وقع الشاعر والإعلامي محمد غبريس مجموعته الشعرية الرابعة تحت عنوان "أحدق في عتمتها" الصادرة عن دار كنعان للدراسات والنشر بدمشق ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب 2015. وتشتمل المجموعة على 21 قصيدة، منها: إليك، تذكار، فراشة، شعلة، ذكريات، قدر، جرح، حرف، طلل، تعويذة، أمل، ميلاد، سيرة، بلدي. وتتنوع القصائد بين الحب بأبعاده المختلفة، المتجهة نحو الأنثى والوطن والعالم، ونحو الذات أيضاً، وهذا ما توضحه قصيدة "قمر" التي تبدأ: شعرتُ به، يحدق في تفاصيلي، يخيل لي، على شكل القصيدة، حين ألمحه هناك مبللاً بمطر. ثم ينتقل المشهد الشعري إلى صورة أخرى يتمحور حدثها حول الأنا كشخصية ترقب الذكريات والفصول وما يطلع منها من ظلال لا سيما نزار قباني بجريدته وقهوته، وكأن الأنا تحاكي تلك الأنا، وتتبعها: يراقبني ويتبعني، يدون ذكرياتي، يرتدي في الليل قبعة، ويلبس معطفاً مثلي، وفي يده الجريدة، نصف كوب، من أسى وضجر. ورغم الحالات المتقلبة إلا أن الذات الشاعرة والذات الطيفية تمتزجان رغم المسافة، لينتج ظلٌّ يجمع كلمات القصيدة: أراهُ متأبطاً كتباً، وأحياناً زهوراً، يستبيح دفاتري، وقصائدي الأولى، يخبئ وجهه في أضلعي، وفيه حنين وتر. وبالتدريج يكشف الظل عن ملامحه ليغدو كالشجر، ويبدو القمر، ويصير السنابل، ويصبح مرئياً، فيتحدد شكله: أراه منذ أن عبرت يداي إلى الكتابة، لونه القروي يعرفني، له شكل السنابل والندى، وله جبين شجر. ونلاحظ أبعاداً أخرى للعناصر الطبيعية، حيناً، تصير سؤالاً: هنا بلدي، تئن.. هل الأسى يبقي على أحد؟ وتبرز بإجابة في عنوان آخر: لا تمت، قبل أن تستعيد بقاياك، من كل مفترق، وتلاحق حلمك فوق جبال، من الأرق. ويغدو الحب مفقوداً، أو قاب (عذر): لقد أودى بيَ العمرُ، وأبكى مقلتي الهجر. وفي مشهد آخر، ينعطف إلى الرومانسية: في الطريق إلى الجنة المبتغاة، يقولون: كن كالفراشة في اكتمال الربيع، تسبّح بالعطر هانئة، تتعرى على شفة الورد. وتبرز حالة أخرى للسؤال باستنكار، وتحدّ، وضعف في الآن ذاته: من أنتِ؟ كي تحكميني بالتي أسوأ، إني بحبي مريض ليتني أبرأ. وتظهر في قصائد أخرى صور الحياة بيومياتها وأسئلتها وتفاصيلها وتناقضاتها وألفتها، ومنها قصيدة "أمل" المعتمدة على الصورة المشهدية في مقاطعها: من هناك؟ أجبْ، نازفاً تمتطي الشجر المتأبط، خاصرة االدار، من أنت؟ ماذا تريد؟ وما بك في هذه الليلة الممطرة. في البداية، هناك إشارات تدل على أحد ما، إشارات صوتية، أو حركية، تندغم مع أصوات المطر، ومن خلالها يبرز (الآخر) في المشهد بين استفهام وإجابة وعدم معرفة تامة بالذي هناك، ليصفه المشهد الثاني باللص، الغريب، الجريح، عابر سبيل، ويتداعى الحدث ليبدو أن العتمة تخبئ الآخر والذكريات والماضي والكائنات الأخرى، لكنها لا تفصح عن هذا القادم بتحديد معين. وفي "الأماني" لا تخفى المشاعر بالوطن: هنا في الجنوب، طريق مسافرة في النزيف، نحاول أن نرتقي سلّم الريح، كي نعبر الذكريات التي اعتنقت شهوة الحرب. ويظل بين الوطن والسفر حنين وحكايا دموع وحزن وأمهات واغترابات وأماني: وبتنا نلاحق عمراً لعل القصائد تكتمل. وعلى الجهة الأخرى، يبدو الذين لم يغادروا الجنوب: حملتم بأحداقكم راية القابضين على الضوء. وفي حالة من الإصرار، يتحدى الإنسان الانكسار ب "صباحات العشق"، والحب، وما في النثرات الصغيرة من مشاعر عميقة، ترتفع في صورة المحاكاة: "أحييك سيدة الصبر، هزي النخيل ليساقط الظل شمساً. إذن، هي صباحات أخرى لمريم والغربة والبلاد والقرى وشموع القمم. وهكذا، يعبر التحديق الأشياء، ليتوزع في الأشياء بلغة بسيطة، شفافة، متدفقة المشاعر، منسابة بين الحياتي والحلمي والمعنى المتوزع إلى منفى وحب ووطن. يذكر أن الشاعر محمد غبريس يعمل في مجلة "دبي الثقافية"، صدر له عدة مجموعات شعرية منها: "جرار الضوء" و"نبض الأقحوان" إضافة إلى كتاب "قريبا منهم: كيف ينظر المبدع الإماراتي إلى المشهد الثقافي" عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة.