تجعل المعروض رائقا يحقق الفائدة والإمتاع. فتجد عشرات اللوحات المتجاورة لا يفصل بينها سوى مسافات مختلفة وقصيرة جدا مما يجعلها تتعب العين ولا تمنحها فرصة التأمل والتركيز على مفردات كل لوحة على حدة، بل تجد بعضها معلقا وبعضها على الأرض، ما يبلبل نظر وتجول المرتادين للمعرض، وقد تجد العشوائية سارية على المعروضات من حيث الاتجاهات والأحجام والموضوعات. إن تنظيم معرض معين يقتضي الالتزام بمجموعة من الخطوات الضرورية لإنجاح المعروض في الإفائدة والإمتاع، ومن أبرزها : اختيار المكان الملائم للعرض، فليس أي مكان يصلح لذلك، إذ يجب أن تكون قاعة العرض فسيحة تسع استيعاب اللوحات واستيعاب أعداد الزوار للمعرض. ويمكن اختيار ساحة عمومية بدل القاعة للعرض، بحيث يكون المعرض مفتوحا على كل الجماهير حتى على غير المتذوقين للفنون، وقد يُشعل فيهم ذلك جذوة التذوق فيصيرون من هواتها. تحديد ملمح إبداعي للمعرض من حيث مدخله ومؤثثاته، ومن حيث تنظيم قاعة العرض، وذلك بتحديد أماكن اللوحات، وينبغي أن يُتّبع في تحديدها قياسات ومسافات محددة ومناسبة، مع تزويد القاعة بأدوات منها بطائق تحمل التعريف بالمبدعين وسيرهم الفنية، إلى جانب طاولة تحمل دفترا لتسجيل انطباعات وملاحظات الجمهور الزائر للمعرض. تحديد هدف واضح للمعرض، فقد يكون الهدف تربويا حين يتعلق بتعليم الطلبة مبادئ الفنون التشكيلية وتبصيرهم بعناصر الأعمال المعروضة وسمات القوة فيها، وقد يكون الهدف التحفيز من أجل السعي نحو اكتشاف الجديد ومفارقة النمطي المبتذل، وقد يكون الهدف تعرف النقاد على الطاقات الإبداعية الجديدة للكتابة عنها وتوجيهها. والحال أن كثيرا من المعارض لا تضبطها شروط موضوعية وإبداعية تجعلها تفي بالمطلوب. وقد يعود السبب إلى عدم الدراية بأدبيات العرض، وقد يكون السبب استهداف الاستفادة من دعم وزارة الثقافة لا أقل ولا أكثر. وفي ذلك إساءة إلى سمعة المنظمين والعارضين. وتنظيم المعارض مهمة جسيمة ينبغي عدم إسنادها إلى كل من هبَّ ودبَّ، بل إن هذا التنظيم ذاته فن وإبداع ورؤية مستندة إلى أسس فنية وتصميمية. بل إن التنظيم يجب أن يبنى في مدة زمنية كافية بعيدا عن العشوائية والارتجال. فالوقت الكافي كفيل بالتفكير وتبادل الرأي من أجل إخراجية إبداعية رائقة للمعرض. فلا تسهيل في تنظيم المعارض ولا عشوائية في الاختيارات التنظيمية، إن أردنا فعلا أن نساهم في التعريف بالفن والفنان، مساهمين في تطوير الحركة التشكيلية بمعية الجماهير والنقاد والمبدعين. ..... ٭ كاتب من المغرب