مع نهاية فصل الصيف وبداية الموسم التشكيلي الجديد، بدأت الكثير من قاعات العرض التابعة لقطاع الفنون التشكيلية وكذلك القاعات الخاصة الإعلان عن افتتاح عدد كبير من المعارض التي تستهل بها موسمها الجديد، والتي تتباري من خلالها فيما بينها لجذب جمهور الفن التشكيلي، أو تقديم الجديد سواء لفنانين معروفين أو مواهب شابة تخطو أولي خطواتها في عالم العروض التشكيلية. ولكن الكثير من قاعات العرض الخاصة استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية أن تستثمر فترة الصيف في استضافة المعارض التشكيلية الجماعية تحت مختلف المسميات والتي تستمر لفترات تتراوح بين شهر إلي عدة شهور، وربما تعتبر هذه المعارض وسيلة لمقاومة ركود الحركة التشكيلية خلال هذا الفصل، وتأتي هذه المعارض لتضم عددا كبيرا من الأعمال الفنية المتميزة لفنانين من مختلف الأجيال، وتعتبرها الجاليريهات فرصة لجذب نوعية مختلفة من محبي الفن ومن المقتنين. وخلال الصيف الماضي أقامت عددا من القاعات الخاصة معارض جماعية ضمت توليفة من أعمال الفنانين الذين أقاموا معارض لهم طوال الموسم الماضي، إضافة إلي عدد من المقتنيات الخاصة بالقاعة، وربما كانت قاعة الزمالك للفن واحدة من أولي القاعات التي استهلت مواسم المعارض الصيفية الجماعية بمعرض متميز ضم أعمال 28 فنانا وفنانة استمر حتي نهاية سبتمبر، وقد ضم المعرض توليفة من الأعمال التي استضافتها القاعة في معارض فنية فردية خلال الموسم الماضي ومن بينهم أعمال الفنانين جاذبية سري ، وزينب السجيني، ومصطفي عبد المعطي وعادل ثروت ، وسعاد مردم بيك ، وجمال عبد الناصر ، وأنس الألوسي، ووائل عبد الصبور وغيرهم. وقد تنوعت القطع المعروضة بين التصوير بمختلف الخامات والنحت، وعكست الأعمال اتجاهات فنية ثرية بتنوعها ولعل واحدة من القطع المتميزة التي عرضتها القاعة خلال هذا المعرض الجماعي، لوحة للفنان جمال السجيني يعود تاريخها إلي عام 1976 ، حيث أبرزت جانبا فنيا غير معلوم من حياة السجيني الذي اشتهر بكونه واحدا من أعلام فن النحت الحديث في مصر، والسجيني لم يكن فقط نحاتا بارعا ولكنه أيضا مارس التصوير والرسم والطرق علي النحاس والخزف, وقد التحق بمدرسة الفنون الجميلة العليا سنة 1933، وحصل علي العديد من الجوائز عبر مشواره الفني الحافل ومنها جائزة مختار سنة 1937 وهو طالب ، وكذلك جائزة الدولة التشجيعية عام 1962، كما حصل علي وسام العلوم والفنون . والفنان جمال السجيني - كما يتحدث عنه د. أحمد نوار - يعد بصمة دامغة في ذاكرة الوطن الجمعية، حيث حارب بشدة من أجل تحقيق حلم كبير وهو اعتبار التمثال جزءا لا يتجزأ من المدينة والتخطيط العمراني . ويضيف نوار : لقد برع المثال جمال السجيني في إبداعه المتفرد (النحت البارز) في خامة النحاس ، كما برع في منحوتاته الثلاثية الأبعاد، وعندما نتأمل مسيرة وتاريخ المثال جمال السجيني، تصحبنا الذاكرة البصرية والتاريخية إلي المرجعيات الفنية التي أسست ما يسمي بالهوية الذاتية للسجيني ... فنكتشف عمق ثقافته وتأمله للفن المصري القديم وكذلك فن العمارة الإسلامية والمدرسة الأوربية، مرجعيات شكلت رؤية السجيني الفنية وبمهارة المفكر المبدع استطاع بإعمال العقل علي استلهام بنية هذه الحزمة الحضارية كونها جزءا لا يتجزأ من مفهوم الكتلة في الفراغ، وهذه هي سمة الفنانين العظماء الذين يمتلكون الموهبة والقدرة الخلاقة لإضافة قيم جمالية جديدة للعائلة البشرية وكانت قاعة الفن للزمالك قد استضافت في فترة سابقة معرض وصفته بالتاريخي لأعمال الفنان السجيني ، وضم عددا من الأعمال الفنية من لوحات واسكتشات ربما لم يرها جمهور الفن قبل ذلك والتي تضمنت مراحل مختلفة منها العرائس والبيوت، إضافة إلي لوحات شخصية وعائلية وبورتريهات. ولعل أحد الأمور المتميزة في معرض قاعة الزمالك للفن ، هو إمكانية حصول الزوار علي كتيب يضم جانب من أعمال السجيني الذي يعتبر بمثابة توثيق لأعمال الفنان الراحل، كما كان بإمكانهم أيضا الحصول علي الكتيبات والكاتلوجات التي أصدرتها القاعة لكل فنان حيث تضمن كل كتالوج عددا من الأعمال الفنية ونبذه عن الفنان وعن المعرض، وهي حقا ثروة فنية لمحبي الفن وهدية لزوار المعرض الجماعي الذين لم يتمكنوا من زيارة كل المعارض التي أقامته االقاعة خلال الموسم الماضي. وفي لقاء سابق جمعني بالسيدة شيرويت شافعي مؤسسة وصاحبة قاعة سفر خان بالزمالك أخبرتني أن هناك فلسفة خاصة من وراء إقامة المعارض الجماعية خلال فترة الصيف، الهدف الأول تمثل في تقديم جرعة مكثفة من الفن التشكيلي للمتلقي سواء متذوق الفن أو المقتني أو حتي رجل الشارع، وذلك من خلال استعراض نبذة عن الفن التشكيلي عبر الأجيال، وتضيف: من خلال المعارض الجماعية نحرص علي الجمع بين أعمال الرواد، والفنانين المعاصرين ومن هنا نحقق هدفا مزدوجا بتكريم الرواد الذين أثرتنا أعمالهم ليستفيد منها شباب الفنانين، وكذلك تقديم الفنانين المعاصرين بل والشباب المتميز أيضا . إن مما لا شك فيه أن منطقة الزمالك أصبحت أحد أهم مراكز العروض التشكيلية بالقاهرة ، حيث تضم عددا كبيرا من قاعات العرض الخاصة ، إضافة إلي قاعات مركز الجزيرة للفنون وقاعات ساقية الصاوي، وقاعة المركز المصري للتعاون الثقافي الدولي، ومع بداية الصيف وافتتاح العديد من المعارض الجماعية ، تتاح لزوار الزمالك الحصول علي جرعة فنية مكثفة. وإذا كان جاليري الزمالك قد قدم مجموعة من الأعمال المتنوعة التي عرضت به خلال فترات سابقة ، فإن جاليري أوبونتو اختار أن يقدم خلال الصيف الماضي مجموعة متميزة من مقتنيات الجاليري وكذلك من مجموعة ثلاثة من المقتنين الذين عرضوا مقتنياتهم للبيع. وبينما خرج اسم المعرض باللغة العربية "مقتنيات" جاءت التسمية بالإنجليزية "من خلال أعين المقتني" ، ولهذا سألت أحمد الضبع صاحب الجاليري عمن هو المقتني وعن السبب الذي قد يدفع المقتني لبيع الأعمال الفنية التي ربما قضي سنوات طويلة في جمعها. يقول الضبع: إن المقتني بمعني جامع الأعمال الفنية هو الإنسان الذي يجمع نوعية معينة من التعبيرات الفنية التي يحبها وتمثل مصدر سعادة له بوجودها لديه، وقد تكون الأعمال محصورة في فترة زمنية معينة أو مادة محدودة، أو مرتبطة بفكرة أو مدرسة ما . وقد يكون جامعا لأي شكل فني يستهويه ، لكن في النهاية تشكل مجموعته ذوقا خاصا به يعكس وجهة نظره عن الفن. والمقتني من خلال نشاطه ومجموعته يصير مشاركا في إثراء الحركة الفنية أو في تشجيع ودعم فنان ما أو اتجاه فني معين وهو في حركة دائمة لرؤية الجديد أو التعرف علي ما لم يعلمه عن القديم وبالتالي لا يتوقف عن الاقتناء فالمسألة تتحول في لحظة ما إلي نوع من الإدمان أو تصير أسلوب حياة . وأضاف إن المقتني يختلف عمن يشتري الفن كنوع من الاستثمار أو لكي يتناسب مع أثاث المنزل وتنتهي العلاقة بينه وبين الفن بتحقيق الغرض من استيفاء المقاسات وتناغم الألوان . وبين ذلك الذي يتعثر في حجرة نومه أو حجرة المعيشة بسبب كثرة المقتنيات الفنية التي لا يجد مكانا لتعليقها علي الحوائط أو وضعها في مكان ملائم. وعن السبب الذي يدفع المقتني إلي بيع الأعمال التي اقتناها يقول الضبع : قد يلجأ الهاوي إلي بيع أعماله كي يقتني أعمالا أهم فنيا من وجهة نظره، أو قد تكون الكميات قد صارت عبئا علي المكان المعروضة فيه أو علي ميزانيته وفي أحيان آخري قد تكون المقتنيات إرثا لابد من تحويله من قيمة فنية إلي سيولة نقدية. وقد قدم جاليري أبونتو عددا كبيرا من الأعمال المتميزة في ذلك المعرض الجماعي ومنها مجموعة لعدد من الفنانين غير المعروفين بالنسبة للجمهور علي الرغم من تحققهم فنيا ربما لأنه لم يتم تسليط الأضواء عليهم لفترات طويلة ومن بينهم الفنانين محمد حسن ، وعبد العزيز درويش ، وفؤاد كامل ، وزكريا الزيني وبورشارد سميكة وأشود ذوريان فحسن محمد حسن (1906-1990) هو أحد رواد الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة و قام بتأسيس جماعة لاباليت مع راغب عياد، وكان فناناً مثقفاً يؤمن بجدوي الثقافة الفنية وقد كانت له جولات مشهورة ومحاضرات بلغات متعددة وكذلك ندوات، بخلاف كتاباته ورسوماته في الصحف والمجلات المصرية في الثلاثينات والأربعينات، كما كان له دور بارز في تدريس الفن ما يزيد عن نصف قرن وتخرج علي يديه عشرات الفنانين . أما فؤاد كامل (1919 -1973) فهو من أوائل رواد الفن المجرد المعاصر في مصر، وهو من المؤمنين بالحرية المطلقة ولم يلتزم بموضوعات أو أشكال تقليدية، حيث التزم فقط بما يتيح له حرية الانطلاق واستكشاف الخفي من الأشكال والمعاني وهو لم يصطنع هذه الحرية بل هي طبيعة أصيلة فيه منذ أن كان طالبا بكلية الفنون الجميلة. وهو من مؤسسين جماعة الفن والحرية مع رمسيس يونان وجورج حنين. أما عبد العزيز درويش ( 1918- 1981) فقد شارك أثناء دراسته بعدد من أعمال الترميم ومنها ترميم لوحات قصر محمد علي في شبرا.. ثم قام بمجهود ضخم في ترميم العديد من لوحات قصر الجوهرة، وبعد أن تخرج بدأ في عمل ابداعي كبير تمثل في لوحة فنية كبيرة في مجمع المحاكم الواقع بشارع الجلاء بقلب القاهرة وهي تصور قصة الجريمة والعقاب منذ بدء الخليقة. أما مدينة بورسعيد فقد نالت حظها الذي تمثل في جدرايتين عن يمين وشمال الداخل إلي رحاب محطة السكك الحديدية في قلب المدينة الباسلة فيجد المرء نفسه في حالة من الدهشة وهو يري تسجيلاً رائعاً لوسائل المواصلات منذ بداية التاريخ يعود تاريخ رسم عبد العزيز درويش لهما إلي سنوات الستينيات من القرن الماضي مواكباً لتاريخ افتتاح المحطة. وحتي الفنانون المعروفون أمثال صلاح طاهر أو سيف وانلي كانت أعمالهم التي عرضتها القاعة مختلفة عما ألفه الجمهور من إنتاجهم حيث قدمت مراحل سابقة في مشوارهم الفني. وربما كانت الزمالك هي التي تجتذب الأضواء بتعدد قاعاتها إلا أن هناك العديد من القاعات المتميزة التي قدمت أيضا خلال فترة الصيف معارض جماعية جديرة بالمشاهدة ومنها جاليري دروب بجاردن سيتي وجاليري سلامة بالمهندسين . ومن جانبها ذكرت سوسن سالم مسئولة قاعة دروب إن أهم أسباب المعارض الجماعية خلال فصل الصيف هو استمرار الحفاظ علي التواصل بين القاعة والفنانين، وبين القاعة والجمهور، وكذلك بين الفنانين والجمهور، وهذا التواصل له عدد أبعاد منها تمكين المقتنين للفن التشكيلي من زيارة المعارض واقتناء ما يصبون إليه من قطع ذات قيمة عالية، فقاعات العرض هي بمثابة متاحف صغيرة يرتادها المقتنون والهواة ليجدوا ما يشبع ثقافاتهم وهوايتهم الفنية ، أما بالنسبة للقاعة فالأمر يعود عليها بالنفع لاستمرار حركة البيع وتسويق الأعمال الفنية.