"ثوب من الماء لجسد من الجمر" هو الديوان الشعري الاحدث للشاعر العراقي المغترب يحيى السماوي الذي صدر هذا العام عن دار تموز في دمشق، وهو من القطع المتوسط، وتنوعت قصائد الديوان في الاغراض والموضوعات بين الغزل والهجاء، وموضوعات إنسانية أخرى حاول الشاعر التعبير عنها من خلال اجتراح طرائق نسج تعبيرية اعتمدت على تنويعات شعرية متجددة تجسدت في نمط الإيقاع المتشكل من تلك الوحدات الترنيمية التي تمثلت في طبيعة تفعيلات الجمل الشعرية. ويمكن القول إن أبرز ما يميز هذا الديوان هو طبيعة الإيقاع الدافق للجملة الشعرية التي استندت في معظم قصائد الديوان على توظيف المترادفات المضادة التي تم توظيفها بطريقة تتسق مع تفعيلة النص التي انسجمت مع انفعالات الشاعر التي بدت منفلتة في مواضع مختلفة إزاء الحالات الانسانية التي يطرحها ضمن سياق قصيدته. منذ إنتصرت ِ على غروري بالهوى وأنا أمجّد ُ راية َ إستسلامي فلتنسجي لي بُردة ً مائية ً تطفي بليل الوجد ِ ضرامي (ص28 - من قصيدة ما العمر الا ما تعاش مسرة) وتكمن جمالية الخطاب الشعري لدى السماوي في استثمار السمات الاسلوبية لخلق المعنى من خلال تعدد المعاني وتداخلها وتوظيف المجازات والمترادفات والأنساق اللغوية لتجسيد المعنى الأساسي الفلسفي الذي يقوم عليه الخطاب الشعري سواء كان إدانة، رثاء، هجاء، غزل. والسماوي في تجربته هذه يحاول إيجاد أسلوبه الخاص في بناء تفعيلاته الداخلية من خلال إيقاع متدفق إنسيابي يعبر عن خصوصيته اللغوية التي حملت مزايا الأصالة وسمات التحديث ضمن سياق فني معين. دال الزمانُ بنا فصار النهرُ تابوتا وأضحى الحقلُ مسغبة بيادرُهُ الهوان إلاّ ولاة الامر في دار الخلافة والدهاقنة السمان لهم الرغيفُ للرعية ِ من تنانير الفراتين ِ الدخان (ص50 - قصيدة قسمة ضيزى) وفيما يتعلق بإنتاج المعنى لقصائد هذا الديوان فإن القارئ لا يحتاج مزيدا ً من الجهد لإستنباط المعنى الكامن حيث إن الخطاب بعناصره المختلفة يقوم بعملية الاستحضار المسبق للمعنى من خلال تفاعل عناصر التشكيل اللغوي على اختلاف مستوياتها بما تحمله من معالم جمالية لنصوص القصائد، فالقصيدة تحمل ثمة نكهة كلاسيكية بثوب حديث. قد كنت َ تعلم ُ أن بعض َ الصدق ِ إثم واليقين خطيئة كبرى وأن فضيلة َ العشق الخرافي الصبابة بات رجشا في نواميس الهيام المستعار لقد ذهب الشاعر الى اعتماد الوضوح اللفظي مع اعتماده على المخزون العاطفي العميق والفني بوصفه مفردة من مفردات شعرية قصائده حيث ابتعد الشاعر عن التعقيد التركيبي للجملة الذي يسهم في تعقيد المعنى العام وعدم التعويل على الصورة الفنية المعقدة أو المجازات اللغوية البعيدة، بيد أن ذلك لا يعني أننا أمام نص تقليدي بسيط بل أنها تندرج في إطار خلق مظهر فني يتبنى تقديم البعد العاطفي العميق والمختلف والمتداخل عبر تجل ٍ يوهم القارئ بالبساطة، وقد تجلت هذه السمة في القصائد التي مثلت رسائل إنتقاد الى القابضين على جمر السلطة في العراق. وطن ٌ .. ولكن للصوص ومن تجاهدَ بالنفاق لكأن َّخيل الفاجعات مع الأراذل في سباق ألقت به في المُهلكات يدُ التحاصص والنفاق (ص94 - قصيدة وطن ولكن للصوص) وفي قصائد أخرى خاض السماوي تجربته في ضوء محاولة البحث عن حداثة شعرية مغايرة محاولا ً خلالها تفعيل الدوال عبر استخدامات متنوعة للغة التي حلقت في فضاء الاشارة والتأويل لتأخذ بعدها في محاكاة الظواهر التي أراد السماوي التعبير عنها عبر القصيدة الشعرية، كما وردت في الديوان بعض القصائد المكثفة القصيرة التي تمظهرت على شكل ومضة تحمل حكمة أو نبؤة. كما وظف الشاعر بعض الصيغ القرآنية ضمن قوالب شعرية معينة محاولا ً استثمار ديناميكية اللغة لتشكيل دلالات النص وعلامته التي تساهم في تشكيل بنيته: فأنا قبل دخولي حافيَ القلبِ الى وادي طوى عشقك صبا ً لم أكن أعرف ُ أن الله َ قد خبّأ لي جنة ً أرضية من تحتها الاقمار ُ تجري عرضها العمر ُ أعدت للمصلين صلاة َ الحب والنور (ص 69 - من قصيدة على باب فردوسك) وتجدر الاشارة إلى أن الشاعر كان قد أصدر عددا من الدواوين الشعرية، وقد جاءت مقدمة هذا الديوان بقلم الشاعر والناقد محمد جاهين بدوي الذي تحدث عن تجربة السماوي في هذا الديوان وخصائصها الفنية، وفي ذات السياق زيّنت غلاف الديوان لوحة تشكيلية للفنان التشكيلي المعروف المبدع ستار كاووش الذي اختار باقة من لوحاته التي وضعت في ترتيبات مختلفة من قصائد الديوان، وخاصة عند القصائد الغزلية التي تنوعت التي عكست حالة العشق بتجلياتها المختلفة والتي عززتها لوحات الفنان التشكيلي العراقي المغترب ستار كاووش.