الحكومة المؤقتة في بنجلاديش تعلن إجراء الانتخابات العامة في أبريل 2026    خطة طوارئ طبية لتأمين المواطنين فى احتفالات عيد الأضحى بالقاهرة    اليونيسيف: استخدام الجوع كسلاح في غزة جريمة حرب    صفقات الأهلي من الزمالك ترفع قيمته التسويقية 11 مليون دولار    تشكيل المغرب الرسمي لمواجهة تونس وديًا    الدمايطة يحتفلون بعيد الأضحى في الحدائق ورأس البر    نجم هوليوود جيمي فوكس يشارك في إنتاج فيلم "هابي بيرث داي ل نيللي كريم    ترامب يدرس بيع سيارته طراز تسلا بعد خلافه مع إيلون ماسك    مع قرب انتهاء أول أيام عيد الأضحى.. الغرف التجارية: لا داع للقلق السلع متوفرة.. شعبة الخضروات: انخفاض ملحوظ في الأسعار.. المخابز: لا توجد إجازة لتلبية احتياجات المواطنين    مانشستر سيتي يستهدف ضم نجم ميلان.. صفقة نارية تتخطى 60 مليون يورو    المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية يصوت بالإجماع لصالح رفع عضوية فلسطين إلى دولة مراقب    مصرع مسن أسفل عجلات قطار في الإسماعيلية    حريق مخلفات كرتون وسيارات قديمة بقطعة أرض بالهرم    رواتب مجزية| 25 صورة ترصد آلاف فرص العمل الجديدة.. قدم الآن    تركي آل الشيخ يكشف حقيقة ظهور زيزو في فيلم 7Dogs    منى الشاذلي تضع تامر عاشور في موقف صعب.. والأخير يعلق (فيديو)    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    دراسة تكشف مفاجأة بشأن زيت الزيتون: قد يعرض للسمنة    مواعيد مواجهات الوداد المغربى فى كأس العالم للأندية 2025    المملكة المتحدة : تحديد جلسة لمحاكمة 3 أشخاص في افتعال حرائق استهدفت رئيس الوزراء البريطاني    نشاط وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في اسبوع    البنك المركزي الروسي يخفض سعر الفائدة للمرة الأولى منذ مايقرب من ثلاث سنوات    نائب محافظ قنا يتابع جاهزية مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ خلال عيد الأضحى    ترامب يدعو مجلس الفدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة نقطة مئوية كاملة    مصطفى حمدى يكتب: هل يسابق «نجم الجيل» الزمن فى عصر ال «تيك توك»؟!    ياسر جلال يحتفل بعيد الأضحى بصحبة مصطفى أبوسريع أمام مسجد الشرطة (فيديو)    أحمد العوضي من مسقط رأسه بعين شمس: «ضحينا وسط أهل بلدي»    أنشطة توعوية للثقافة برأس غارب وسفاجا احتفاء بالحج وعيد الأضحى    العودة من بعيد.. رافينيا أفضل لاعب في الدوري الإسباني    فلسطين ترحب برفع عضويتها إلى دولة مراقب في منظمة العمل الدولية    في أول أيام عيد الأضحى.. غرفة الأزمات بصحة المنوفية تنعقد لمتابعة المنشآت الصحية    بحر وبهجة في العيد.. الإسكندرية تستقبل المصطافين بإقبال متوسط وشواطئ مستعدة    حسين لبيب: تتويح الزمالك ببطولة كأس مصر نتاج عمل جماعى.. صور    السعودية: 10 آلاف نشاط توعوى و34 مليون رسالة خلال يومي التروية وعرفة    تفاصيل تواجد زيزو في اتحاد الكرة ودور أحمد مجاهد.. رئيس تحرير مجلة الأهلي يكشف    وزيرة العدل الأوكرانية: أمامنا عام واحد لتلبية شروط التمويل الأوروبي الكامل    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    السينما والمسرحيات.. أشهر أفلام عيد الأضحى التي لا غنى عنها في البيوت المصرية    الفتة.. من موائد الفراعنة إلى طبق الأعياد في مصر الحديثة    من الصلاة والأضاحى للاحتفالات.. بلاد العرب تستقبل عيد الأضحى.. ألعاب نارية وكرنفالات.. زيارة المقابر فى الكويت.. المغرب بدون "النحر" للمرة الأولى و"الرومى" بديل الأضحية.. مشهد مهيب للصلاة بالمسجد الحرام    نسب وأرقام.. أول تعليق من حزب الأغلبية على «القائمة الوطنية» المتداولة ل انتخابات مجلس الشيوخ    الرئيس النمساوي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    الطرق الصحيحة لتجميد وطهي اللحوم    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    سعر الريال السعودي مع بداية التعاملات في أول أيام عيد الأضحي 2025    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    "إكسترا نيوز" ترصد مظاهر احتفالات المواطنين بعيد الأضحى في مصر الجديدة    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحت سماء المراحيض
نشر في نقطة ضوء يوم 30 - 12 - 2015

كل شيء يبدو بغيضا تحت سماء الكلاب، هذا العالم لا يمشي على قديمه، ينبغي لتغييره من تعديل الرؤية، بقلب اللغة نفسها، جعلها ملغمة بالانفجارات السفلية. أن تكون اللغة خطاب السفلي والهامش والقاع.
هذا ما فطن إليه الكاتب العراقي صلاح صلاح في روايته "تحت سماء الكلاب"، فبما أن النفي هو الموضوع الأساسي فإن هذا الخطاب، الكاره للحشمة، الأكثر ملائمة لشكل متفق مع مضمونه.
الرواية تذكرنا برواية غسان كنفاني "رجال في الشمس". حيث نلمس تواشجا مضمونيا واضحا ينتظم تحت لوغوس الطرد والنفي واللعنة. كلاهما ينثر عذاب نفيه الخاص. نلمح عند غسان كنفاني وطنا مفقودا اسمه فلسطين، أما صلاح صلاح فيفتش عن وطنه في وطنه. تلاحقه الأجهزة الأمنية التي يمقتها ليلجأ لشمال العراق المخترق من كل استخبارات الدنيا. عندئذ يبدأ الكابوس، الوطن يتحول إلى النقيض، يصبح وطنا مغشوشا.
يشتبك الكاتب مع بؤس العالم. التعنيف الناجم عن كابوس بحجم العالم يرتد نحو اللغة فتصبح حادة عنيفة ولاذعة تشبه البارود. تصبح لغة مدنسة، لغة لا تستحي. غياب الفضيلة يستدعي "ترذيل اللغة". يطرد السارد الفضيلة لأن العالم ينفيها. العالم بالوعة كبيرة. لماذا نعيش في هذا العالم؟ سؤال الرواية الأبرز.
إن الحياة بالنسبة لصلاح صلاح متوالية لا تنتهي من العذاب، والحقيقة لا تكشف ذاتها إلا بانتهاكها، بتلغيمها بشك لذيذ يفجره كاتبنا ببراعة. ينبغي أولا اتقان فن الانتهاك قبل الشروع في أي محاولة للتساؤل حول الحقيقة والميتافيزيقا والموت. من قال إن هذا العالم المقيت يتسم بجمالية أخرى غير القبح؟ إنه عالم يمكنه أن يتسم بأي شيء إلا الرومانسية. عالم من الموت. عالم ملوث بالفضلات القذرة للساسة والخونة والجواسيس. إنه كوسمولوجيا شيطانية.
لا بد من اطلاق العنان للشتيمة. الشتيمة تعيد بناء معمار الرواية بصيغة أكثر وفاء للوغوس اللعنة. إن الرواية تقيم كسمولوجيتها الخاصة، دعونا نتابعها ونتخيل: السماء الاولى سماء الكلاب، السماء الثانية سماء الشتائم، السماء الثالثة سماء الاتهامات، السماء الرابعة سماء المراحيض، السماء الخامسة سماء المؤلف، السماء السادسة سماء الأيديولوجيا، أما الأخيرة فسماء المفارقة، حيث يحتشد الموت وتغني الأغنية "الموت.. موت.. والأغنيات.. أغنيات".
أين يستريح النص؟ تحت سماء الكلاب أم الشتائم أم الأيديولوجيا المدعمة بهذر البذاءة ورائحة عالم مرحاضي؟
الأكيد أن عالم النص هو عالم هذه السماوات حيث السارد الذي يبدع شخصياته المأزومة بلعنة المكان هو نفسه الشاعر المسكون بتيه أبدي. السارد هنا شاعر شقي يتسم بشخصية هوائية، لأن الشعر انفلات راديكالي، آخر مطلق للعقل، عصي على التنبؤ والنسقية. على هذا الأساس نشهد تحولات وانقلابات وحالات مزاجية.
أذكر شاعرا مثل السياب يهبنا نموذجا لتفتيت الشخصية وتدمير كل محاولة لتثبيتها في "بروتريه" متخشب وأزلي، فالشاعر الذي دبج المقالات في مديح عبدالكريم قاسم عقب ثورة تموز هو نفسه الذي كتب ذات مزاج آخر: "عملاء قاسم يطلقون النار، آه على الربيع. سيذوب ما جمعوه من مال حرام كالجليد.. يا للعراق".
السرد مملوء بالشعر والتفجع وشيء آخر: تعقب الجملة الشعرية شتيمة بورنوغرافية، الجملة الشعرية التي تتسع أحيانا إلى إسهاب منهك، لا بد أن تعقبها كلمة نابية أو شتيمة أو كلمة مرحاضية أشد توغلا في عالم سفلي لا يعبر عنه بعفوية بقدر ما يحيله الراوي إلى زينة بلاغية صادمة، إلى شيء استعمالي يوظف لمصلحة الأيديولوجيا. حتى القبح له جمالياته وفتنته وبلاغته ومنطقه الخاص.
"فوق سماء الكلاب" إذن سماء الأيديولوجيا. وفي قلب النص تحتجب السمة الأدبية لنص يختبئ مؤلفه وراءه لتبرز هيمنة المؤلف وسطوته. يظهر المؤلف بوضوح فيما يغيب النص، وتتشوه الطبيعة الأدبية حيث ينحدر السرد من الايحاء إلى التصريح، من الشعر والمجاز إلى الشرح والتقرير والدعاية الحزبية والخطابية الفاقعة، ربما لكي يريح نصه المنهك بالضغينة.
المؤلف في هذه الرواية يتسم بكامل الصفات التيولوجية. كرب حقيقي يوزع اللعنات ويغدق نعيمه على من يشاء. هذه رومانسية المؤلف تمشي على قدميها بكل بهائها. إنها رومانسية الذات اللاعنة والساخطة.
من الجلي أن الروائي شاعر بارع، ربما يكون شاعر ضل طريقه ليجد ذاته بين القصة والرواية. موزعا بين الايحاء الشعري والسرد التاريخي. السرد الرشيق المطعم بالشعر والشتيمة أكثر جاذبية بالتأكيد من نص فاتر جبان وطهراني منافق، النص المنفي نص لا يستحي، نص ملوث ومريض بنفيه الخاص أيضا، لكن الكاتب زاد الجرعة عما يحتمل، ليبدو النص مفتتا حينا منهكا دائما باستعراضية أدبية تفوق التخمة الوعظية أو الدعائية الأيديولوجية المترشحة في أكثر من مكان من النص، وتحديدا الدعاية للقومية في ثوبها البعثي اليميني.
لكن الذروة التي تتكشف فيها سيكولوجية الذات الراوية بسفورها وعريها وهيمنتها لا تكمن فقط في الاستعراض الشعري والخطابية الأيديولوجية، وإنما في اللحظة التي يتحول فيها النص إلى صندوق "ميدوزا" حقيقي تتطاير منه الاتهامات والتخوين والكراهية الشوفينية. مثلا: "الكردي إنسان قطيعي بالفطرة"، قاطع طريق وقاتل مأجور، الصفات الكردية هي صفات التبعية والخرافة والاغتراب. يبحث الكردي عبثا عن ذاته، عن هوية وعن وطن.. أوهموه أن له وطنا خاصا إسمه "كردستان" لكنها أكذوبه صدقها: "إنه صدق الكذبة إلى الأبد".
إن سماء شمال العراق، السماء الكردية تأن تحت وطأة الأحزاب الكلبية والجواسيس. تحول العراق - في شماله تحديدا حيث مسرح أحداث الرواية - إلى مكان تسوده كلاب سلوقية للصيد والحراسة. والسؤال المغيب، لماذا وكيف صار المكان على هذا النحو؟ من صيره لقمة سائغة لكل مخابرات الدنيا. من جعل العراق تحت سماء المراحيض؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.