تعتبر قصيدة الومضة هي قصيدة التكثيف الشديد والتلميح الأشد حيث تكون فيها مساحة المُصرَّح به أقل بكثير من مساحة المسكوت عنه وفي هذا النوع من القصائد يحيل الشاعر المتلقي إلي كل حرف من حروف قصيدته ومن ثم فهي تسمح للمتلقي بإعمال فكره واستخدام كل مهاراته الثقافية والأدبية واللغوية لفك طلاسم هذه القصيدة . وقصيدة الومضة تعتبر قصيدة المثقفين ولا يمكن لأنصاف المثقفين أن يتعاملوا معها أو حتي يستمتعوا بها . ويمكن أيضاً أن نقول انها قصيدة النضج واكتمال المعين الشعري لشاعرها ويمكن أيضا أن نقول انها قصيدة الصمت الإيجابي أو الصمت المقروء . قصيدة الومضة أيضاً هي قصيدة الدهشة في أنقي معانيها .. ويمكن القول باختصار انها القصيدة التي تستنفر عقل وفكر المتلقي ليكون علي قدر مستواها الفكري والأدبي . وقصيدة الومضة هذه مأخوذة عن ¢ ابجرامات¢ الشعر الإنجليزي الحديث وقد كتب تحت هذا العنوان ¢ إبجرامات ¢ الشاعر والناقد الكبير د. عز الدين إسماعيل - رحمة الله عليه - العديد من قصائد الومضة في التسعينيات من القرن الماضي ومن الشعراء الذين كتبوها باقتدار الشاعر والناقد الكبير د. كمال نشأت تحت عنوان ¢ قصائد قصيرة ¢ وقد صدر له ديوان كامل تحت هذا الاسم كما أن الشاعر والناقد الكبير عبد المنعم عواد يوسف كتب هذه القصيدة أيضا بحكم نضجه وامتداد تجربته الشعرية والنقدية وأيضا الشاعر والناقد د.حسن فتح الباب "رحمه الله". ومن الجدير بالذكر أن نؤكد علي أن الذين يتصدون لكتابة هذه القصيدة يجب أن يتخرجوا أولا في كل المدارس الشعرية المختلفة قديمها وحديثها بدءا من المدرسة العمودية وحتي ما يسمي الآن بقصيدة النثر وللحق أؤكد أن شاعرنا رفعت المرصفي قد تصدي لكتابة هذا النوع من الشعر باقتدار فقد بدأ في كتابتها ضمن ديوانه الثالث ¢ حروف علي صفحة القلب¢ الصادر عام 1998 وأيضاً كتبها ضمن ديوانه الرابع ¢ دماء علي جدران التاريخ¢ الصادر عام 2000 ثم أصدر ديوانه ¢ للعشق رائحة البحر ¢ 2003 الذي جاءت معظم قصائده من قصائد الومضة وبتصدي شاعرنا رفعت المرصفي لهذا النوع من الكتابة الشعرية يعلن بشكل غير مباشر عن اكتمال معينه الشعري بكل أبعاده الفنية والإنسانية ويعلن بشكل غير مباشر عن وصوله إلي قمة الهرم الشعري والمعرفي فشاعرنا له عشرات الإصدارات الشعرية والنقدية التي تخاطب الكبار والصغار .... ولم لا وشاعرنا يكتب في معظم الدوريات المصرية والعربية منذ منتصف الثمانينات وحتي الآن . نعود إلي قصيدة الومضة عند رفعت المرصفي ونختار بعض النماذج من إبداعاته لتكون الدليل والبرهان علي ما قدمنا . الومضة الأولي : البحرُ كتابُ لجنوني / ينمو الجمرُ علي أحرفِهِ أُقرؤهُ ... حين تُجنُّ الشمسُ وحين تُجنُّ الأسماكُ يقرؤهُ المُصطافون والنموذج السابق يتكون من ست عشرة كلمة تتحدث عن تجربة إنسانية شديدة الجمال وشديدة الإيحاء يمكن أن تفرد لها صفحات في عالم النثر فكل سطر من سطورها يحتاج لمساحات كبيرة لشرحه وتحليله كما أن هناك مساحات كبيرة مسكوت عنها أو متوارية بين السطور وعلي المتلقي أن يبحث عنها كل حسب مخزونه المعرفي ومنظوره الجمالي . الومضة الثانية : الموجُ لا تهابهُ الشطوط / لكنّها تميلُ كي يفوتْ فلا الشطوطُ قد طواها البحرُ يوما ولا الهديرُ قد أصابهُ القُنوطْ وهكذا نعيشُ أو نموتْ إنها تجربة شعرية غاية في العمق وآية في الجمال صاغها شاعرنا في إحدي وعشرين كلمة ولكن بين هذه الكلمات آلاف من الكلمات والمعاني مسكوت عنها. وعلي المتلقي أن يتأمل ويبحث ويحلل حتي يصل إلي ذروة المتعة الشعرية والتأملية ... ألم أقل لكم أنها قصيدة المثقفين ؟ يطرح الشاعر تجربة الحياة والموت وما بينهما فيأتي بمعادل موضوعي للتجربة وهو البحر والشطوط وما بينهما . تجربة عميقة وقوية تم رصدها في كلمات قليلة تحمل كل معاني وعطاءات التجربة بين سطورها . فالتجربة هنا كالومضة التي تلقي بأضوائها علي من حولها ولمساحات بعيدة حسب ثقافة وفكر كل متلقي. الومضة الثالثة : قالت ... شِعرُكَ نَهرْ فافتحْ شلال قصائِدك عليّْ الزهرة تشتاقُ إلي الرِيّْ قُلتُ ..... منابعُ شِعري تبدأُ من عينيكِ ومن شطيك ِ تصبُ ببحر هواكِ الملكيّْ