يحتل الروائي بهاء طاهر مكانة مرموقة علي خارطة الرواية العربية ، ولد بصعيد مصر عام 1935 ، حصل علي ليسانس الآداب في التاريخ وعمل محررا للبرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية ، وترك بلده في النهاية بسبب استيائه من سياسة السادات رئيس الدولة آنذاك وفي الثمانينيات والتسعينيات عمل مترجما لدي الأممالمتحدة في جنيف ثم عاد الي القاهره عام 1995 ومن اشهر رواياته " الحب في المنفي " و " شرق النخيل" و " واحة الغروب" و" خالتي صفية والدير" و " قالت ضحي " و استطاع من خلال روياته أن يلامس الواقع العربي والانساني بكل شاعرية وايجابية ، وحصل علي جائزة بوكر للرواية العربية عن روايته" واحة الغروب" التي تبحر في تجربة حقيقية مليئة بالمشاعر والعواطف والالم ، حيث استقر قرار لجنه التحكيم العربية البريطانية علي هذه الرواية من بين ست روايات وصلت الروايه للمرحلة النهائية لافضل رواية عربية ، وحاز بهاء طاهر أيضا علي جائزة الدولة للآداب في التسعينيات .. في بداية حواري مع الروائي بهاء طاهر بادرت بسؤاله : - كيف تنظر إلي دور الكلمة والابدع في مسألة التغيير في المجتمع ؟ - دور كبير ، لأن تأثير الكلمة و الثقافة داخل الانسان في المجتمع يعد تأثيرا اساسيا لان كل ما تحقق في هذا المجتمع من تغير تحقق بفعل الثقافة وبفضل كفاح المثقفين الذي سجله كتاب مستقبل الثقافة لطه حسين وايضا كتابي ابناء رفاعة الذي رصدت فيه ما قام به المثقفون من جهد لاحداث تغير اجتماعي اذا احتضن المثقف المعاصر رسالة اسلافه في احداث النقلة الاجتماعية وفي التمسك بالحلم الذي دفعنا في مقابلة دماء كثيره وثمنا باهظا وسوف تكون للكلمة تأثيرها الاجابي فدور المثقفين في المجتمع اكبر مسؤلية ودائما اضرب المثل بمصر والدور الذي قام به المثقفين ، لأن هؤلاء علي اكتافهم قامت النهضة المصرية من العصور الوسطي الي العصر الحديث واذا اختفي دور المثقفين في المجتمع توقف عن الحركه ويصيبه الرقود والتراجع وهذا هو الوضع الحالي في البلاد العربيه بالتحديد ، لأن المثقفين بعيدين ولا يقوموا بدور فعال فالمجتمعات العربيه كلها في حاله رقود وتقلص . - - في كتابك " ابناء رفاعة " أردت أن تقول أن الكاتب قادر علي التأثير والتغيير في المجتمع ؟ - هذا الكتاب رصدت فيه ما قام به المثقفون من جهد لاحداث تغير اجتماعي ووضحت فيه الحلم المصري الذي كان موجودا من ايام رفاعه الطهطاوي للثوره العرابيه حتي مصطفي كامل وثورتي19 يوليو هذا هو الحلم الذي يتمثل في حق التعليم للجميع والحرية والمساواة والعدالة للمرأة والوحدة الوطنية التي حارب من اجلها المثقفون جميعا والديمقراطية . - - قلت قبل ذلك في رواية البطل المهزوم هو الذي يقاوم ثم يهزم اما الانهزامي فهو الذي لا يحاول المقاومة اطلاقا؟ نعم لأن حربي في رواية "خالتي صفية والدير" كان بخلاف ما اظهره المسلسل الذي اظهره بصورة بطل انهزامي ولكنه في الحقيقة مقاوم حتي لحظة النهاية بكل ما تعرض له من تهديد خاله بقتله الي ان اخذت صفية بالثأر منه الي الامراض التي لحقت به فلم يستسلم في اي مرحلة - -هل تعتبر هذه رساله للقارئ بعدم الانهزام؟ - اتمني ذلك ان تعطي كل روايه من روياتي رسالة للقارئ فالرسالة اما ان تزيد من وعيك بالواقع المحيط بك وتوسع علاقاتك الانسانية واما ان تغيبك عن هذا الوعي فعندما اكتب عن اشياء محزنة فانا لا ادعوكم للبكاء وانما ادعوكم للتفكر في الاسباب التي دفعت هذه الشخصيات الي ما هي عليه ونحاول تغيرها - -حصلت علي جائزه البوكر عن رواية " واحة الغروب" ماذا تمثل لك ؟ - تدور احداث الروايه في واحة سيوه الواقعة غرب مصر وبطلها الضابط محمود الذي كان يعمل في الواحه كمدير حربي وكان يشعر هذا الشاب بالتردد بين الواجب المهني وتعاطفه مع ثوره عرابي المعاديه للبريطانيين وعداء سكان الواحة له لانهم كانوا ينظرون اليه علي انه يمثل الحكومة فشخصية البطل في الروايه ترمز الي فتره النكسه التي تعيشها دول كثيرة من العالم العربي في الوقت الحالي - -هل تدخل السياسة في حرية الابداع؟ - بالتأكيد مثل الرقابة الحكومية وتحد من انطلاقات الكاتب لكن الكاتب الجيد يغامر ويتحدي هذه الرقابة ويتحمل تبعاتها وعقابها - -يقال انك تستند في تصميم شكل رواياتك الي الموروث الفني للجيل الاول من الروائين المصريين؟ عندما اكتب لا اكون واعيا ان ما افعله ينتمي لمن او علي اي ضوء لذا اترك نفسي لسجيتي ولا اكتب عن فكره مسبقة وهو سيناريو جاهز وليس تصورا معينا ينبغي ان تكون عليه الرواية و المهم ان يكون الكاتب نفسه حتي لو كتب رواية واحدة في حياته - -هل تتصور ملامح الشخصيات كامله قبل ان تبدأ في الكتابه؟ - الشخصيات هي التي تختار نفسها ، وليس انا الذي اختارها فهي تظهر عفويه غير مقصوده وتفرض وجودها وتفرض المساحة والامتداد الزمني فالشخصية التي تكتب علي الورق تنشأ بينها وبين الشخصيات الاخري علاقات وهذه العلاقات يتبعها الكاتب ولا يبتدعها فاحيانا الشخصيات تفاجئني اثناء الكتابة انها تطور في منحي لم اكن رسمته في ذهني وتتطور بطريقة اخري . - -قلت ان المعاناه الحقيقيه والاساسيه للكاتب هي صراعه الدائم مع اللغه ؟ - نعم لان بعض الكتاب يعتقدون انه كلما تفنن الكاتب في ابتداعه لغه غنيه بالالفاظ الفخمة كان هذا انجازا ولا انكر ان بعض هذه المحاولات يعد انجازا ولكني اؤمن ان الكاتب ملزم ومدين لجمهوره بالتواصل وهذا التواصل قد يكون بلغه سهله ميسره علي القراء حتي لا يهجرو القراءة - -كتاباتك تمتاز بتناول فكره الاصاله والمعاصره هل هذا صحيح ؟ - هذا حكم نقدي احاول ان اهرب من الثنائيات وهذه الاصالة المعاصرة او الحداثة وما بعدها لكني أكتب ما اؤمن به فقط . - -لماذا تناولت التعايش بين المسلمين والمسيحين في روايتك "خالتي صفية والدير" ؟ - هذه قضيه حياتي واول خطوة في تحقيق نهضه هذا المجتمع هي التركيز علي فكرة وحدة الامة فاول من كتب عن هذه القضية رفاعة الطهطاوي وقال ان مصر ام لابنائها والام لا تفرق بين ابنائها فانا شخصيا ادعو الله ان أكون مسلم حسن الاسلام ولا افرق في معاملاتي بين مسلم ومسيحي علي الاطلاق - -ما هي مسؤليه الكاتب عندما يكتب للتليفزيون؟ - ليس له اي مسؤلية فمهمة الكاتب تنتهي عندما يضع القلم في نهاية الرواية او القصة فما بقي بعد ذلك فهي مسؤلية من يعد ويخرج فأكبر غلطه يقوم بها الكاتب ان يحاول يتدخل في من يعد العمل - -هل الجو المحيط الآن في العالم العربي يسمح بحرية الابداع ؟ - لا يسمح علي الاطلاق ، لأن هناك دائما خطوط حمراء وتقدر تقيس درجه الحريه بمدي انخفاض سقف هذه الحريه في حدود وسدود واكثرها في الدول العربية ففي بعض الاحيان السقف مرتفع جدا والبعض الاخر منخفض لكنه موجود في جميع الاوقات . - -هل العمل الكتابي عفوي غير مقصود؟ - لابد ان يكون هناك فكرة تلقائية للكتابة ثم يخلفها عمل ادبي جيد فالكتابة هي اعادة الكتابة لاننا نجد احد الكتاب يقول انها 10%الهام و90% عرق - - وما احب روايه الي قلبك؟. - روايتي " انا الملك جئت " س لانها قصه جميلة وطويلة لم تأخذ حقها - -هل يعيش الفرد حالة من الازدواجية بين القيم الذي يؤمن بها والذي يطبقها ؟ - هذه ظاهره جديده ليست موجوده قبل ذلك و السبب فيها التكالس السياسي الموجود في جميع البلاد العربية الذي جعل الثقافة المرغوب والهدف منها لتقدم المجتمع للامام مشلولة وعاجزة فحرية التعبير اذا لم تكن مصحوبة بحرية الفعل لا قيمة لها علي الاطلاق . - - قمت بترجمة بعض الاعمال فماذا تنصح المترجم عندما ينقل من لغة لاخري؟ - ان يكون موهوبا ولا يكتفي ان يعلم اللغه حتي يترجم ولابد ان يتقمص اللغه التي يكتب عنها والتي ينقل اليها وهذا كان متوافرا فيما مضي فالمترجمون الجيدون قله - -هل كان لعملك في الكتابة تاثير علي اسلوبك في الكتابة؟ - من المؤكد انه كان له تأثير لان الاذاعة تعطي الاثر الصوتي للكلمة مسموعاً وهذا يعطي سلاسة في التعبير. - - بخلاف الحركة النقدية التي غابت .. ما الذي كان متوفراً قديماً ولم يعد موجوداً الآن ؟ - الحياة الثقافية نفسها ضعفت للغاية وأصبحت في شبة سبات طويل بالمقارنة بحالها قديماً , ورغم هذا ما زلت أصر علي أن الحركة النقدية السليمة هي التي تستطيع فرز الأعمال الجيدة التي مقدر لها أن تبقي وتسود من الأعمال الضعيفة التي محتوم عليها أن تذبل وتموت ,..كما أن تلك الحركة هي فقط التي تستطيع أن تخبرك بأن هذا العمل الأدبي جيد وهذا سئ , وأن هذا الكاتب الذي ما زال مبتدئ في بحر الأدب يستحق أن تراقبه وهو ينمو ويصبح أديب كبير , وسأحكي لك تجربتي مع الحركة النقدية فأنا شخصياً بمجرد أن بدأت في الكتابة الأدبية مع اول قصة لي كان أول من نقد أعمالي بشكل صحي وسليم وقدمني للجمهور كان الكاتب العظيم يوسف ادريس , فقد كتب عني كلمة قصيرة في مجلة ثقافية شهيرة وقتذاك كان إسمها " الكاتب " , ونفس الشئ حدث مع يحي الطاهرعبد الله , وكذلك الأديب جمال الغيطاني عندما نشر مجموعته الأولي " أورق شاب عاش من ألف عام " كتب عنه علي ما أظن الاستاذ الكبير محمد عودة , و أيضاً عندما كتب صنع الله ابراهيم روايتة الأولي " تلك الرائحة " قدمه للجمهور عبر النقد الأدبي كبار الكتاب وقتها ولفتوا النظر اليه , إذن عبر كل تلك الأمثلة تجد أنه إذا أردت أدباء عظام بحجم تلك الأسماء التي ذكرتها لابُد أن يوجد تشجيع صحي للأدباء الشباب وذلك عبر تقديم حركة نقدية لهم تصحح لهم ما اخطأوا فيه وتقدم لهم ما غاب عنهم , ويجب أن يكون ذلك النقد نابعاً من إٍخلاص حقيقي وعن نظرة موضوعية , لا لمجرد واسطة أو نفاقاً لأحد أو حتي مجاملة لمن ينتمي الي نفس تياري الفكري . - - وهل تظن أن تلك الحركة النقدية ستعود قريباً للحياة الثقافية أم لا ؟ بصراحة لا أظن ذلك , لأن مقدماتها ليست موجودة حتي الآن . - - هل تتابع أعمال الأدباء الشباب ؟ - نعم علي قدر الإمكان ، وأحاول أن أخصص لها بعضاً من وقتي . - - برأيك ما هي المقاييس التي علي أساسها يمكن الحكم إذا كان العمل الأدبي جيد أو سيء ؟ - أنا صرحت في أكثر من ندوة أنه يوجد في العالم الأدبي محكمتين للحكم علي أي عمل أدبي , محكمة ابتدائية ومحكمة استئناف , المحكمة الابتدائية هي محكمة الجمهور , لكن الجمهور من الممكن أن يخطئ , أما محكمة الاستئناف وهي محكمة الزمن فلا تخطئ أبداً فإذا عاش العمل لعشر سنوات أو لعشرين عاماً فقد أثبت أنه عمل يستحق أن يعيش طويلاً , اما الأعمال الأخري التي تشبه ورق الكلينكس فقد تكون مشهورة جداً لمدة ستة أشهر أو عام أو قد تستمر علي الأكثر لخمسة أعوام ثم تصبح بلا أهمية , وأنا في حياتي الطويلة قد شاهدت العديد من الأسماء اللامعة في وقت من الأوقات والتي لا يتذكرها الناس الآن , في حين أني قد شاهدت أيضاً العديد من الاسماء المغمورة في وقتها لكنها أصبحت بمرور الزمن ملئ الأسماع و الأبصار , لذا أقول أن تلك هي المحكمة الاستئنافية والتي لا تخطئ ابداً وحكمها نهائي لا طعن فيه . - - هل تري أن الجيل الجديد من المؤلفين قادر علي حمل لواء الثقافة و الصعود به عالياً أم ماذا ؟ حقيقة هذا سؤال مهم جداً , ، كنه إجابته بصراحة تتوقف علي الأدباء الكبار والجمهور المثقف , ماذا سنفعل بتلك المواهب الجديدة , فهل ستحتضن تلك الأقلام الجديدة حركة ثقافية واعية وناضجة تحافظ عليها أم ستتركها للعراء و للنسيان! - - وهل تري أنه في وضعنا الحالي سيهتم أحد بتلك المواهب الجديدة ؟ - هذه الفترة بصراحة لا تشجع , لأن هذا يتوقف علي أجهزة الثقافة الرسمية أو الأهلية والإثنان الآن في وضع يرثي له , الأمل الباقي الآن يتمثل في المنابر الثقافية وحتي تلك وضعها لا يدعو للتفاؤل , ولذلك حقيقة أنا أضع أمل كبيرعليكم وعلي مشروعكم الثقافي موقع دار الكتب .