أربعة أشهر فقط فصَلَت بين فوز الشاعر والإعلامي فاروق شوشة ب «جائزة النيل» في الأدب - وهي أرفع جوائز الدولة في مصر - وبين غيابه عن عمرٍ ناهز الثمانين عاماً. كانت تلك الجائزة التي صرَّح شوشة بأنها تأخرت في الوصول إليه، بمثابة تتويج لمسيرة طويلة؛ ليس في الشعر فحسب، وإنما أيضاً في التدريس وفي الإعلام وفي مجمع اللغة العربية في القاهرة، الذي شغل فيه منصب الأمين العام. عُيّن فاروق شوشة أيضاً في منصب رئيس الإذاعة المصرية، ومنصب رئيس اتحاد الكتاب المصريين، وكان عضواً في مجلس أمناء بيت الشعر في القاهرة، وعضواً في لجنة الشعر في المجلس الأعلى المصري للثقافة. وظلتّ حماية اللغة العربية هاجسه الأكبر، منذ أن تخرج في كلية دار العلوم في العام 1956، وبعدها بعام من كلية التربية في جامعة عين شمس. لم يرض الشاعر أن يكون حبيس قاعة تدريس ضيقة، يلقن طلابه معلومات عن الصرف والنحو، لكونه يؤمن بأنّ رسالته أكبر من حدود القاعات الجامعية. التحق بالإذاعة في العام 1958، يصحح برامجها لغوياً، إلى أن تولى تقديم برنامج «لغتنا الجميلة» يومياً وحتى آخر أيام حياته. ولم يشبع البرنامج الإذاعي الشهير شغف شوشة باللغة العربية، فألَّف عدداً من الكتب عن دور تلك اللغة وآدابها، منها «أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي»، أحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي»، «لغتنا الجميلة ومشكلات معاصرة». وأطلَّ شوشة على جمهور التلفزيون في العام 1977 عبر برنامج «أمسية ثقافية»، فبات وجهاً مألوفاً لدى ملايين المشاهدين ممن ارتبطوا بصوته سنوات طويلة. وفي الشعر، ينتمي فاروق شوشة إلى جيل الستينات في مصر، إلا أنه اتسم بالولاء لقيمٍ قديمة، ومثَّل مع آخرين من جيله ومن الجيل الذي سبقه، ما يشبه حائط صدّ أمام التجديد الذي تجسد خصوصاً عبر تيار قصيدة النثر. ومن دواوينه: «إلى مسافرة»، «العيون المحترقة»، «لؤلؤة في القلب»، «في انتظار ما لا يجيء»، «الدائرة المحكمة»، لغة من دم العاشقين»، «يقول الدم العربي»، «هئت لك»، «سيدة الماء»، «وقت لاقتناص الوقت». لم يكن الشعر عنده ساحة شعورية جمالية يظهر فيها عراقة اللغة العربية وجمالها، بل رأى فيه «علاجاً»، حتى أنه راح يبحث عما يؤكد تلك الرؤية ذات الأساس الغربي، في الشعر العربي، منذ إمرئ القيس، وحتى صلاح عبد الصبور، ومن هنا جاء كتابه «العلاج بالشعر». لم يكن شوشة راضياً عن الوضع الثقافي المصري الحالي، وهذا ما تجلّى في قصيدة «خدم خدم»، ألقاها العام الماضي خلال تكريمه في معرض الشارقة للكتاب، وهاجم فيها المثقفين ووصفهم ب «خدم الحكام». إلا أنه أوضح في تصريحات صحافية بأنه كتب تلك القصيدة قبل عشرين عاماً، وأن تعبيرها عن المشهد الحالي يعد من قبيل «المصادفة» التي تشير إلى أن الأوضاع الثقافية لم تتغير، بل تسير إلى الأسوأ، وأن مصر تحتاج إلى نهضة علمية تتبعها نهضة ثقافية، وإلا فالتغيير لن يكون ممكناً. وقال في السياق ذاته: «تجديد الخطاب الديني يعني تجديد العقل. ليس هناك شيء مجرد اسمه الخطاب، الخطاب هو ما يتوجه به العقل إلى الآخرين، إذا كنتُ أنا جاهلاً سيكون خطابي خطابَ جهلٍ". وإلى جائزة النيل، تضم قائمة الجوائز التي حصل عليها فاروق شوشة، جائزة الدولة في الشعر، وجائزة محمد حسن الفقي، وجائزة كفافيس، جائزة الدولة التقديرية في الأدب.